ثمرة فؤاد النبي

في ليلة المعراج.. عند سدرة المنتهى في جنة المأوي ما زاغ البصر وما طغى.. {لَـقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُـبْرَى} وأي رؤية هي التي رآها ؟ إنها رؤيةُ القلب ومشاهدة الله( عز وجل) بآياته الكبرى. رأى وما كذّب الفؤاد ما رأى. الفؤاد الذي ثمره فاطمة الزهراء (عليها السلام). فكما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "فاطمة ثمرة فؤادي وقرّة عيني ومهجة قلبي". ومن خصائص الثمرة أنّها: 1 ـ عصارة الشجرة وخلاصتها. 2 ـ قيمة الشجرة بثمرتها. 3 ـ جمال الشجرة بالثمرة. 4 ـ تعرف الشجرة بثمرتها كما يقال: هذه شجرة التفّاح. 5 ـ غاية وجود الشجرة هي الثمرة. 6 ـ لذّةُ الشجرة بالثمرة. 7 ـ حلاوة الشجرة بثمرتها. 8 ـ مقصود الفلاّح من الأشجار أثمارها. ... ما كذب الفؤاد ما رأى. وما كذبت فاطمة ما رأت، وهي ثمرة فؤاد النبي، فرأت ما رآه النبي وأحاطت به بقلبها، فكانت نورا من نور النبوة والإمامة. متباركين بمولد سيد نساء العالمين فاطمة الزهراء.

المناسبات الدينية
منذ شهرين
42

انتظار العاشقين

جرّت بأذيال حزنها متسائلة يابشر خبّرني عن ذي القافلة فأجابها بالدمع عذرا سيدتي لك العزاء في الجودِ وحامله وأخوتهِ دون الحسين نافِلة فأُسقط الطفل وصارت مائلة يابشر لاتكسر فؤادي قائلة انّ الحياة بغير ابني زائلة خبّرني عنه وعن باقي العائلة فأجابها قتل الحسين بأدمعٍ سائلة بقلم مداده حسيني د. يمن سلمان

المناسبات الدينية
منذ شهرين
38

المدينة المنوّرة فقدت نورها

  ها قد حلّ الظلام في المدينة المنوّرة، وخيّم الكمد بين فيافيها، حزنا لرحيل حبيب الله فيها،  فتصدعت اركانها وتضعضعت، وخلعت رداء انوارها المضيئة وارتدت عتمة لا تزول،  وحنين جدرانها لا ينقطع كحنين الجذع المقطوع شوقا للنبي الخاتم الذي احتضنه فسكت، فمن يُسْكِتُ حنين الجمادات في المدينة  بعد فقدك يا رسول الله، وانّى لنا بحضنك الدافئ واحتواؤك للكون بأسره بتلك الحضنة الحانية من اب هذه الامة ونبيها.    خيّم السواد على مدينتك الثكلى يا رسول الله، واستحال بياض الزنابق الى سواد يحاكي دخان الحريق الذي سرى في امتك بقوة من صنع ابناء السقيفة، وتطاير الشذا من الزهر ليبث رائحة الفقد المريع، وتمايلت السنابل وانحنت ونفثت حنطتها حزنا كلما نفثت زهراؤك حزنها وبثت لوعتها في براري المدينة بعد ان اخرجها اهل مدينتك التي عمّ السواد طرقاتها وقلوب ساكنيها لان صوت الحوراء الانسية الثكلى قد ازعجهم ولمّا يبرد تراب ملحودتك!!!!   نحن الطيور احطنا زهرائك بحنّو حينما كانت تنشج ألماً وتتنهد كرباً وتزفر حزناً، وشاطرناها عزائها فيك حتى اعتزلت في بيت احزانها فكنا نسمع صوتها وشجوها ونحلق حول بيت احزانها هائمين ونغرد معها بترانيم حزن عميق مواساة لها.    سيدي ، مدينتك المنورة اصبحت متوحشة من بعدك ومن بعد عترتك، وبعد ان فقدنا صوت بلال الذي يتردد في الارجاء صادحا بالأذان في مواقيت الصلاة فازدادت المدينة وضواحيها توحشاً وغربة، وتجدد حزننا عليك عندما انقطعت فاطمتك عن بيت الاحزان ولازمت فراشها وأُترعت سقماً وهمّاً من امتك، حتى سمعنا صوت الاذان الاخير لبلال الذي كان بطلب من مولاتنا فاطمة، فعلمنا انه اذان الوداع وقرب اللقاء بك، وحلّ الظلام الحالك مرة اخرى على مدينتك، ولم يبق لنا الا نور عترتك الطاهرة نستضيء به حتى بزوغ النور الاكبر في ظهور حفيدك الموعود ليعيد انوار مدينتك بإحياء شريعتك ودينك في ذلك اليوم الموعود.     الهوامش: ___ (١)اشارة الى حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب على جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حن الجذع (فجاء إليه) فاحتضنه فسكن فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة. راجع مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع)، محمد بن سليمان الكوفي، ج١، ص٩٧.      

المناسبات الدينية
منذ 6 أشهر
114

العشق الحسيني

انار صوت العشق من المؤمنين المحبين في كل مكان حاملا معه عبرات وبكاء المحبين متجاوزين كل الصعاب والعناء في سبيل الحبيب وحتى بلا شكوى او تأوه فمنهم من جاء قاطعا مسافة من أقصى البقاع وباذلا كل ما يملك في سبيل الحبيب ، إنه لأمر عحيب.، يا ترى ما السر وراء هذا العشق ونحن نرى هذا السيل من البشر من كل بقاع الكرة الأرضية ونسمع ذلك الصوت المدَوي الذي يصدح به القريب والبعيد بعشق الحبيب. تلك الحرارة والعَبرة التي بقيت راسخة في القلوب عند كل الاطياف تسكن تلك العَبرة القلوب حاملة نداء الزمان الذي يتردد على الاسماع مُدَويا عاليا يسمعه القريب والبعيد في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها ثاثرا بقول :لبيك يا حسين لبيك يا حسين. ولا ريب ولا شك أن تلك الحرارة في القلوب هو القليل مما أعطاه الله تعالى ووهب من العطايا الكبيرة للشهيد المظلوم لأن الحسين عليه السلام هو باب رحمة الله الواسعة وأعطى كل شيء فِداءا في سبيل الله وقال قولته المعروفة :اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى، ما هذا العشق والحب الحقيقي الذي يملأ قلب وروح وجسد سيد الشهداء عليه السلام، هذا امر لا يمكن تفسيره ولا الوصول إلى كنهه. ومن الفيوضات الإلهية إكراما للشهيد الثائر هذا الحب في قلوب العشاق والذي اثبتته الروايات على لسان اهل البيت عليهم السلام أجمعين. فالإمام الحسين عليه السلام هو رمز العدالة والإنسانية ونبذ الظلم والثورة ضد الطغاة والظالمين وهذا هو دأب اهل البيت عليهم السلام والاحرار في العالم السائرين على نهجهم. بقلم /أسماء الكرخي

المناسبات الدينية
منذ 6 أشهر
155

رِحلة الإباء

بعد يوم مليء بالمصائب والأحزان نظرت السيدة زينب عليها السلام يميناً وشمالاً لكنها لم تجد غير الأجساد المقطعة والرؤس المعلقة على الرماح والخيام التي أصبحت رماداً وعَليلٌ قد أنهكهُ المرض وصُراخ الأيتام والأرامل أطفال تهرب من لهيب النار وتشكو الضمى، ونساء تبكي لفقدها الأحباب وهناك خيمة أبن سعد تضج بالمشاعر، رجال فرحين متهللين لقتلهم الحسين أبن علي صاحب النفس الزكية، وماهي إلا طلعيةّ الحادي عشر حتى اخذوا يحدون بِهم أسرى إلى الكوفة، حرائر المصطفى مقيدات بِحبال الغيْ والضلالة وفي مقدمة النساء زينب الكبرى وكأنها كعبة متشحة بالسواد تلوذ بها النساء من كل جانب هذه تقول سيدتي اين ولدي وهذه تنادي عمتي اين والدي وإذا بالسياط تتزاحم فوق متونهن وهن يلوذنّ بِها كالطيور التي تحتمي بالعُش، اسيرة وكافلة، رفعت رأسها ونظرت إلى رأس قمر العشيرة وهو مرفوع على رمح عالي وقالت اخي ابالفضل من يكفلني بعدك ياقمر العشيرة، اكملت طريق الحُزن حتى وصلوا الكوفة دخلوها وإذا بها تضجّ بالناس بينَ مَن أكله الندم لأّنه لم يتبع الحسين عليه السلام ، وبين من كان يغمره الفرح والضلالة لقتل أبي عبد الله عليه السلام، هذه قافلة الحُزن دخلت إلى الكوفة، نساء مقيّدات بسلاسل من حديد تقعُ إحداهُن على الأُخرى من شدة ألم السياط، وتعب المسير، عليل أكلت القُيود رقبته و انحلت السلال يديه فوق بعير يظلُع، حرائر المصطفى يلذُنَ بِبعضهنَّ من عيون قوم قد اعمتهم السُلطة والجور، نادت بِهم أم كلثوم عليها السلام يا أهل الكوفة غُضوا أبصاركم عنا أما تستحيون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم رسول اللّه وهُن حواسر… أدخلوهم على أبن زياد ووضعوا رأس الحسين امامه واخذ يضربه ويشتم ويقول يوم بيوم بدر، وهنا ردت عليه زينب عليها السلام بكلام افرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام كلام الحق الذي فضح يزيد واعوانه بِكُل شجاعة، فأتمت بذلك نهضة أخيها الحسين عليه السلام و اكمل بعدها علي بن الحسين بكلام ابكا بهِ كل عدواً وصديق فَهَمَ ابن زياد بقتله فتمسكت به عمته وقالت: إذا أردتَ قتله فاقتلني قبله ، تحملت عليها السلام جميع انواع الأذى والمصائب، بشجاعة ابيها وبسالة أمها وصبر اخيها سيد الشهداء عليه السلام، واكملت طريق السبيِّ ابيةّ هاشمية غير مباليةٌ بالأعداء، وقد افهمت من بهِ الصممُ، ثم عادت و استذكرت دخولها الكوفة وهي أميرة في حمى والدها أمير المؤمنين عليه السلام وكيف انتهى بها الحال اسيرة بيد الأعداء (سهى البهادلي)

المناسبات الدينية
منذ 7 أشهر
144

شعر بمناسبة ولادة أمير المؤمنين عليه السلام

1.وُلِدَ الجلالُ و أَشْرَقَتْ أَنوَارَا هَنُوا لِمُولِدِهِ النبي المُختارَا 2.وَلَدَتهُ في بَيتَ الإِلهِ كَريمَةٌ و البيتُ أَصبَحَ مَهدَهُ وَ الدَارَا 3.مُتَفرِداً إذا كان مَهدُهُ كعبةً رَبٌ جَيلٌ خَصَهُ وَ إختارَا 4.قَدْ زَيَنَ الأكوانُ نُورهُ مُقبِلٌ  وِلِدَ الوَصيُ وَ تلكَ أَحلى بِشَارَا 5.وِلِدَ الذي لِمُحَمَدٍ هُو نَفسَهُ وَهوَ الوَصِيّ وكَذا هُوْ حَامِي الجَارَا 6.فَالتَغرُبِي يَآ  شَمسُ لا لا تَشرُقِي نُورٌ يَشعُ لِحَيدرِ الكَرَارَا 7.قَدْ لاحَ في البَيداءِ مِنهُ فأَخضَرتْ  و تَفَتَحَتْ أَزهَارَا

المناسبات الدينية
منذ سنة
216

الخطبة الفدكية

الخطبة الفدكية كانت ولا زالت الخطبة الفدكية من اروع ما ادخرته الزهراء عليها السلام لنا ، طبعا لا بد ان نقول انها ليست الخطبة الوحيدة من تراث الزهراء عليها السلام ، لأن للزهراء عليها السلام تراث عميق وهائل لانها تربت في نور النبوة والوحي. ولأن الخطبة الفدكية التي نقلها العام والخاص ولأهميتها وبلاغتها اتجه كم هائل من العلماء الكبار والعظماء لتفسيرها وشرحها، حيث لاقت اهتماما بالغا لمضامينها العالية. حيث من غار في بحر تلك الخطبة على مر الزمان يجد نفسه متحيرا في كنهها، فتجدها تارة كلامية وعقائدية وتارة سياسية وتترة تاريخية..... إلى اخره من المضامين المتنوعة. حيث نجد المضامين القرآنية العالية مرتبطة ارتباطا وثيقا بها لانها منطلقة من بلاغة الوحي والتربية والتعليم المرتبط بالفيض الالهي والتربية المحمدية، فالسيدة الزهراء عليها السلام كانت منارا وقدوة لجميع نساء العالم إلى قيام الساعة، ومع مكانتها السامية وما نُقِل عنها من اقوال وخطب وروايات ولكن نجد ان الخطبة الفدكية بلغت من البيان والفصاحة ما يبين عظمة هذه السيدة الجليلة وبيان بلاغتها وبيانها في خطبة اوجزت فيها ما يجب ان يبين وليس للمطالبة بحقها فدك التي هي نِحلة من ابيها صلى الله عليه وآله وسلم، وانما الامر اهم بكثيرمن وراثة او مال او حتى بيان حق الامر يتعلق ليس بفاطمة عليها السلام فقط بل بأمة او دهر او بالماضي والحاضر والمستقبل، انها عليها السلام توضح الخطر الوشيك الذي سيصيب ليس المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ولكن يصيب المسلمين على مختلف الازمان وفي جميع العصور. تلك الخطبة على مر الزمان تتضح حقائقها جيلا بعد جيل، لانها عليها السلام كانت تدرك نتيجة تلك الافعال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لانها عليها السلام لها النظرة المستقبلية، فلا عجب لانها بنت الرسالة وفي دار الامامة والوحي. وهي تعتصر الما من ما رأت ، وان تلك الحقبة الزمنية كانت رأس الخلاف والفتنة على مر العصور. فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

المناسبات الدينية
منذ سنة
234

رُدَت رؤوس الآلِ إلى الحفرِ

رُدَت رؤوس الآلِ إلى الحفرِ إنه يوم الأربعين، يوم رجوع الضَعن المبارك من الشام بعد ذلك العناء والسبي والمسير الطويل مع الظالمين في تلك الطرقات قرابه الأربعين يوماً يعود موكب السبايا حزينا مع ما بقي من آل البيت الكرام عليهم السلام أجمعين ومعهم الرؤوس المباركة، يرجع الإمام زين العابدين عليه السلام ومعه حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عماته وأخواته وبنات عمومته.وهنا كان جابر بن عبدالله الأنصاري مع غلامه عند قبر سيد الشهداء عليه السلام. نعم، هنا كان جابراً رضي الله عنه هناك حينما سمع بشهادة سيد الشهداء عليه السلام خرج جابر وكان قد كف بصره ومعه عطيه العوفي وصل نهر الفرات كما تقول الروايات فإغتسل ولبس أطهر ثيابه وتطيب ثم ذهب حافياً إلى قبر الحبيب فوقف عند الرأس الشريف وكبَّر ثلاثاً ثم خرَّ مغشياً عليه ولما استفاق من غشيته فقال يا حسين ثلاثاً ثم قال : حبيباً لا يجيب حبيبه، فكيف بك بالجواب وقد شخبت اوداجك على اثباجك وفرق بين بدنك ورأسك، وتلا الزيارة زائراً ومواسياً لآل الرسول الكرام فما هي إلا برهة حتى وصل الرَكب المبارك إلى الحبيب ، فتوجه جابراً حافياً حاسراً الرأس لإستقبال قافلة السبي معزياً إياهم.. يا لها من فجيعة تعود الذكريات إلى يوم الفراق يوم الحادي عشر من محرم الحرام حينما أُخِذَت زينب الكبرى عليها السلام ومعها ابن أخيها المريض الإمام السجاد عليه السلام ومعها الحرائر من بنات إخوتها وعمومتها وما بقي من الأطفال والنساء إلى الكوفة سبايا وأُسارى، يوم حزنت السماوات والأرض وما بينهما على فاجعة قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله الكرام عليهم الآلاف التحايا والسلام وقد ذكرت الروايات من الفريقين ذلك أيضاً. تعود تلك الوجوه المباركة التي غَيَّرها الحزن والسبي وضرب السياط وحرارة الصحراء حتى تقشرت الوجوه وتغيرت....... يعود الرَكب ليقول ها قد جئنا يا أبانا الحسين ها قد جئنا يا عمنا العباس..... كأنما حال السيدة زينب عليها السلام تقول ها قد رَجعنا يا حبيبي يا حسين يا كافلي يا عباس، رجعنا يا أبناء عمومتنا، رجعنا يا أيها الشهداء الكرام.. لكن كيف عُدنا يا أخي يا أبا عبدالله يا تُرى هل رأيت ما جرى علينا وهل سمعت بما أصابنا؟ نعم، لقد كنت معنا لقد كانت رؤوسكم يا إخوتي أمام ناظري وهي تسمع وترى وكل ذلك بعين الله تعالى. وهنا نذكر مقطعا من زيارة الأربعين المباركة (فقد بذل فيك مهجته ليستنقذ عبادك من الجهالة وحَيرة الضلالة....). نعم إنه الحسين وآله الكرام صلوات الله وسلامه عليهم هنا يُسَلِم الرَكب المبارك على شهداء كربلاء، وهنا يُعيد الإمام السجاد عليه السلام الرؤوس المباركة إلى أجسادها. هنا في رمضاء كربلاء يقول لسان حال السيدة زينب عليها السلام اخي يا حسين نحن عُدنا ولكن كيف عُدنا، عُدنا بِلا رقية بِلا خولة بِلا بعض العلويات الصغيرات، عُدنا مع ما فقدنا من الأطفال..... هنا لابد أن يقف كل زائر كل إنسان ليَعتَصِر مخيلته حول رجوع رَكب السبايا إلى رمضاء كربلاء، هنا لا يوجد تعبير في الكون يصف ما جرى في كربلاء من قتل وسبي، ما ذا كان كلام السيدة زينب عليها السلام إلى أخيها الحسين عليه السلام وإلى أخيها العباس عليه السلام؟ لكن نعود ونقول كل تلك التضحيات التي لا يمكن أن تثمن بثمن أبداً، يجب أن يُسار على نهجها، لأن تلك التضحيات جاءت لحفظ الإسلام وصيانة دين الحق من التحريف والبدع.

المناسبات الدينية
منذ سنة
221

نسائم العشق

نسائم العشق يمر علينا كل عام شهرين فيهما من الفيض الكثير الكثير وبمختلف الدرجات كأنهما شهر رمضان المبارك بقرآنه وعزاء أمير المؤمنين عليه السلام وليالي القدر المباركة ومجالس الذكر والدعاء التي يحيها ويقيمها المؤمنون كبيراً وصغيراً، نساءً ورجالاً، شيبةً وشيبة، أطفالاً ورضعاً في أحضان أهاليهم في مختلف أنحاء الكرة الأرضية. يا ترى ما هذا السر وما هذا العشق! إنه شهر العشق شهر الحسين عليه السلام وآل الحسين الكرام عليهم الآلاف التحايا والسلام، شهر المحبين الذين يقيمون كل ما بوسعهم لخدمة مولاهم من مجالس العزاء والدعاء وقراءة القرآن الكريم والقيام بتقديم الضيافة من الماء والحلويات والزاد من الغالي والنفيس بلا تذمر ولا بخل ولا مِنة، بل بكل حب وعشق يتسابق المؤمنون في تقديم كل شئ من ما لذ وطاب وفي سبيل الله لا يريدون جزاءً ولا شكورا من أحد، بل يطلبون رضا الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وآله الكرام عليهم السلام. إنه شهر محرم الحرام، شهر العشاق الذي يذوبون في طريق مولاهم الحسين عليه السلام، ثم يأتي شهر طريق العشق شهر يتسابق فيه الطرق المليئة بالعشاق من خدم ومشاة على الأقدام من مختلف الجنسيات تتسابق هذه الطرق في تقديم كل وسائل المأكل والمشرب والراحة في خدمة الحبيب الحسين العزيز وآله الكرام عليهم الآلاف التحايا والسلام. كل من يخرج وينظر إلى تلك الطرق المزدحمة بالعشاق يجد أن العشق الحسيني جعل من الجميع عشاقاً يتجهون إلى محبوبهم بلا كَلل ولا مَلل، بل بكل حب وعشق تراهم بمختلف الأعمال والجنسيات والطوائف يتجهون نحو قبلة العشق. نعم، نرى كل الجمال وكل المحبه والتراحم والتعاون وكل شيء في ذلك الطريق حتى إننا نرى في كثير من الأحيان تصحب الناس النذور من كل شيء حتى من الخِراف التي نراها تسير مع مالكها بلا أن يمسكها بحبل الذي جلبها هديةً أو نذراً كأنها تعرف إلى أين تتجه وتسير. نعم، إنه طريق العشق، كل شيء يتجه نحو المعشوق الذي ضحى بكل ما يملك في سبيل الله. لنسأل أنفسنا ما هذا العشق والحب من أين يأتي وبمن يتصل؟ إنه فيض من الكمال الذي منحنا الله تعالى إياه كأنه مكافأة لذلك المظلوم الشهيد الذي قدم كل ما يملك في سبيل المعشوق حتى خاطب ربه وهو يلتقط أنفاسه قال ( إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.....) إنه فيض من عشق العاشق الحقيقي الحسين. لنشكر الله تعالى على هذه النعمة التي منحها لنا ببركة سيد الشهداء عليه السلام لنلتمس من بعض عشقه عليه السلام لنرتبط بالغاية الكبرى التي هي رضا الله تعالى. إلهي بالحسين الشهيد عليه السلام لاتحرمنا من هذا الجمال المتجلي برحمتك الواسعة التي مصداقها الحسين عليه السلام.

المناسبات الدينية
منذ سنة
210

يتصدر الان

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 4 سنوات
149680

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 4 سنوات
134601

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 4 سنوات
89081

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 4 سنوات
81828

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 4 سنوات
79549

أقوال كاذبة النسبة

انتشرت بين الناس في برامج التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الالكترونية الكثير من المقولات المنسوبة للإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام )، وهي روايات كاذبة ومنسوبة ولا يوجد لها دلالة في الكتب الحديثية. ومنها هذه المقولة: - [يقول علي بن ابي طالب عليه السلام : كنت اطلب الشيء من الله ... فإن اعطاني اياه كنت افرح مره واحده . وإن لم يعطيني اياه كنت افرح عشر مرات . لأن الاولي هي اختياري ، أما الثانية هي اختيار الله عز وجل ] هذه المقولة كذب لا أصل لها ولا دلالة. فلم أجد لها سنداً في الكتب الحديثية أبداً. اما من حيث المعنى فهي مخالفة للقرآن وللاحاديث النبوية وروايات اهل البيت عليهم السلام، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء وضمن الاستجابة حتى ولو بعد حين. قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ). - روي عن رسول الله( صلى الله عليه وآله) أنه قال: «افزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجأوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه ، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب؛ فإما أن يعجله له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا؛ ما لم يدع بماثم» (١) . تأملوا : (افزعوا إلى الله في حوائجكم) ، (والجأوا إليه في ملماتكم) ، (وتضرعوا إليه). إنما يستعين الانسان على قضاء حوائجه الدنيوية والاخروية بالدعاء والابتهال والتضرع الى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان المؤمن يفرح بعدم اعطائه حاجته فلماذا يفزع وأي مؤمن علي بن ابي طالب( عليه السلام )الذي لا يطلب حاجة للدنيا . - عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : «اكثروا من أن تدعو الله ، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة» (٢). إن الله يشتاق إلى دعاء عبده ، فإذا أقبل العبد بالدعاء على الله أحبه الله ، وإذا اعرض العبد عن الله كرهه الله. عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «يا معاوية ، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة ، ومن اعطي التوكل اعطي الكفاية ؛ فان الله تعالي يقول في كتابه : (ومن يتوكل علي الله فهو حسبه). ويقول : (لئن شكرتم لأزيدنكم). ويقول : (ادعوني استجب لكم)(٣). إن بين الدعاء والاستجابة علاقة متبادلة ، وأي علاقة أفضل من أن يقبل العبد على ربه بالحاجة والطلب والسؤال ، ويقبل الله تعالى على عبده بالإجابة ويخصه بها؟ قد يؤجل الله تعالى إجابة دعاء عبده المؤمن ليطول وقوفه بين يديه، ويطول إقباله عليه وتضرعه إليه ... فإن الله يحب أن يسمع تضرع عبده ، ويشتاق إلى دعائه ومناجاته. وفي الختام نقول: الأسلوب لا يخلو من الركاكة ، و من يعرف بلاغة وفصاحة الإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام ) يعرف أنه لم يقل هذا الكلام. فلا يجوز نشر مثل هذه المقولات المنسوبة بين المسلمين إلا لبيان أنها كلام مكذوب وموضوع ومنسوب للإمام ( عليه السلام ). لأن ديننا ومذهبنا علمنا أن نتحقق ونبحث في صحة وسند الرواية قبل نقلها . ---------------------------- (١)- بحار الانوار ٩٣ : ٢. ٣. (٢)- وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٦ ، ح ٨٦١٦. (٣)-خصال الصدوق ١ : ٥٠ ، المحاسن للبرقي ٣ ، الكافي : ٦ في ١١ : ٤ من جهاد النفس. حنان الزيرجاوي ينشر 3

اخرى
منذ 4 سنوات
75491