Profile Image

ا.د سعيد غني نوري

التخاطرُ الذهنيّ بين الفراسةِ والتوسم

أ.د. سعيد غني نوري التخاطر الذهني أو التخاطر عن بعد، وهو الذي يُسمى في المصطلح الإسلامي بعلم الفراسة أو التوسم، وله الكثير والعديد من الأسماء الأخرى مثل التخاطر الروحي، وكلُّ هذه المُسميات تنتمي لشيءٍ واحد وهو الفراسة العقلية. وهو عبارة عن (اتصالٍ عقليّ بين البشر، ولكنْ بصورةٍ غير ملموسة بين شخصين فيستقبلُ كلُّ طرفٍ منهم رسالةَ الآخر في نفس الوقت الذي يُرسلُ فيها الآخر الرسالة إليه، حتى إذا بَعُدَت أماكن تواجدهم، وتزدادُ هذه الخاصية سموًا بدرجاتِها لدى الأولياء والعارفين). فالتخاطرُ يعني معرفة الشخص بكلِّ ما يدور في رأس الطرف الآخر، وهذه الظاهرة أقدم القدرات الإنسانية الخارقة التي عرفها الإنسان قديمًا. وقد جسّدها الإسلام بصورةٍ جليّة، مُشيرًا إلى العوامل التي تؤثر في زيادة هذه القدرة على التخاطر أو الفراسة، ومنها: 1- القدرة العقلية للإنسان وعامل الذكاء (الجانب التكويني). 2- درجة التقرب من الله (عز وجل) وقوة الإيمان. 3- صفاء النفس. 4- درجة التقارب الروحي والنفسي بين المتخاطرين. وتؤكد بعض الدراسات السيكولوجية في التنمية البشرية أنَّ التخاطر عن بعد لا يحدث بين أفراد البشر فقط، بل يحدث عند الحيوانات أيضًا، كالحيوانات الأليفة التي نعيش معها، فقد أجرى العلماء العديد من التجارب على حيوانات مختلفة وكانت النتيجة أنَّ هذه الحيوانات تتنبأ بالفيضانات والزلازل والكوارث التي تصيب الكون، فوجدوا أنَّ القطط والكلاب والأسماك والطيور تشعر بهذه الكوارث قبل حدوثها بساعاتٍ؛ ولذا كانت للكلاب القدرة على حماية أصحابها من دون الحيوانات الأخرى، ومن ثم إنقاذهم من المواقف الصعبة والأخطار المحدقة التي تؤدي بهم إلى الموت. لذا بدأت الدول المتقدمة تستشعر الأخطار والزلازل والفيضانات والبراكين عن طريق مجموعة من الحيوانات التي تمتلك هذا النوع من التخاطر. ويسمى التخاطر أيضًا بالقدرة الخارقة؛ لأن العديد من الأشخاص الذين يفكرون في أشخاصٍ آخرين كانوا يعرفونهم وشعروا بأنَّهم يودون زيارتهم أو الاتصال بهم، في هذا الوقت نفسه يكون أولئك الأشخاص الآخرون هم أيضًا يُفكرون بنفس التفكير ويعتريهم ذات الشعور! إذ من الممكن أنْ تذهب إلى غرفتك وتجلس بها وتفكر في أحدٍ من أصدقائك وإذا بجرس الهاتف يرن فجأةً ويكون هو نفس الشخص الذي كنت تفكر به! هذا هو التخاطر عن بعد. ولكي تستطيع التواصل العقلي بشخصٍ معين عليك التركيز والتأمل؛ لأنهما يساعدانك في الحصول على نتيجةٍ أفضل في إيصال رسالتك إلى هذا الشخص. فظاهرة التخاطر هي غريزة فطرية (تكوينية) عند الإنسان، ويوجد كثيرٌ من الناس تأتيه هذه المقدرة بسهولة. وتوصلت بعض الدراسات إلى أنَّ بعض الأشخاص قد يستغربون أو يُصابون بحالةٍ من الاستغراب والذهول، فلا مجال للكذب في التخاطر، وأنَّ الشخص الذي يتمتع بهذه الموهبة يكون بأقصى درجةٍ من العفوية فيعتقد أنَّه يتكلم مع نفسه أحيانًا، ويُمكن للمُتخاطر أنْ يملك القدرة على قراءة أفكار الناس الذين حوله. وللتخاطر أسبابٌ علمية بحسب بعض الدراسات، فالعلم الحديث أثبت نشاطاتٍ متعددة لجسم الإنسان، ومن الممكن أنْ نتعرف عليها من وجهة فسيولوجية: تقوم خلايا المخ عند الإنسان بعدةِ مهام عن طريق إرسال الإشارات الكهربائية فيما بينها، ويكون دور هذه الإشارات بمثابة الأمر الذي تُرسله مراكز المخ المختلفة التي تكون مسؤولةً عن القيام بتوصيل المعلومات من مراكز المخ إلى الحواس أو العكس، ومن خلال الأعصاب تقوم بتوصيل الأوامر من المخ إلى الأعضاء، والتي تكون مسؤولةً أيضًا عن تحريك الأعضاء والإحساس، ومهما كانت درجة ضعف هذا النشاط الكهربائي فهو يولد نوعًا من الطاقة الكهرومغناطيسية التي ترصدها العديد من المعدات، وتقوم بعمل الكثير من العمليات التي يقوم بها عقل أو مخ الإنسان تصدر عنها كميةٌ قليلةٌ من الطاقة يمكن أنْ تتميز عن غيرها بالقدر الذي يسمح به إمكانيات الأجهزة التي نستعملها حاليًا. ويكون جهاز الاستقبال هو عقل الإنسان الذي وهبه الله تعالى القدرة على أنْ يشعر بهذه الموجات ويستقبلها ويترجمها إلى أفكار، ويمكن القول: إنَّ الفروق الفردية التي حددها الإمام الصادق (عليه السلام) في تفاوت الناس بالقدرات العقلية هي التي تُحدد نوع الاستقبال لهذه الخواطر، فمنهم من يستجيب بسرعةٍ، ومنهم من لا يستجيب بسرعةٍ، وهذا دليلٌ دامغٌ على أرجحية نظرية الإمام (عليه السلام) بأنَّ بني البشر يتفاوتون في مستويات الذكاء وقدراتهم العقلية بحسب نشأتهم التكوينية عند انعقاد النطفة وفترة الحمل وبعد الولادة واكتمال العقل لديهم. فقد روي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): الرَّجُلُ آتِيه وأُكَلِّمُه بِبَعْضِ كَلَامِي فَيَعْرِفُه كُلَّه ومِنْهُمْ مَنْ آتِيه فَأُكَلِّمُه بِالْكَلَامِ فَيَسْتَوْفِي كَلَامِي كُلَّه ثُمَّ يَرُدُّه عَلَيَّ كَمَا كَلَّمْتُه ومِنْهُمْ مَنْ آتِيه فَأُكَلِّمُه فَيَقُولُ أَعِدْ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: يَا إِسْحَاقُ ومَا تَدْرِي لِمَ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: الَّذِي تُكَلِّمُه بِبَعْضِ كَلَامِكَ فَيَعْرِفُه كُلَّه فَذَاكَ مَنْ عُجِنَتْ نُطْفَتُه بِعَقْلِه وأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُه فَيَسْتَوْفِي كَلَامَكَ ثُمَّ يُجِيبُكَ عَلَى كَلَامِكَ فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُه فِيه فِي بَطْنِ أُمِّه وأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُه بِالْكَلَامِ فَيَقُولُ أَعِدْ عَلَيَّ فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُه فِيه بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ يَقُولُ لَكَ أَعِدْ عَلَيَّ. فالتخاطرُ عن بعد أمرٌ مختلفٌ فهو يعني استقبال الطاقة التي تصدر من عقل أيِّ شخصٍ، ويقوم العقل المستقبل بتحليلها، فهو يعرف ويدرك أفكار الآخرين ويعمل على توفيق حواسه على تلقي الموجات الكهرومغناطيسية التي تصدر من الآخرين ويعرف ما يدور في عقولهم عن طريقها، فيما يقوم الجانب الآخر بإرسال الخواطر وإدخالها في عقول الأشخاص الآخرين. ويكون التخاطر عبارةً عن انتقال صورٍ وأفكار عقلية بين الكائنات الحية دون أنْ يستعين بالحواس الخمسة، أو يقوم بنقل الأفكار من عقلٍ إلى آخر من دون وسيطٍ مادي، حيث يكون عقل الإنسان مثل (البلوتوث) يعتمد على نقل البيانات والملفات من جهاز إلى آخر عن طريق الموجات ومن دون أسلاك، فالبعض منها يستقبل فقط ولا يرسل، والبعض الآخر يرسل ويستقبل، وبذا يكون عقل الإنسان في حالة التخاطر. الفراسة والتوسم والتخاطر الذهني عند الأولياء الفراسة مصطلح إسلامي وهو ما يُسميه العلماء بـ(الفراسة الإيمانية)، وتكون بحسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانًا كان أحدَّ فِراسةً. فمن غرس الإيمان في أرض قلبه الطيبة الزاكية، وسقى ذلك الغرس بماء الإخلاص والصدق والمتابعة وموالاة العترة الطاهرة من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، كان من بعض ثماره هذه الفراسة. فقد روي عن أبي سعيد الخدري أنَّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله، ثم قرأ قول الله (تعالى): "إن في ذلك لآيات للمتوسمين" وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنَّ لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم"، وأصل هذا النوع من الفراسة من الحياة والنور اللذين يهبهما الله (تعالى) لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تُخطئ قال الله (تعالى) عنها: "أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها". ولعل أفضلَ مثالٍ وخيرَ دليلٍ على فراسة التوسم والتخاطر العقلي في التاريخ هو فراسة سيد المتوسمين أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) الذي أضاء الله مصباح المعرفة في قلبه.. فلا تَحدُث في العالَم حادثة إلا ويطّلع قلبه عليها. قال المصطفى (صلّى الله عليه وآله): "اتَّقوا فِراسةَ المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور الله" وحول فراسة الأولياء، روي أنه خَرج عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يريد الخوارج إذ أقبل رجل يركُض حتّى انتهى إلى أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين البُشرى ! قال : هات ما بُشراك ؟ قال : قد عَبر القوم النهروان لما بلغهم عنك ، وقد مَنَحَكَ الله أكْتافَهم ، فقال : الله لأنت رأيْتَهُم قد عَبروا ؟ فقال : والله لأنا رأيتُهم حين عَبروا ، فحلّفه ثلاث مرّات في كلِّ ذلك يَحْلِفُ له ، فقال له أمير المؤمنين : كذَبْتَ والّذي فَلَقَ الحبّة وبرأ النّسَمَة ما عبَروا النهروان ، ولن يبلغوا الأثلاث ولا قصْر بُوران ، حتّى يَقْتُلُهُم الله على يَدَيَّ ، لا ينَجُو منهم تمام عشرة ، ولا يُقتَلُ مِنّا عشرة : عهداً معهوداً ، وقدراً مَقْدوراً وقضاء مقْضِيّاً ، وقد خابَ مِنَ افْتَرى . فكان كما قال (عليه السلام).

اخرى
منذ 4 سنوات
1933

تنميةٌ في السلوك/ الأوهامُ والعاداتُ والخوفُ وأسباب التخلف

أ.د. سعيد غني نوري ذهب فلاحٌ إلى جاره يطلب منه حبلاً لكي يربط حماره أمام البيت، أجابه الجار بأنَّه لا يملك حبلًا، ولكن قدّم له نصيحةً وقال: ــ يُمكِنُك أن تقوم بنفس الحركات حول عنق الحمار وتتظاهر بأنَّك تربطه ولن يبرح مكانه! عمل الفلاح بنصيحة الجار، وفي صباح الغد وجد الفلاح حماره في مكانه تمامًا! ربت الفلاح على حماره، وأراد الذهاب به إلى الحقل، ولكن الحمار رفض التزحزح من مكانه! حاول الرجل بكلِّ قوته أنْ يُحرِّك الحمار ولكن دون جدوى، حتى أصاب الفلاح اليأس من تحرك الحمار، فعاد الفلاح إلى الجار يطلب النصيحة، فسأله الجار: ــ هل تظاهرتَ للحمار بأنَّك تحلُّ رباطه؟ ــ ولكن ليس هناك رباط! ــ هذا بالنسبةِ لك، أما بالنسبة للحمار فالحبل لا زال موجودًا! عاد الرجل وتظاهر أمام الحمار بأنَّه يفكُّ الحبل وينزعه من حول عنقه، فتحرك الحمار معه دون أدنى مقاومة! *لا تسخر من هذا الحمار، فالناس أيضًا قد يكونون أسرى لعاداتٍ أو لقناعاتٍ وهمية تُقيّدُهم، وما عليهم إلا أنْ يكتشفوا الحبل الخفي الذي يلتفُّ حول (عقولهم) ويمنعهم من التقدم إلى الأمام *أيُّ أمةٍ تورّثُ أجيالها الحديث عن الضعف والتخلف والخوف والفقر ستبقى متأخرة، حتى تفكَّ حبلها الوهمي، وحينئذٍ فقط تستطيع أنْ تنهض وتمضي من جديد.

اخرى
منذ 4 سنوات
326

تنميةٌ في الذات/ الجميعُ يُريدُ الإصلاح!

أ.د. سعيد غني نوري نظرية النافذة المكسورة: أجرى فيليب زمباردو ــ وهو عالمُ نفسٍ واجتماع ــ تجربةً في عام 1969، أصبحت فيما بعد واحدةً من أشهر التجارب في دراسات علم الجريمة بشكلٍ خاص وفي العلوم الاجتماعية على نحوٍ عام. فقد قام العالمُ بترك سيارتين بأبوابٍ مفتوحةٍ ولوحات أرقام مفقودة في منطقتين مختلفتين: إحداهما في حيٍ فقير، والأخرى كانت في حيٍ غني. بدأ المارة في الحي الفقير بسرقة وتخريب السيارة في بضعِ دقائق، وتمَّ تدميرها بالكامل في غضون ثلاثة أيام! تطلّب الأمر وقتًا أطول للمارةِ في المنطقة الغنية لبدء تدمير السيارة، مما أرغم زمباردو على التدخل بكسرِ إحدى نوافذ السيارة، فبدأ الناس بكسر المزيد من النوافذ وسرقة السيارة، واستغرق الأمر وقتًا مشابهًا للوقت الذي استغرقه في الحي الفقير لتحويل السيارة بالكامل إلى خردة في بضعة أيام. وفي عام 1982، تابع عالمان آخران دراسة الباحث زمباردو وملاحظاته عن طريق إجراء دراساتٍ مماثلةٍ على مبانٍ وممتلكاتٍ أخرى في مناطقَ مختلفة، واستحدثا نظريةً أطلقا عليها "نظرية النافذة المكسورة"، والتي تمَّ اقتباسها في العديد من دراساتِ وكتبِ علم الاجتماع. تتلخصُ النظرية: بأنَّ إهمال معالجةِ أيِّ مشكلةٍ في بيئةٍ ما - بغض النظر عن صغر حجمها- سيؤثرُ على مواقف الناس وتصرفاتهم تجاه تلك البيئة بشكلٍ سلبي مما يؤدي إلى مشاكل أكثر وأكبر. والعكسُ صحيحٌ أيضًا، فمعالجةُ المشاكل الصغيرة في وقتٍ سريع سيؤدي إلى بيئةٍ أفضل وسلوكٍ أحسن. مما يُثير الاهتمام في هذه الدراسات، أنَّ الأشخاص الذين قاموا بالتخريب المتعمد للسيارات والمباني لم يكونوا مجرمين، وكان معظمهم من عامة الناس والمواطنين الملتزمين بالقانون! ورغم ذلك فإنَّ النافذة المكسورة أرسلت رسالةً خفيةً لهم توحي بأنَّ لا أحد يهتم، وعلى الأرجح لا توجد عواقب لإتلاف ما تمَّ كسره أصلًا. تخيّل أنَّ هناك فنجانًا مكسورًا في منزلك، هل سيكونُ هناك أيَّ عواقب لكسره أكثر؟ أو هل ستكون حريصًا على ألّا يتدمر عند رميه في صندوق القمامة؟ بالإمكان تطبيق هذه النظرية على العديد من مجالات الحياة الأخرى. فمثلا: *إذا ترك أحدهم بعض القمامة في حديقة عامة، ولم تتم إزالة تلك القمامة في وقتٍ معقول، ولم تُطبَّق أية عقوباتٍ على من رماها، فإنَّ ذلك سيؤدي إلى قيام أشخاصٍ آخرين بنفس الفعل في الحديقة ذاتها وفي غيرها وستتحول الحدائق إلى مكبّات قمامة ينفر الزوار منها كما هو الحال اليوم في بعض المنتزهات العامة. *وإذا سمح معلمٌ لأحد الطلاب بالغش في امتحان مادةٍ ما، فسيكون الغش مقبولًا في امتحاناتٍ أخرى ومن طلابٍ آخرين في جميع مستويات التعليم. *وإنْ لم تُصلح تسريبًا صغيرًا للزيت في سيارتك، فسيؤدي ذلك إلى تعطل المحرك بالكامل. *وفي المنزل، إذا كنت لا تغسل الأطباق بعد الأكل مباشرةً، فسيؤدي ذلك إلى تراكمها وربما إلى مشاكلَ صحيةٍ كبيرة في المستقبل. *وقد يؤدي خلافٌ صغيرٌ مع شريك حياتك إلى مشاكلَ أكبر تنتهي إلى الانفصال والتفكك الأسري الذي قد يستمر تأثيره إلى عدّةِ أجيال. *السكوت عن الباطل، عندما يُفتي شيخ عشيرة بما يُنافي الشرع أو القانون، فهو ينافي الإصلاح ... *عدم مشاركتنا في تغيير الوجوه الكالحة بالطريقة الديمقراطية والسلمية المشروعة فهذا ينافي الإصلاح ... *والخلاصــــة: أنَّ تجاهلَ المشاكلِ الصغيرة اليوم سيؤدي إلى مشاكلَ أكبر بكثير في المستقبل! وفي الواقع، إنَّ العديد من القضايا الصحية والبيئية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي نواجهها في يومنا هذا، كانت نتاجَ تراكماتٍ لأفعالٍ وسلوكياتٍ وظروفٍ خاطئة صغيرة تمَّ تجاهلها من قبل الجميع وعدم معالجتها في الماضي. *لذا نرجو من الجميع محاولة إصلاح النوافذ المحطمة في حياتنا؛ ليحظى أطفالنا وشبابنا والأجيال القادمة بمستقبلٍ أفضل وننعم بحياةٍ أكثر استقرارًا.

اخرى
منذ 4 سنوات
547

من مقام المرأة عند الله (عزّ وجل)...

بقلم: أ.د. سعيد غني نوري المعلوم أنّ الرجل مالك بيته، ولكن الرجل يسكن لزوجته: (لتسكنوا إليها) نعم، إنها بيوت زوجاتكم! من كنوز القرآن الكريم: مررت بهذه الآية {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}. لماذا نسب الله (عزّ وجل) البيت إلى المرأة رغم أنه ملك للرجل؟! هذا ما جعلني أبحث عن الآيات التي يُذكر فيها كلمة بيت مقترنة بالمرأة فوجدت هذه الآيات التي تُطيّب خاطر المرأة وتراعي مشاعرها وتمنحها قدرًا عظيمًا من الاهتمام والاحترام والتقدير.. *قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِه} ﴿٢٣ يوسف﴾ امرأة العزيز تراود يوسف وتهم بالمعصية ورغم ذلك لم يقل الله (عزّ وجل) وراودته امرأة العزيز في بيت العزيز. *وقال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} (٣٣ الأحزاب) *وقال تعالى : {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} ﴿٣٤ الأحزاب﴾ ما أعظمك يا الله! أليست هذه البيوت ملك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنها نُسبت لنسائه؟! يا له من تكريم! *وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنّ} ﴿١ الطلاق﴾. حتى في أوقات الخلاف وحين يشتد النزاع وتصل الأمور إلى الطلاق الرجعي هو بيتها! *تبقى آية واحدة لم ينسب فيها البيت للمرأة وهي: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} ﴿١٥ النساء﴾ إنه عندما أتت المرأة بالفاحشة وبشهادة أربعة شهود عدول فلا ينسب البيت لها بل يسحب عنها التكريم! أي جمال ودقة في آيات الله فسبحان من كان هذا كلامه. وتالله ما رأيت ديناً يصون ويرفع قدر المرأة مثل الإسلام.

اخرى
منذ 4 سنوات
314

أنا النموذج

بقلم: أ.د.سعيد غني نوري قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) (سورة الجاثية: آية 23). انتبهتُ ذات يوم وأنا أقود سيارتي إلى واحدةٍ من القواعد النفسية والأخلاقية العامة: إذا حجزتني سيارة بطيئة أمامي، قلت: يا له من بليد! وإذا تجاوزتني سيارة مسرعة قلت: يا له من متهور! إننا نعتبر أنفسنا "النموذج" الذي يُقاس عليه سائر الناس، فمن زاد علينا فهو من أهل "الإفراط" ومن نقص عنا فهو من أهل "التفريط"! فإذا وجدتَ من ينفق إنفاقك فهو معتدل كريم فإن زاد فهو مسرف، وإن نقص فهو بخيل! ومَن يملك جرأتك فهو عاقل، فإذا زاد فهو متهور وإذا نقص فهو جبان! ولا نكتفي بهذا النهج في أمور الدنيا بل نوسعه احيانًا حتى يشمل أمور الدين، فمَن عبد مثل عبادتنا فهو من أهل التقوى، ومن كان دونها فهو مقصر، ومن زاد عليها فهو متزمت! وبما أننا جميعًا نتغير بين وقت ووقت وبين عمرٍ وعمر، فإنّ هذا المقياس يتغير باستمرار.. فربما مَرّ علينا زمان نصلي الفرض دون النافلة، فنحس في قرارة أنفسنا بالأسف على مَن يفوّت الصلاة ونراه مقصرًا، لكننا لا نرى بأس في الذين يقتصرونها على الفرض... فإذا تفضّل الله تعالى علينا وصرنا من المتنفّلين نسينا أننا لم نكن منهم، ونظرنا إلى من لا يتنفّلون بعين الازدراء أو الشفقة. الخلاصة: (إياك أن تظن أنّ مقياس الصواب في الدنيا ومقياس الصلاح في الدين هوي الحالة التي أنت عليها والتي أنت راضٍ عنها، فرُبّ وقت مضى رضيتَ فيه من نفسك ما لا ترضاه اليوم من غيرك من الناس) . اعمل على إصلاح ذاتك.. واعلم أنّ الناس بخواتيمها لا بحاضرها.. ولا يعلم أحدنا خاتمته ..

اخرى
منذ 3 سنوات
436