بقلم: رضا الله غايتي كثيرةٌ هي المحنُ والرزايا التي جرحتْ قلبَ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام)، بيدَ أنّ ما يُكلِمُ القلبَ ويُدمي الفؤادَ ويُثيرُ العجبَ والخوفَ تشكيكُ مواليه به! بل اتهامهم إيّاه (عليه السلام) ببعضِ السماتِ التي يُنزَّهُ عنها المؤمنُ العادلُ عادةً، فكيفَ به وهو سيّدُ شبابِ أهلِ الجنة؟! إنَّ الأمرَ لا يخلو من خَلَلٍ عقديٍ قد دعاهم إلى ذلك؛ لأنَّ سلوكياتِ الإنسانِ وأخلاقَه فضلًا عن التزامه بالأحكامِ الشرعيةِ لا تُبنى إلا على العقيدة، فإنْ صحّتْ عقيدتُه صحَّ كُلُّ ذلك ونجا في الدنيا وفازَ في الآخرة، وإلا فلا.. قال (تعالى): "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"(النساء65) والتسليمُ القلبي هو الإذعانُ القلبي والانقيادُ النفسي والرضا الباطني عن كُلِّ ما يصدرُ عن الله (تعالىٰ) وعن المعصومين (عليهم السلام) من قضاءٍ أو تشريعاتٍ أو أحكامٍ، حتى وإنْ عسُرَ على الإنسانِ إدراكُها؛ لأنَّ إدراكَه _مهما رقى_ يبقى محدودًا. ومن هنا فإنَّ التسليمَ الحقَّ هو ما رويَ عن عبدِ اللهِ بن أبي يعفور، الذي قال: قلتُ لأبي عبدِ الله (عليه السلام): "واللهِ لو فلقتَ رمّانةً بنصفين، فقُلتَ: هذا حرام، وهذا حلال، لشهدتُ أنَّ الذي قلتَ حلالٌ حلال، وأنَّ الذي قلتَ حرامٌ حرام"، فقال (ع): «رحمَك الله، رحمك الله»(1) وقد أكّدتِ الشريعةُ على التسليمِ القلبي، رويَ عن أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام): «لو أنَّ قومًا عبدوا اللهَ وحدَه لا شريكَ له، وأقاموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ وحجُّوا البيتَ وصاموا شهرَ رمضان، ثمّ قالوا لشـيءٍ صنعَه الله(تعالى) أو صنعه النبيُّ (صلى الله عليه وآله): ألَا صنعَ خلافَ الذي صنع؟ أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلك مُشـركين»، ثمّ تلا هذه الآية: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، ثمّ قال (عليه السلام): «فعليكم بالتسليم»(2) ولا غروَ في ذلك؛ إذ لا يكفي في تحقُّقِ الإيمانِ مجرّدُ العلمِ بكونِ الحقِّ حقًّا، بل لا بُدَّ من الالتزامِ بشروطه وعقدِ القلبِ على مضمونه، لذا أمكنَ اجتماعُ العلمِ بالشيءِ مع الجحودِ به، قال (تعالى): "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ"(النمل14)، فإنكارُ حقّانيةِ الحقّ على الرغمِ من العلمِ بها أمرٌ واردٌ فيمن يظلمُ نفسه؛ بأنْ يضعَ مُجادلته (تعالى) والمعصوم (عليه السلام) والتشكيك بتشريعاتهم موضعَ الطاعةِ المُطلقة والتسليمِ القلبي التامِّ لهم، وفيمن يعلو عليهم بأنْ يترفّع عن الانقيادِ لهم والانصياعِ لأحكامهم. ونحنُ إذ نقتربُ من عصرِ الظهورِ يومًا فيومًا لا بُدّ لنا كمُنتظرين لإمامنا (عجل الله (تعالى) فرجه) أنْ نحذرَ كُلّ الحذر ممّا أردى من قبلنا ونُبادرَ إلى إصلاحِ قلوبنا وتصحيحِ عقيدتنا؛ لنكونَ (مِنْ أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالمُسارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضاء حَوائِجِهِ وَالمُمْتَثِلِينَ لأَوامِرِهِ وَالمُحامِينَ عَنْهُ وَالسَّابِقِينَ إِلى إِرادَتِهِ وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ). بل وعلينا أنْ نجدَّ ونجتهدَ في سبيلِ بلوغِ هذه المرتبةِ العظيمةِ وإنْ بعُدَ زمنُ الظهور؛ إذ إنَّ الإمامَ (عجل الله (تعالى) فرجه) وإنْ لم يكنْ ظاهرًا إلا أنَّ أقواله بل وأقوال أجداده الأطهار(صلوات الله عليهم) فضلًا عن كلامه(تعالى) بين أيدينا وواجبٌ علينا التسليمُ بها وتطبيقُ ما تضمّنته من أحكام، وهذا ما لا يتحقّقُ إلا بالتسليم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)اختيار معرفة الرجال، ج 2،ص 518و519،ح 462 (2) تفسير نور الثقلين، ج 1،ص511
اخرىبعيد الام اقدم سلامي لفخر النساء وقدوة الامهات سلام على اروع الامهات ومنبع الحنان ام الحوراء وسيدي شباب الجنان التي علمتنا خلود الحياة بعد الموت وإن النساء خلقن لكي يبقى لهن أثر ... سلام على الأم التي التي انجبت الحبيب البشير والسراج المنير وسلام على التي استضافها الرحمن في بيته لولادة الامير وسلام على كعبة الاحزان وعلى ام البنين اللتان قدمتا الاولاد والشبان فداءً للحسين ونصرةً للدين سلام على امي التي بحب الآل غذتني اول صوت للولاءعند الولادة اسمعتني بتسبيحة الزهراء رسخت ايماني وبدمعها على الحوراء انارت عقيدتي ويقيني وبسيرة الزهراء ونهجها الى الهدى قادتني وفي طيات ادعيتها النورانيه احتضنتني بحب وحنان وبما تعانيه من الالم قدمت لي الامل.. ومن الجهد الراحه.. ومن السهر النوم الهني لا تصفها الكلمات ولاتجازيها الهدايا والعطيات يارب هي نعمتك العظيمه فلاكفؤ لعطائها الارحمتك ولاجزاء لجهدها الا رضاك وجنتك يامن جعلت الجنة تحت اقدام الامهات ام حيدر الموسوي
اخرىاعتادت الجارة في كل سنة أن تتهيأ لقدوم الشهر المبارك رمضان ، وذلك بأن تعمد لتنظيف البيت وترتيبه غير ما كانت تقوم به من التنظيف اليومي أو الأسبوعي أو حتى الشهري.. كما كانت تشتري أدوات طعام جديدة من قدور وصحون وكل مايلزم لإعداد الطعام و تهيئته مع توابع و ما لا يعد أكثر من زينة وإن زاد عن حاجاتها وكذا كل ما يمكن تجديده فهي تعمل عليه.. و كذلك بتجهيز الفرش و ما يتبع و تجديد قديم أو شراء ما تعجب به فتقول : هذا موسم جديد و شهر كريم. وليس هذا فقط، فهي تقوم بالتسوق الغذائي بكل أنواعه و تبدأ بتخزين ما يمكن تخزينه من الطعام غير ذاك الذي تقول أنها تفكر في اعداده لكل يوم يمر من الصيام.. وأصبحت في هذه الأيام تقوم بإعداد ما يسمى بالركن الرمضاني ، الذي تضع فيه بعض ما يرمز إلى الشهر الفضيل من رحلة لحمل القرآن الكريم التي تبقى حاملة للكتاب العظيم دون أن يفتحه أحد أحيانا أو تضع فانوسا أو تمثالا دالا على قنوات تلفزيونية اختصاصها الدعاية وعرض المسلسلات الهابطة المحتوى في أيام معدودات فرض الله تعالى الصيام فيها تقاة للعبد و التقوى طريق الآخرة وجنة الخلد والرضوان الأكبر . مع لحظة تأمل فيما تقوم به تلك الجارة..غير ذاك الركن الرمضاني الذي يجعل الشهر الفضيل رمزا ليس إلا..(فالحديث عنه ذو شجون يطول) .. ترى أنه إن كان فعلها من تنظيف وغيره ضمن المعقول و بما يسمح به الحال من الناحية المادية، فهو لا بأس به وليس كذلك فقط إنما هو محمود أيضا لأن النظافة من الايمان و هكذا قول الرسول صلى الله عليه وآله: تنظفوا فإن الإسلام نظيف. وغيرها من الأحاديث الدالة على النظافة والتجمل.. ولكن أليس الأولى أن ننظف النفس من ادران الذنوب و الحقد و الحسد و الغيبة و النميمة و الكسل و العجز و الهفوات والزلل والخطأ! هذا إضافة إلى تنظيف المكان الذي نعيش فيه فهو نعمة من نعم الله عزّوجل التي يجب علينا حفظ حقها بالتنظيف والترتيب شكرا لله تبارك و تعالى... أليس من الحسن أن نتوجه لاستقبال الضيف الكريم بنيات صادقة للتوبة و الإستغفار و الدعاء ! أن نتهيأ لقراءة القرآن الكريم بتعلم القراءة الصحيحة أو تعلم علومه من تفسير و تدبر و الاعتبار بما فيه من قصص و حوداث وكذا تعلم الأحكام وكل ما يلزم من أجل التزود لأجل استقبال هذا الضيف الكريم الذي يأتيك بخير مما تأتيه وإن كَثُر عطاؤك.. وسبحانه عزّوجل يقول في كتابه العزيز:" تزودوا فإن خير الزاد التقوى " و قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ".
اخرىإنْ أردتَ إعطاءَ النصيحةِ فانصحْ، ولكن دونَ أنْ تجرح(1) بقلم: علياء سامي. هلّا أوقفتَ سُخريتك. يُعاني بعضُ البشرِ من مرضٍ يُدعى (الوسواس)، لا يعرفُ المُصابُ به أسبابَه ولا حتى متى بدأ؟ وكُلّما طالتْ مُدّةُ المرضِ صَعُبَ علاجُه أكثر. وفي مُقابلِ هذا المرضِ نجِدُ أنَّ بعضاً يسخرونَ من صاحبِه (المصاب بالمرض)! فهلّا أصغيتَ لي لحظةً يا صديق؟ لِمَ كُلُّ تلك الضحكاتِ والكلماتِ الساخرةِ التي لا يعرفُ مدى ألمها إلا من أطلقتَ السُخريةَ منه؟! هل عرفتَ الألمَ الذي يُعانيه هذا الشخص؟ أم هل سمعتَ صرخاتِ روحه؟ وهل لامستَ الحزنَ في عينيه؟ أم أنّك فقط رأيتَه بشكلهِ الظاهري ومدى تكراره للغُسلِ والوضوء و... ؛ ولذلك فقط قُمتَ بالسُخريةِ منه.. لا تظنُنَّ أنّي معه، وأعي تمامًا أنّ بإمكانِ أيِّ شخصٍ التخلُّصَ من هذا المرض بقوةِ إرادته وإيمانه، لكن ما يُثيرُ الاستغرابَ والعجبَ هو السخريةُ والاستهزاء ممّن هم حوله. فهلّا أبدلتَ سُخريتك بالمُساعدة؛ فبدلًا من أنْ تسخرَ ابحثْ عن حلولٍ، وساعدْ هذا الشخصَ في إيجادِها ومُعالجته لهذا المرض، أو اتصلْ بطبيبٍ نفسيٍ ليساعده، نعم، قد تعجزُ عن مساعدتِه أو لستَ مُتفرغًا لذلك، إذن أغلقْ فمك أو انصحْ بلا تجريح... فلا داعي للسخريةِ؛ فأنتَ لا تدري كم دمعةً قد أنزلت، وكم قلبًا قد جرحتَ بثرثرتك هذه.
اخرىبقلم/نرجس مرتضى الموسوي هلموا ياعباد الرحمن رحلة إلى الملكوت بلياليها وايامنا بساعاتها بكل نفس بسنة النوم اغرفوا الرحمه من معين الفرقان في ضيافة الله شهر تتفتت فيه صخور الذنوب الشاهقة ها قد أتى الشهر المرزوق الشهر المبارك شهر رمضان ارفعوا أجنحة الروح وحلقوا في الفضاء اخلعوا جلابيب الاثام واغتسلوا بغيت العطاء
اخرىالانتظارُ طويلٌ ومُملٌّ في المُستشفى، ممّا كانَ يجعلُها تُقلِّبُ ذكرياتِها وهي جالسةٌ تنظرُ إلى ابنتِها التي تُعتني بها وتُحاوِلُ أنْ تُخفِّفَ من آلامِها.. لم يكُنْ بعيدًا ذلك اليومُ الذي كانتْ هي برفقةِ والدتِها تعتني بها تمامًا كما تعتني بها ابنتُها اليوم.. هكذا هي الدُنيا؛ فكُلّما تُقدِّمُه لوالديك اليومَ سيُقدِّمُه لكَ أولادُك غدًا.. فاحرصْ على ماذا تُقدِّمُ لهما... #ذكرياتُ_أُمّ
اخرىهل الحجابُ موضةٌ أم حكمٌ شرعي؟ بقلم: ابنة تازة الحجابُ لُغةً: هو الستر(1). وفي الاصطلاحِ الفقهي: هو ما يسترُ جسمَ المرأةِ وشعرَها من دونِ زينةٍ ولا افتتان، ويكفي إذا كانَ فضفاضًا. هل الحجابُ فرضٌ من اللهِ (تعالى)؟ الدينُ الإسلامي دينٌ مُتكاملٌ يشملُ جميعَ نواحي الحياة، فلم يدعْ شاردةً ولا واردةً إلا وقد تناولها ووضعَ لها حكمًا مُناسبًا لها؛ ليبنيَ مُجتمعًا نبيلًا ساميًا بأخلاقه فإنّه إذا فسدتِ الأخلاقُ فسدَ المُجتمعُ وانهار. ومن هُنا أولى الإسلامُ اهتمامًا بالغًا للجانبِ الأخلاقي؛ لما لها من الدورِ الأساسِ في استقامةِ المُجتمعِ والحيلولةِ دون ارتكابِ المُحرّمات. وكانَ من لُطفِ اللهِ علينا أنْ جعلَ لنا حاجزًا نفسيًا يردعنا عن ارتكابِ كثيرٍ من المُحرّمات، ألا وهي الفطرة السليمة التي أودعها اللهُ (تعالى) في نفسِ كُلِّ إنسانٍ من حين ولادته. ففطرةُ الإنسانِ تكرهُ أنْ يتعدّى أحدٌ عليه أو يُفعَلَ فيه ما يسقطه أمامَ المجتمع، ولكن هذه الفطرة تتأثّرُ بالمحيطِ الخارجي الذي يُحيطُه سلبًا كانَ أم إيجابًا. ومن هُنا جاءَ دورُ الشارعِ المُقدَّسِ ليضعَ حاجزًا آخر يعضدُ هذا الحاجزَ الفطري، وهي جملةٌ من الأحكامِ الشرعيةِ ومن ضمنها الأحكامُ المُرتبطةُ بأخلاقِ الإنسانِ ليقوِّمَ سلوكه ومن ثم يحافظُ على صلاحِ المُجتمعِ من الانحرافِ عن جادَّةِ الطريق. إذن فالمؤمنُ عنده حاجزانِ ضدَّ المُحرّمات، ولكن حتّى يبقى هذان الحاجزان فعّالين لا بُدّ للمؤمنِ أنْ يبتعدَ عن أجواءِ المُحرّماتِ كي لا يقعَ صيدًا في شباكِ الشيطان. ومن هُنا كانَ فرضُ الحجابِ على النساءِ أمرًا ضروريًا، قال (تعالى): "قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ"(2). وفي آيةٍ أخرى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"(3) والجلبابُ لغةً: هو الثوبُ المُشتملُ على الجسدِ كُلِّه، أو ما يُلبَس فوقَ الثِّيابِ كالملحفة(4). وأمّا الخمار: فهو ثوبٌ تُغطّي به المرأةُ رأسها(5). فترى الآيةَ الأولى قد بدأتْ بغضِّ البصر ثم تعرّضتْ للأمورِ التي تُثيرُ الغريزةَ الجنسية عند الرجال فأمرَ بسترها عن أنظارهم؛ لأنّ النظرَ هي الخطوةُ الأولى من خطواتِ الشيطانِ ونافذةٌ لارتكابِ المُحرّماتِ، فلو تحجّبتِ المرأةُ وأغلقتْ هذه النافذةَ تركها الشيطان؛ لأنّ الرجلَ لا يجرؤ على أنْ يقتربَ من المرأةِ العفيفةِ ذاتِ الحجابِ الكامل. ولكن ما حدُّ الحجابِ الكامل؟ في الجاهليةِ كانتِ المرأةُ تلبسُ الحجابَ ولكن كانتْ تُغطّي رأسها فقط وتظهرُ شيئًا من مناطقِ الصدر، فنزلتِ الآيةُ الكريمةُ لتُبيّنَ حدَّ الحجابِ الشرعي للمرأةِ المسلمة: "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ" وفي الآيةِ الثانيةِ فصّلَ اللهُ (تعالى) نوعَ هذا الحجابِ أكثر، بأنْ يشتملَ على الجسدِ بحيث لا يُظهِرُ شيئًا من تقاطيع البدن. وعليه فكُلُّ لباسٍ لا يسترُ مفاتنَ البدنِ لا يُسمّى حجابًا شرعيًا؛ لأنّه خارجٌ عن تعريفِ الحجابِ الخاص بالمرأةِ المؤمنة؛ ذلك لأنّ غايةَ الحجابِ هو الحفاظُ على المُجتمعِ أنْ يبقى نظيفًا لا تُهاجُ فيه الشهواتُ ولا تُستثار، ويبقى الدافعُ الفطري العميقُ بين الجنسين سليمًا. إذن، الحجابُ فرضٌ من اللهِ (تعالى) قد فرضه على النساءِ حفاظًا من أنْ ينظرَ لهنَّ الأجنبي نظرةً مُحرّمةً ويصونها من الابتذالِ والانحطاطِ الأخلاقي؛ ذلك لما في التبرُّجِ والسفورِ أمامَ الرِّجالِ الأجانبِ وإثارةِ الشبابِ من عواقبَ وخيمةٍ تؤدّي إلى اضطراباتٍ نفسيَّةٍ وروحيَّةٍ قد يكونُ مآلُها إلى ارتكابِ الجرائم وغيرها من الأمورِ التي لا تُحمَدُ عُقباها. وما نراهُ اليومَ من أنواعِ الحجابِ التي لا تمتُّ إلى الدينِ بصلةٍ ولا تُلبّي الغرضَ الذي من أجله شُرِّعَ الحجابُ والتي شاعت في أوساط المُجتمعِ الإسلامي ما هي إلّا غزوٌ ثقافي أرادَ أنْ يضربَ مُجتمعنا من الداخلِ ويفسدَه باسمِ الموضة. فعلى الأهلِ أنْ يعوا خطورةَ الأمر، ويكونوا يقظين ممّا يدُّسه أعداءُ الإسلام من ثقافةِ السفورِ أو الموضة في لبسِ الحجاب، فالحجابُ حكمٌ شرعيٌّ وليس للموضةِ فيه أيّةُ صلةٍ لا من قريبٍ ولا من بعيد. رويَ عن محمد بن سنان أنَّ الرضا (عليه السلام) كتبَ فيما كتبَ من جوابِ مسائله: "حرم النظر إلى شعور النساءِ المحجوباتِ بالأزواج وغيرهن من النساء؛ لما فيه من تهييجِ الرِّجالِ، وما يدعو التهييجُ إلى الفسادِ والدخولِ فيما لا يحلّ ولا يحمل، وكذلك ما أشبه الشعور إلا الذي قالَ اللهُ (تعالى): "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ" أن يضعن ثيابهن غير الجلباب ولا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن"(6) فقد بيَّنَ الإمامُ (صلوات ربي وسلامه عليه) في هذا الحديثِ الغايةَ التي من أجلها شُرِّعَ الحجابُ فتأمّل قوله: "لما فيه من تهييجِ الرِّجالِ وما يدعو التهييجُ إلى الفساد ..."، ثُمَّ بعد ذلك بيَّنَ حدَّ الحجابِ في قوله: "وكذلك ما أشبه الشعور" أيّ كُلُّ ما يكونُ فيها مبعثًا للتهييجِ يجبُ سترُه عن نظرِ الرِّجال الأجانب. فاللباسُ الضيّقُ والزينةُ والموضاتُ الجديدةُ للحجابِ بألوانٍ جذابةٍ وحركاتٍ مُثيرةٍ من المرأة لا يتناسبُ مع الغرض الذي من أجله شُرِّعَ الحجاب. فهذا القماش لا يُصنَعُ إلّا لتهييجِ الغريزةِ الحيوانيةِ ممّا يعرِّض أمنَ المرأةِ إلى خطرٍ ماحق، فاحذري أيّتُها الفتاةُ المُسلمة أنْ تسقطي في شباكِ الشيطان الذي يأتيك بداعي الموضةِ ويخدعك. أنتِ جوهرةٌ مصونةٌ بحجابك الشرعي، لا يجرؤ أحدٌ على إيذائك والتعرُّضِ إليك، فلا تبرزي مفاتنك لكي لا تكوني عرضةً للسرقة. رويَ عن النبي (صلى الله عليه وآله): "ونهى أنْ تتزيّنَ المرأةُ لغيرِ زوجها، فإنْ فعلتْ كانَ حقًّا على اللهِ (عزّ وجلّ) أنْ يُحرقَها بالنّار"(7). والتبرّجُ من خطوات الشيطان؛ فهو يبدأ بالإنسانِ خطوةً خطوةً حتى يوقعه في الكبائر فيخسر بذلك الدُّنيا والآخرة، وقد نهى القرآنُ الكريمُ من اتباعِ خطواتِ الشيطان فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ"(8). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- لسان العرب لابن منظور 2- النور31 3- الأحزاب 59 4- معجم المعاني الجامع 5- نفس المصدر 6- علل الشرائع، للشيخ الصدوق 7- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج 73، ص 329 8- النور 21
اخرىشاءَ الله بقلم : وجدان الشوهاني نُطل من نافذة المشيئة الإلهية التي جرت على خامس أهل العبا ، وكان صداها على لسانه (سلام الله عليه ) باقٍ إلى يومنا هذا بقولته المعروفة :" شاء الله أن يراني قتيلاً ويراهن سبايا" ، فأرض كربلاء هي الأرض التي شاء الله تعالى أن تجري عليها دماء الأطهار ، وإلى جانب القتل كان لحرم الحسين (عليه السلام) نصيبٌ من تلك المشيئة ، ليكون شهر محرمٍ الحرام شهر العزاء لتلك المشيئة . واليوم نُطل من نفس النافذة ، لننظر إلى تلك البدور التي أفلتْ في محرمٍ الحرام ، كيف بزغ نورها في شهر شعبان ، وكأن المشيئة الإلهية قد رسمت لهم ما حصل في كربلاء منذ ميلادهم ( سلام الله عليهم ) ، فأعلنت عن ولادة قائد ثورة الإصلاح في الثالث من شعبان ، كما أعلنتْ عن ولادة نائب القائد والمحامي والمدافع في الرابع من شعبان ، ليبزغ نور من نقل الحقيقة كما حصلت ، فثبّت بنقله أهداف الثورة ، وشعار قائدها في نفوس المجتمع وساعدته في المهمة الحوراء زينب (عليها السلام) فكان بزوغ نوره للوجود في الخامس من شعبان . مشيئة رتبت قيادات ثورة الإصلاح بشكلٍ عجيب ، وكأنها تريد أن تبوح لنا بأمرٍ مهم . لا أعلم ما هو . ولكن ما استوحيه من تلك المشيئة هو أن الرسالة الجهادية التي خطها الحسين وأخيه ابي الفضل (سلام الله عليهم ) في شهر محرم ورسمت للتسليم والوفاء والأخوة والإصلاح أروع الصور ، جاء شهر شعبان ليخبرنا بأنها متلازمة من خلال ولادة مفجر الثورة الحسينية الإمام الحسين (عليه السلام) ، ومن ثم ولادة العباس (عليه السلام) الرجل الثاني في تلك الساحة الكربلائية ، وكاشف الضر عن أخيه الحسين (عليه السلام)، وحيث أن ما جرى لا يمكن أن يصل لنا لولا ذلك الإعلام الصحيح الذي خطه الإمام السجاد (عليه السلام) الذي كان هو وعمته زينب (عليها السلام) الصوت الإعلامي المدوي في ساحات الإعداء ،فكانت ولادة السجاد (عليه السلام) إعلاناً بأنه شريكٌ أساسي بإعلامه الصادق . ومما يمكن أن نستوحيه من تلك المشيئة هي ولادة صاحب الثأر الإمام الحجة (عجل الله فرجه ) في الخامس عشر من شعبان ، وكأن المشيئة تريد أن تخبرنا على لسان شعبانها بأن هناك تلازم لا ينفك بين ما جرى على ابطال كربلاء وبين ما سيكون عند ظهوره المبارك ، من خلال جريانها وفق ما شاء الله تعالى في أن يكون الإمام الحجة (عجل الله فرجه ) هو الأخذ بالثأر ، ومما يُعلم أنه تعلى لن يُخلف وعده ، فكانت مشيئة الله أن يولد في المنتصف من شعبان ، وعند اكتمال القمر ؛ ليكون ذلك دليلاً على وجود تلازم بين ما خرج من أجله الحسين (عليه السلام ) وبين ما سيخرج من أجله الإمام الحجة (عجل الله فرجه ) كما أنه يعتبر إعلانٌ مهم على أن الثورة الحسينية ثورة لم تنتهِ في العاشر من محرم ، فولادة الحجة وظهوره (عجل الله فرجه ) ، هي إشارة لمشيئةٍ إلهية بأن ثمرة تلك المشيئة التي اقتضت أن ترى الحسين قتيلاً والنساء سبايا ، ستكون من خلال الثأر الذي سيأخذ به من ولد في الخامس عشر من شعبان . وهكذا شاء الله أن يكون شهر شعبان شهر تجديدٌ لروح الثورة في نفوس شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فعلينا نحن كمنتظرين أن نستعد لتلك المشيئة الإلهية كما استعد أنصار الحسين (عليه السلام) في كربلاء.
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىانتشرت بين الناس في برامج التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الالكترونية الكثير من المقولات المنسوبة للإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام )، وهي روايات كاذبة ومنسوبة ولا يوجد لها دلالة في الكتب الحديثية. ومنها هذه المقولة: - [يقول علي بن ابي طالب عليه السلام : كنت اطلب الشيء من الله ... فإن اعطاني اياه كنت افرح مره واحده . وإن لم يعطيني اياه كنت افرح عشر مرات . لأن الاولي هي اختياري ، أما الثانية هي اختيار الله عز وجل ] هذه المقولة كذب لا أصل لها ولا دلالة. فلم أجد لها سنداً في الكتب الحديثية أبداً. اما من حيث المعنى فهي مخالفة للقرآن وللاحاديث النبوية وروايات اهل البيت عليهم السلام، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء وضمن الاستجابة حتى ولو بعد حين. قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ). - روي عن رسول الله( صلى الله عليه وآله) أنه قال: «افزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجأوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه ، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب؛ فإما أن يعجله له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا؛ ما لم يدع بماثم» (١) . تأملوا : (افزعوا إلى الله في حوائجكم) ، (والجأوا إليه في ملماتكم) ، (وتضرعوا إليه). إنما يستعين الانسان على قضاء حوائجه الدنيوية والاخروية بالدعاء والابتهال والتضرع الى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان المؤمن يفرح بعدم اعطائه حاجته فلماذا يفزع وأي مؤمن علي بن ابي طالب( عليه السلام )الذي لا يطلب حاجة للدنيا . - عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : «اكثروا من أن تدعو الله ، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة» (٢). إن الله يشتاق إلى دعاء عبده ، فإذا أقبل العبد بالدعاء على الله أحبه الله ، وإذا اعرض العبد عن الله كرهه الله. عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «يا معاوية ، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة ، ومن اعطي التوكل اعطي الكفاية ؛ فان الله تعالي يقول في كتابه : (ومن يتوكل علي الله فهو حسبه). ويقول : (لئن شكرتم لأزيدنكم). ويقول : (ادعوني استجب لكم)(٣). إن بين الدعاء والاستجابة علاقة متبادلة ، وأي علاقة أفضل من أن يقبل العبد على ربه بالحاجة والطلب والسؤال ، ويقبل الله تعالى على عبده بالإجابة ويخصه بها؟ قد يؤجل الله تعالى إجابة دعاء عبده المؤمن ليطول وقوفه بين يديه، ويطول إقباله عليه وتضرعه إليه ... فإن الله يحب أن يسمع تضرع عبده ، ويشتاق إلى دعائه ومناجاته. وفي الختام نقول: الأسلوب لا يخلو من الركاكة ، و من يعرف بلاغة وفصاحة الإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام ) يعرف أنه لم يقل هذا الكلام. فلا يجوز نشر مثل هذه المقولات المنسوبة بين المسلمين إلا لبيان أنها كلام مكذوب وموضوع ومنسوب للإمام ( عليه السلام ). لأن ديننا ومذهبنا علمنا أن نتحقق ونبحث في صحة وسند الرواية قبل نقلها . ---------------------------- (١)- بحار الانوار ٩٣ : ٢. ٣. (٢)- وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٦ ، ح ٨٦١٦. (٣)-خصال الصدوق ١ : ٥٠ ، المحاسن للبرقي ٣ ، الكافي : ٦ في ١١ : ٤ من جهاد النفس. حنان الزيرجاوي ينشر 3
اخرى