بقلم: مَنار المهدي بما إننا مُتشبّعون بالمُقاومة، وكُل شيء في حياتنا هذه الايّام يُشكّل مُقاومة؛ لذلك فأننا ننتظِر فُرصة للتدريب الروحي كما ينتظر المُقاومون التدريب العسكري، مع العلم أن المقاتلين يحتاجون التدريب والزّاد الروحي ليتمكنوا من مواصلة العمل العسكري. لذا وكمقاومين مهدويّين يُعتبر شهر رمضان شهر تدريب وفرصة مثاليّة لنا لإعداد أنفسنا. لن نتكلّم عن فضائل شهر رمضان؛ لأن أغلبنا يعرف ذلك ويمكن الرجوع إلى الكتب والمحاضرات للتذكير. المهدوي يعتبر نفسه بإعداد دائم وجاهزيّة لاستقبال الإمام (عجل الله تعالى فرجه) بكل لحظة؛ لذا فهو يتدرب طيلة أشهر السنة لكن لشهر رمضان خصوصيّة أكبر باعتباره شهر الله تعالى، والنشاطات الاجتماعية والدينية تكون فيه أكثر من غيره لذلك يكون فيه أكثر حماسًا للتدريب والتزود. فلمن يسعى أن يكون جنُديّا في جيش الإمام روحي فداه وليس المقصود هنا أن يكون جنديًا فعلًا معه عند الظهور لكن المقصود أنه هو جندي للإمام روحي فداه في غيبته، وأنه مستعد وحاضر يسعى لإكمال نفسه ويبرهن للإمام عليه السلام أنه يستحق أن يكون ضمن مناصريه على كافّة الجوانب، لذا لمن يسعى لذلك أن يغتنم هذه الفرصة للدخول لهذا المعسكر كما أسميناه خاصة في ظل أوضاع الحجر والتزام المنزل وللدخول في هذا المُعسكر التدريبي المهدوي هناك عدّة مراحل: أولاً: النيّة: وهي بمثابة (الباج) الذي يحمله العسكري للدخول فبدون نيتك القلبيّة السليمة ستكون كل جهودك هباءً والعياذ بالله. ثانياً : الخُطّة: الخطّة تكون دائمًا من القائد، وقادتك هنا هم النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام). أما الكتاب الذي تصدر منهم الأوامر فيه إليكَ فسيكون (مفاتيح الجنان) و(ضياء الصّالحين) و ما أحببت وما توفر لديك من كتب مُشابهه. ولكي تعرف الخطّة كاملة ما عليك سوى فتح الكتب والالتزام بأعمال شهر رمضان. وهنا يجب الانتباه إلى أنّ بعض الأعمال يجب التركيز عليها بقوّة وصب الجُهد لمتابعتها ومنها: دعاء أبي حمزة الثّمالي؛ أيها المهدوي، هذا الدعاء -إذا تأمّلت فيه جيدًا وركّزت فيه- فإنه سيكون زادك العجيب لتخرج من الشهر نقيًّا تقيًّا. بالإضافة إلى أنّك ستواجه أوامر بالتدرّب الليلي: (ثمان ركعات، ركعتي شَفع، ركعة وِتر). هنا يجب عليك الانتباه أكثر، هناك من يتربّص بك وسيحاول إعاقَتَك! لا تغفل إنّ الأعداء كُثُر وسيتربّصون بك لإيقاعك... النفس الأمّارة بالسوء، إبليس، إلخ.. قد تسمع أن الشياطين ستُكبّل وتُحبَس في هذا الشهر، هذا صحيح، لكن لا تُخدع! فصحيح أن الله سيبعده عنك ولكن عدو الله تعالى والإنسان لن يرتاح ويترُكك وشأنك! سيحرص على تسليم مهمّته إلى شياطين الإنس ليُضلّوك وتخرج خاسرًا. القنوات والبرامج والأفلام كلها أدواته ووساوسه يوصيهم الشيطان بك جيدًا قبل أن يغادر، فكن نبهًا يا مهدوي! هل فكّرت يومًا لماذا تُعرض البرامج الترفيهية مع أذان المغرب مباشرةً؟ إنّ هدفهم هو إيصال رسالة لك مفادها: لقد قضيت النهار وأنت عطشان وجائع وحرمت نفسك لله تعالى، والآن حان دورك لتبتهج! كأنهم يقولون انتهى دور الله تعالى، وحان دور نفسك (ساعة لقلبك وساعة لربّك)! لكن عليك أن تدرك أن القلب حرم الله تعالى، فإذا كان قلبي يريد ساعة لغير الله تعالى فلمن تكون إذن؟ إنّها للشيطان بلا شك. لذلك انتقِ ما تشاهد خلال هذا المُعسكر ولا تكن عونًا للشيطان على إعاقتك وأبعادك. بعد أن أخذت الباج (النيّة) ودخلت المُعسكر وأصبحت الخطّة بيدك وعرفت عدوك لم يبقَ لك إلّا التنفيذ. انطلق للإمام صاحِب الزّمان (عليه السلام)، واطلب منه العَون والمدد فهو المشرف على هذا المعسكر وعيناه الشريفة ترعاك عن بُعد! تواصل مع هذا القائد، خصص له دقائق من وقتك، تُناجيه تدعو له، تزوره… اجعل لك وردًا يوميًا بقراءة دعاء الفرج قبل الفطور والسحور وتصدّق على المحتاجين نيابة عن الإمام... اجعله معك على المائدة وتذكّر غربته… أنت تجلس للإفطار مع أحبتك، أما هو فلا تعلم أين يفطر! حاول أن تطوّر أحد الجوانب الثقافيّة لديك لأن المهدوي يطمح لإثبات ذاته للإمام وأنه جدير بثقته (عليه السلام)، وهذه فرصة ذهبيّة لذلك، فصاحب الدراسة تكليفه دراسته والاجتهاد فيها... وربّة المنزل تكليفها عائلتها وزوجها وبيتها، وهكذا.. بالإضافة لكل ما ذُكر يمكنك تطوير أشياء أخرى فإذا لم يقبلني الإمام (عليه السلام) في تخصصي العلمي والمهني، سيقبلني بأمر آخر.. طور حصيلتك الثقافية والدينية...ادرس العقائد والأحكام بما يتوفر لديك... وسيقبلك كمبلغ ديني! أو كخيّاط! أو رسّام! أو حتى طباّخة سيقبلكِ أو منظّفة في جيشه المهم أن تجدي لك موطئ قدم في جيشه... وأخيرًا تعلّم ممن سبقوك وتخرّجوا قبلك من المعسكر، الشهداء، العلماء! تعلّق بشهيد، ادرس سيرة شهيد... تشبّه بالشهيد.. زُر عائلة الشهيد.. إذا كنتَ/ كنتِ ممن يريدون الدخول وممن لديهم الهمّة لذلك فادخل، احمل (باجك) نيّتك، وادرس خطّتك وادخل، وابتدأ من اليوم، اغتسل غسل التوبة، وادع بدعاء التوسّل وتذكّر أنّ هذا المعسكر هو أرضية لمحرّم. كلما أبدعت هنا كنت أكثر إبداعًا ونشاطًا في شهر محرّم الحرام.
اخرىبقلم: منارُ المهديّ قال لي أبي وهو يصِفُ ذاك الرّجُل الجنوبي الأسمر: ركِبَ إلى جانبي في سيّارة الأُجرة، تجاذبنا أطراف الحديثِ حول مواضيعَ شتّى، ثم عرّج بحديثه على ذِكر أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: "الحُسين"... أتبعها بشهقةٍ ملأت صدره، فلم يستطِعْ مواصلة الكلام وراح يمسحُ دموعه الفائِضة بكُمِّ قميصه! نحنُ الذين لم نصلْ لبواكير العِشق بعد، استغربنا شهقاتِ ذاك الغريب وعبَراته. لا أدري لماذا بقيَ هذا الموقف مخزونًا في جزءٍ ما من ذاكرتي الغضّة آنذاك، وظلّت تفاصيل ذلك المشهد -الذي غبتُ ببصري عن إدراكه- يحفِرُ في قلبي، وطفِق عقلي ينسجُ عشرات الأسئِلة، عن الرجل كيف وصل؟ ما الذي أحسَّ به؟ هل رأى الإمام؟ لِمَ تُراهَ بكى -حسب وصف والدي- بتلك الحُرقة؟ والأهم هل سأُصبِحُ مثله يومًا.. يُدمي ذكر الحُسين مُقلَتي؟! وذات ليلةِ قدر، رأيتُ الإمام الحُسين (عليه السلام) في كلِّ شيءٍ، ذُقتُ عطشَه في كأسِ الماء الدِّهاق الذّي عزفتْ نفسي عن شربِه في السّحور، ورأيتهُ بين أسماءِ ذي الجَلالة في دُعاء الجوشن الكبير! لكأنّ البُكاء أصبح قُربتي إلى الله (تبارك وتعالى) ليلَتها، حُشاشتي المتجمّرة تستصرخني لأصُبّ دمعي، لكن كيف لي أنْ أخبرها أنَّ عيني جامِدة لا تملك الدُموع؟ أسعفني صوتٌ مُتيّمٌ كربلائي أطلق قصيدةً بصوته المُعتّق بالشجن العاشورائيّ التليد، فأزاح قشّة الغفلة من مجرى أدمُعي، ومن يومها أصبحت قصيدتهُ تلك حارِسةَ مدمعي الخبيرة، لا أحد يثقُب زُجاج عيني الجامد كما تفعلُ هي! أما العاشِق الأشيَب ذاك، فلا أزالُ أتذكّره عند كُلِّ بُكاءٍ رغم سُلو ذاكرة أبي والزمان لتفاصيله... حقًّا ما يُقال: إنّ عشق أبي الأحرار يُعدي!
اخرىبقلم: منار المهديّ _اللّه أكبر.. الله أكبر _هل ما ينطق به من شأنه أن يحرّض على سياستنا؟ ما أدراني جِهاد أو ما شابه؟ _كلّا، مجرد ترنيمة صلاة لا أكثر.. _إذن، ليقُل ما يشاء حتى الصباح! عدّل قبعته الطويلة ومسّد شاربه بغرور ومضى يجر خلفه جلاوزته بعد أن دعس على سنبلة ذهبيّة نمت للتو في حقل الفلّاح الذي سلبه مستحقاته تحت طائلة قانون الإقطاع الزراعي. في بيتٍ متواضع في أحد أزقّة النجف الضيّقة، يتربّع الشيخ الحائِري الشيرازيّ -الذي قدم من سامرّاء حديّثًا إلى النجف- بوِقار، يطالع الوجوه حوله، يقرأ فيها العزم والشدّة، تسعة رجال يجلِسون أمامه يُهسهِسون فيما بينهم، يحاولون حِياكة بواكير ثورةٍ ما. شاركهم الشيخ الحديث وبيّن لهم مخاوِفه وكم أنّ الحمل ثقيل ويخشى أن لا طاقة لهم به ، لا شكًّا منه ببسالتهم ، إنما خشية أن تغلب الكثرة الشجاعة ويغلب المدفع البرنو. _نحنُ نتشبّث! إن كانت الحريّة هي ما يدّعون فتعسًا لها! إنّ العناية بالمتنزّهات وتنظيف الطرقات ليست إلّا حيلة لإغراء السباريت ولا تساوي عندنا قلامة ظفر.. السامُ أولى من تجرّع زُعاف السّكوت! قال أحدهم: _بلغَني أنّ علماءَ (تلك الولاية) وأعيانها قد جمعوا التواقيع وحرّروا مضبطًا وبعثوا به إلى الحاكِم، يتزلّفون إليه ويرغبون ببقاء الانتداب! _هذا ديدَنهم أمّا أنّهم قد ذهبوا بعارها وشَنارها، الأرض أرضنا ولن نُسلّم منها شبرًا.. ألقى الشيخ نظرة فاحِصة ليقول: _"إذا كانت هذه نيّاتكم وهذه تعهّداتكم؛ فالله في عونكم" ولمّا رأى بواترهم تأبى إلّا السلّة ورأى تأصّلهم وعناده في الرّسوخ على القضيّة، ضغط زناد السّلاح الموروث من ثائر كربلاء وأذّن بـ حيَّ على الجِهاد: (مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السِّلم والأمن ويجوز لهم التوسّل بالقوة الدفاعيّة إذا امتنع الإنجليز عن قبول مطالبهم). نهض (شعلان)، زفر أزيز الغضب في صدره كما المرجَل، ومد يده إلى صاحبه ليستند عليه وينهض، وانطلقا يُحشّدان بكل ما أوتيا من فتوى. ثارَ الفُرات، حمحم فرسُ الثورة الجَموح وقضمَت (الفالةُ) صدر البارود.. نحنُ الفراتيّون، من أزقتنا الضيّقة وبيوتاتِنا التليدة يصدح أذان الجِهاد إن شئنا أحلناها ثكَنَات أو أردنا صيّرناها حُسينيّات ومساجِد.. مآذننا في قلوبنا وبوارقنا تكشِف غسق اللّيل الأدسم وتصبّه حممًا فوق رؤوس المعتدين. _الله أكبر.. الله أكبر عند ارتفاع الأذان، سقطت قبّعة السير، وأينعَت السُنبلة وأنبتَتَ مئة حبّة، ولا زالت قمحةُ ثورة العشرين تذر في القلوب ملح الثورة، على امتداد الأزمان ولا تزال "النجف قذى في عين السياسة البريطانيّة". م/الحوار بين الشيخ الحائري والمجتمعين حوار افتراضي استقيناه مما نقله السيد عبد الرزّاق الحسني في كتابه عن ثورة العشرين.
اخرىبقلم: منار المهديّ (مقارنةٌ بين فتوى ثورة العشرين وفتوى الجهاد الكِفائي) "كم مِن فِئةٍ قليلةٍ غَلَبَت فِئةً كثيرة بإذنِ الله" تمر علينا الذِّكرىٰ المئة على قِيام ثورة العِشرين، ورغم انقضاء قرن على اندلاع بواكير تلك الثّورة إلّا أنّ المبدأ لايزال واحدًا، من الطرَفين! بادئ ذي بدء، في خضم الصراع المتلاطم بين الدولة العثمانيّة والانجليز وحنث الانجليز بوعودهم والنكوص عنها، وجّه علماء وأعيان النجف الأشرف دعوةً إلى الميرزا محمّد تقي الشيرازيّ الحائريّ الذي كان مستقرًا في مدينة سامرّاء، وما كان منه إلّا أن لبّى دعوتهم وشدّ رحاله إلى النجف ليسكن بينهم. ومن منزله المتواضع في جوار أمير المؤمنين (عليه السّلام) أفتى بوجوب مطالبة العراقيين بحقوقهم ولو بالتوسّل بالقوة الدفاعيّة، ومن هنا يصبح بإمكاننا عقد المقارنة: ١- لم يعلن الشيخ الحائري ضرورة الكفاح المسلّح إلّا بعد أن تأكّد من جهوزيّة وإصرار الشعب وقد بيّن لهم خطورة الأمر وثقل الحمل مرارًا مراعاةً لحرمة الدماء، وكذا الحال بالنسبة للسيد السيستاني (مدّ ظلّه) أفتى بوجود الجهاد الكفائي بعد الرويّة والاطمئنان إلى جاهزيّة وترسّخ مفهوم المقاومة والجهاد في أذهان العراقيين وهذا ما لم يحصل مع الاحتلال الأميركي للبلاد الذي كان أكثر عدّة ونفيرًا ووحشيّة فلا مغامرة بالدماء والأعراض. ٢- الحفاظ على القانون والممتلكات العامّة حتى في وقت الحرب فليس الإسلام دين قتل وسلب وتخريب، وقد جاء في خطاب الشيخ الشيرازي الحائريّ للثوّار آنذاك في خطاب طويل نذكر ما نصّه: "فالواجب عليكم بل على جميع المسلمين الاتفاق مع إخوانكم في هذا المبدأ الشريف وإيّاكم والإخلال بالأمن والتخالف والتشاجر بعضكم مع البعض فإنّ ذلك مضر بمقاصدكم ومضيّع لحقوقكم التي صار الآن أوان حصولها بأيديكم، وأوصيكم بالمحافظة على جميع الملل والنِحَل التي في بلادكم في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم ولا تنالوا من أحد منهم بسوء أبدًا، وفقكم الله جميعًا لما يرضيه والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته". وهذا عين ما وصّى به سماحة السيد السيستاني (مدّ ظلّه) إلى مقاتلي الحشد الشعبي في كتاب تضمّن فقرات عديدة، نقتبس منها: "الله الله في حرمات عامة الناس ممن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء، حتى إذا كانوا من ذوي المُقاتلين لكم فإنّه لا تحِلّ حُرمات قاتلوكم غير ما كان معهم من أموالهم، واحرصوا رعاكُم الله أن تعملوا بخُلُق النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) مع الآخرين في الحرب والسِّلم جميعًا". ٣- يذكر أنّ علماء وأعيان ولاية الموصل قد اجتمعوا آنذاك وحرروا مضبطًا أعلنوا فيه تأييدهم للانتداب البريطاني ورغبتهم ببقائه، إلّا أن الثوّار الغيارى رفضوا ذلك وأعلنوا أنّ الموصل جزء من الأرض ولن يسلّموا شبرًا منها. واليوم يعيد التاريخ نفسه ونرى مجاهدي الحشد يتركون ديارهم ويذهبون للقتال في الموصل وينزفون على أرضها رغم أنّ أحدهم لم يطأ تربتها يومًا وليس له فيها ناقة ولا جمل بل قد لا يملك شبرا في كل العِراق! وفي هذا جواب للمرجفين أن الدفاع عن الوطن لا يحتاج إلى فتوى! من المسلّم به أن كل الشعوب تنشد حريّتها وترفض الاحتلال، لكن هل قامت ثورة يومًا بهذا الانضباط ومراعاة الحرمات والحرص على عدم الاخلال بالنظام العام؟ لقد أعادت ثورة العشرين وعلى أثرها فتوى الجهاد الكفائي للأذهان ذكرى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يوصي المجاهدين يوم فتح مكّة أن "لا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا شيخًا ولا طفلًا ولا امرأةً ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن". وهي جواب للمتشدّقين بفصل الدين عن السياسة، أفهل يستطيعون فصل الميرزا الشيرازيّ عن ثورة العشرين؟! أم هل يستطيعون فصل السيّد السيستاني عن فتوى الجهاد الكفائي المقدّسة؟! وفي ردٌّ على المدّعين أنّ الثورات على الظالمين لا تنفع ما دام الإمام صاحِب العصر (عليه السّلام) غائِبًا، والحال أنّ غيابه لا يعني الرضوخ وتجرّع زعاف الذل والهوان، بل أثبت علماؤنا أنه متى ما توفّرت الظروف والمناخ المناسب واكتملت العدّة فإنّ الجهاد وتوطئة السُلطان للإمام الحجّة (عليه السّلام) واجب لا محالة. ومن طريف الصدف أنّ كلتي الفتوتين قد أُعلنتا في شهر حُزيران، الأولى في الثلاثين من حزيران وفتوى الجهاد الكِفائي في الرابع عشر منه.
اخرىبقلم: منار المهديّ (مقارنةٌ بين فتوى ثورة العشرين وفتوى الجهاد الكِفائي) بعد أن عرفنا الجزء الإيجابي المشرق والمبدأ الشريف لفرعَي أيكة المجد، ربيبَي غريّ علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، نستعرض مبدأ الطرف الآخر، الذي وإن اختلفت مسمّياته إلّا أنّه يسلك ذات المبدأ وذات السبيل. ١- تذرّع البريطانيّون بذريعة تحرير البلد من قبضة الدولة العثمانيّة وهذا ما صرّح به الجنرال مود بقوله: "ان جيوشنا لم تدخل مدنكم وأراضيكم بمنزلة قاهرين أو أعداء بل بمنزلة محررين". والحال أنّ أيًّا مما وعدوا به الشعب لم يحصل بتاتًا ولم يأتِ منهم خير. وهذا ما حصل عند احتلال الجيش الأمريكي للعراق بذات الحجّة والذريعة والحال أننا لم نجنِ منهم سوى الشوك والحنظل. ٢- أصدر السير (برسي كوكس) بيانًا ذكر فيه بأن الجيش البريطانيّ إنّما يحارب الحكومة التركيّة لا الأهالي الذين يضمر لهم كل خير وفلاح! وكان القصد من هذا البيان الفتّ في عضد الوحدة الإسلاميّة وإثارة النفرة بين العراقيين والحكومة العثمانيّة جريًا على قاعدة "فرّق تسُد" وتتجلّى هذه القاعدة واضحة أمام أعيننا اليوم بما نراه من محاولات لدسّ السُّم بالعسل والتفريق بين المسلمين في العراق وإخوانهم في البلدان الأخرى بشتّى الشائعات والتحريضات، وأنّهم لا علاقة لهم بأبناء الشعب إنما غايتهم هي قيادات الحشد، متغافلين أنّ القيادات هي جزء من أبناء هذا الشعب. ٣- صرّح الحاكم البريطانيّ في غير مرّةٍ أنّ "بعض الأشخاص الطائِشين قد أغراهم العدو على حمل السّلاح لمساعدته ضد الجيوش البريطانيّة"؛ لإيهام الناس أنّ من يحملون السّلاح لمقاتلة الاحتلال ما هم إلّا جُناة خارجون عن القانون لترهيب الأهالي وردعهم عن إرسال أبنائهم إلى جبهات القتال! وهذا عين ما تشنّه الآن أميركا وأعوانها على ملبّي فتوى الجهاد المقاتلين من أنّهم طائشون وقتلة وميليشات.. وإلخ. وفي كِلتي الثورتين، أهم ما يُنجَز هو الحِفاظ على المنجزات والشروع بالإصلاحات وسد أيّ ثغرة يتمكن من خلالها الأعداء من ضرب هذه المؤسّسات المباركة، وهذا ما حصل بعد انتصار ثورة العشرين حيث ضيّعت الحقوق بذهاب السلطة إلى من هو أقرب ما يكون إلى "دميّة" تحرّك خيوطها أصابع العم سام! وقد أوصى السيّد السيستاني (مدّ ظلّه) بالحفاظ على منجزات الفتوى وإدامتها وأكّد أنّ معركة الإصلاح القادمة هي أهم وأشدّ ضراوةً.
اخرىبقلم : منارُ المهديّ زهرةٌ هي نبَتَت في سَبسبٍ، واستقت ينبوعًا تفتّق مُخترقًا قلب الجَلمود الأصَم، في وسط أُم القُرى، المُكتظّة بهواجِس الضَياع واندِثار الحياة تحت كومةٍ من أعرافٍ بالية. حيثُ تعلو أصوات البواتِر على صوتِ أغاريد الربيع، ويختفي بين ضجيجها وقعُ خطوات الودَق على خدّ الأرض. كان قلبُ السيّدةِ ينطوي على أملٍ يُدغدِغ إحساسها كنسَماتِ مكّة الخجولة، الأمرُ يتعدّى أرباحَ القافِلة التجاريّة التي أودعت زِمامها بيد ذاك الفتى الهاشِمي. ولمَ الخشية؟! أليس هو الصّادِقَ الأمين؟! لقد أفرَغ مَيسرة -غُلامها- كُلّ ما بجُعبته عن هذا الشاب ولم يدّخِر في ذاكِرته شيئًا إلّا وقصّه عليها .. أيُّ نفسٍ ينطوي عليها هذا الفتى؟ خديجةُ (الطاهِرة) سيّدةُ نساء أهل مكّة، كوردةٍ وسط البيداء المُدجّجة بالأشواك. وردةٌ مونقةٌ بين اللّبلاب السّام، صافيةُ النفس، جليلةُ القدر، لم تنلْ منها خُشونةُ الصحراء ولا سماجة خُلُقِ الأعراب .. جوهرةُ البَطحاء، موسِرةُ الحال، وفيرةُ المال، بالِغةُ الجمال، تملك ما تهفو إليه نفوسُ الآدميين، وأما هي فتهفو إلى الرّوح الممسوسةِ بالعُلا والجلال. أنْ تجدَ الذي تنعكس السماءُ في مرآة قلبه الأسيل، أنْ تجدَ غُصنًا غضًّا نبتَ بين كُثبان الرِّمال، هكذا وجدت السيّدةُ من يُشاطرها الطُّهر، ويزيدُ عليها بمراتب من نور. قسماتُ وجهِه الوضّاء تسطعُ بين الوجوه التي غيّبت الفضاضةُ تقاسيمها، فأضحت دونما ملامِح، أما دماثة خُلُقِه فكانت مضربًا لأمثال العَرب. الصادقُ الأمين، الفتى الهاشمي المُبارَك أخذ عليها لُبّها، كان دُرّةً يتيمةً تلمعُ أمام خديجة الطاهرة، تُرسِلُ أنوارَها إلى عنان السّماء.. عاد بخيرٍ وفير، مُحمّدٌ (صلى الله عليه وآله) ربح تجارةَ خديجة، وأما هي فربحتْهُ هو. تلك السيّدة القُرشيّة، المهيبةُ الغنيّة، تخلعُ رِداءَ الغنى والجاه، فتبسطُ مالها فرشًا تحت قدَمي الحَبيب.. أيُّ طُهرٍ رأى فيها الباري فاصطفاها حليلةً لحبيبه، وحضناً دافئًا للمُدّثر العائِد من الغار الأنور بمشعل النبوّة، أوّل النساء إيمانًا به، وأول ساجِدةٍ لصلاةٍ بإمامته، وهي أُمٌّ لخير مَن ذرأ اللهُ وبرأ. أمّا فاطِمة فوحدها قِصّةٌ أُخرى، أيُّ وعاءٍ طهورٍ سَبَحت فيه وسبّحت؟ فلمّا بُعِثَ الحبيب، واشتدّ لهيبُ الحِقد المُتّقد في الصدور العارية من الوجدان، بقيت تلك الطاهرة وحيدةً، تحتوي فاطِمة في أحشائها، تؤانسها وتسُدّ عليها خلّة الهَجر. ولما أزف بزوغ شمس الزّهراء (عليها السلام)، وقامت خديجةُ تبحث عن جذعِ نخلةٍ تلتجئُ إليه، غشّى نورٌ غرفتَها وسطع فبدّد وحشتَها وإذا بصاحِبة النخلةِ الميساء مريم بنت عِمران تتوسّط آسيا وحوّاء بأباريقَ وطست من الجِنان، وماءٍ من الكوثر الزُلال يُبشرنها بخيرةِ النسوان. خديجةُ الغّراء تحتضنُ السيّدة الزهراء تلك الأُم الرؤوم، زوجُ النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) كانت كمبخرةِ عطرٍ في بيت أبي القاسِم (صلّى الله عليه وآله). وذات يوم أقرأها الأمينُ جبرئيل عن ربِّها السّلام وبشّرها ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ لا صَخَب فيه ولا نَصَب، كما كانت بيتًا دافِئًا لرسوله (صلّى الله عليه وآله)، كما كانت حِجرًا عطوفًا لرأسه المُثقلِ بالهُموم، وكما أصبحت بيته في كبدِ الصحراء، فقد كان جزاؤها بيتًا في فراديس الجّنان. وها هي الأيّام تمُرُّ، والقسوةُ تحفرُ القُلوب؛ لتُظهر لُبّها الأسوَد، والإحن يغلي في الصدور كنارِ جهنّم، وأعلن القتادُ كلمته أنْ لا مكان للأزهار بين الأشواك. وها هي خديجةُ تُلملم صبرها، وتمسك بيد فاطِمة، لتتوارى في شِعب أبي طالب (عليه السلام) البطحاء، فلم تعُد كما هيَ. يبدو أنّ حبل ظُلمتهم قد جذمتهُ خيوط الشمس؛ فأجبروها على الاستتار.. حاولوا خنق العِطر في زُجاجته ، لكن خديجة بنت المجد كانت تفيضُ صبرًا وعطاءً رغم كربتها، كأنّها لم تذُق مُرًّا، كأنّها عضدٌ خُلِق يشدُّ عضد النبي، يؤازره ، يفتديه ويحرُسهُ كزمرُّدةٍ فريدة. شاطرتهُ عناء الكَدح، وزفرات الأسى، وتباريحَ الأمل في حشاشتهِ الطّاهرة، شاطرته جوعَ الحِصار، واختبرت وجع النَبذ بعد إذ هيّ سيّدة. كان عامًا حزينًا ذاك الذي رحلت فيه الطاهرةُ إلى الرفيق، رَقَت وخلّت فاطِمة تتخطّفها يدُ الوجل والرُزء، خلّت محمدًا يُكابدُ ألم الجوى والوَجيب. نُدبةُ عامِ الحُزن ذاك تأبى أنْ تُفارقه حتى بعد أنْ تلاشت ذِكراها من ذاكرةِ الدُنيا الخائِنة. ظلّت تُلازمه، تمرُّ السنون وجُرح فراقها لمّا يندمل بعد، يراها في رفيقاتها، يُكرمُهُن، يفرشُ رِداءهُ بُسطًا لهُن وفرشًا. فعن عائشة قالت: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا ذكر خديجة لم يكَدْ يسأمُ من ثناءٍ عليها واستغفارٍ لها، فذكرها ذاتَ يوم فاحتملتني الغيرة فقُلت: لقد عوّضك الله من كبيرة السّن، قالت: فرأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غضِبَ غضبًا شديدًا، وسقطت في يدي، فقلت: اللهم إنْ أذهبت غضبَ رسولك عنّي لم أعدْ لذكرها بسوءٍ ما بقيت. قالت: فلما رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما لقيت، قال: كيف قُلتِ؟ والله لقد آمنت بي إذ كفَرَ بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، ورُزقت منّي الولد حيث حُرمتموه". هكذا بقيتْ السيّدةُ خديجةُ حيّةً في قلبِ النبيّ (صلى الله عليه وآلِهِ) حتى بعد وفاتها، لم يتزوّج عليها في حياتها، ولم ينسَها بعد مماتِها، أمُّ البتول الطّاهرة وسيّدةُ قُريش، كانت (أوسط نِساء قُريش نسبًا، وأعظمهم شرفًا، وأكثرُهم مالًا، وأحسنهُم جمالًا). وعن عائشة أنّها قالت لفاطِمة (عليها السّلام): ألا أُبشّرُكِ أنّي سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: "سيّداتُ نِساء الجنّة أربع: مريمُ ابنت عمران، وفاطِمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وخديجة بنت خويلد، وآسية". فسلامٌ عليكِ وأنتِ مُخدّرةٌ في وسط الرياح الزمهرير، وسلامٌ عليكِ وأنتِ تشعّين كالشمس في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسلامٌ عليكِ مُحاطةً بمريم وآسيا وحوّاء، سلامٌ عليكِ أم القاسِم وفاطِمة البتول، وسلامٌ عليكِ جائعةً في جوف الغارِ، سلامٌ عليكِ راحِلةً إلى الجليل مُستّلةً من قلب الحبيب، وسلامٌ عليكِ ساكنةً بيت القَصَب ..يا نبعًا لمّا يُنضب، وسراجًا لمّا يَنكفئ، وغّراء وكُبرى وطاهرةً وفُضلى.
اخرىبقلم: منار المهديّ هُناك... في البَعيد خلفَ أكوامِ الثّلوج وبَينَ أفنيَةِ الضَّريح حطّ عُصفورٌ جَريح... كانَ يشدو بالنَشيد راحَ يشكو للإمام سيّدي حلّ الظَّلام سيّدي ماتَ السّلام...وأتىٰ نسرٌ عَنيْد راحَ ينهشُ بالطُّيور بالصّدور أسكنَ الوردَ القُبور...بطشَ جبّارٍ عَتيْد أسدلَ اللّيلُ سِتارَه فوقَ أضواء المَنارَة وأتىٰ طيفُ البِشارَة...بانَ ضوءٌ مِن بَعيْد وأتىٰ ردُّ الإمام راكِبًا جنحَ الحَمام حامِلًا مسكَ الخِتام...ناثِرًا بَهجةَ عيْد الظّلامُ لَن يطول شمسُكُم تأبىٰ الأُفول وسيأتي ابنُ البتول...براية المجدِ التليْد سترىٰ وجه الإمام من خلفِ أكوام الغَمام من بينِ أسرابِ الحَمام... طالبًا ثأر الشهيْد يسحقُ النسر العنيْد
اخرىبقلم: منار المهديّ إنّ قضيّةَ الإمامِ الحُسين (عليه السّلام) شاملةٌ عامّةٌ تنطوي على الكثير من المَفاهيم التي تمكنُ الاستفادة منها عمليًّا على مُختلف الجوانِب، لاسيما الجانب التّربويّ، إذ إنّ كلمة "كُلّ ما لدَينا من عاشُوراء" لم تُنطَق عَبَثًا بل يُمكن للإنسان رؤية ما تركهُ صاحِبُ هذه المقولةِ من أثرٍ في تربيةِ الأُمةِ وتهذيبِها؛ فقد آمَنَ بها وطبّقها على نفسِه ومُجتمعِه قبلَ أنْ يُطلقَها كشعارٍ وفَلسَفةٍ؛ ليؤكّدَ أنّها حقيقةٌ قابلةٌ للتطبيقِ والاقتداء. وإحدى نماذجِ الّلوحةِ العاشورائيّة التربويّة هيّ اصطحابُ الطّفلِ إلى مجلسِ العزاءِ الحُسيني، إذ إنَّ هذا يُعزّزُ ويُرسِّخُ أجواءَ الحُزنِ والمراسمِ الحُسينيّة لديه، ويجعله ينظرُ إلى عاشوراء على أنّها حدثٌ مُهمٌ له طقوسُه الخاصّة، وتتعطّلُ لأجلِه الحياة لأيّامٍ معدودة. كما يدفعه للاستفسارِ حولَ كُلِّ هذهِ المظاهرِ وماهيتِها ما يُساعدُ على ترسيخِ القضيّةِ الدّينيّةِ الحُسينيّةِ في عقلِه وقلبِه الغَضَّين بشكلٍ أسرَع وأسهل، وكذلك ذهابه برِفقةِ أبَويه ورؤيتِه لإعطائهم جُزءًا من الوقت والاهتمامِ والحُضور يُشعرُهُ بأهميّة ما يذهبُ لحُضورِه ويُحفِّزُه للانتباهِ لمعرفةِ ما سيحدُث. قد لا يعي الطِّفلُ كُلَّ ما يرى ويسمَع، وقد تكونُ بعضُ الكلماتِ والأفكارِ أكبر من استيعابه، لكنّها ستظلُّ مخزونةً في عقلِه إلى أنْ يكبُرَ فيفهمها، فكم مرّةً فهمنا فيها فكرةً مُعينة أو وَعَينا مسألةً ما، فتذكّرنا أنّ لها جذورًا في ذاكرتِنا تمتدُّ لكلمةٍ أو أُطروحةٍ ألقاها خطيبٌ على مسامِعنا ذات يومٍ في طفولَتِنا ولم نفهمها جيّدًا. وكما يقولُ المختصّون في مجال التربيّة: لابُدَّ من التعويد أولًا، أي تعويد الطّفل على الصّلاة أو سائر العِبادات الأُخرى، ثم بعد أنْ يعتادَ ويختزنَها العقلُ اللاواعي لديه، وبعدَ الوصول إلى سنٍّ مُعيّنةٍ يأتي التّقويم حيثُ سيبدأ تلقائيًّا بطرحِ الأسئلةِ والاستفسارات ويُمكننا حينئذٍ أنْ نشرحَ له الغاية والفَلسَفة من العبادات والشعائِر، ونُبيّنَ له المَفاهيم العَميقة بما يَتناسَب مع مستوىٰ فَهمهِ وإدراكِهِ، فالمُهم أولًا هو الحُصول على أساسٍ قوي وصحيح، وتقبُّلٍ للشعائر والمجالِس، لكن هذا لا يَمنعُ أنْ يكونَ لدى الطفل شيءٌ من المعرفةِ حولَ القضيّةِ ولو بشكلٍ بَسيط بما يستطيعُ استيعابَه وإدراكَه، بالاستفادةِ من القصصِ المُصوّرة أو الأناشيدِ وأفلامِ الأنيميشن (الرسوم المتحركة) التي تعرضُ واقِعةَ الطّفِ بشكلٍ سلس وسهل. إنّ كمّيةَ العاطِفةِ الموجودة في المجالس والشّعائر بصورةٍ عامّة يُمكِنُ أنْ يكونَ لها تأثيرٌ جميلٌ على الطّفل وتغذيته بالعاطفة والمودّة تجاه أهلِ البَيت (عليهم السّلام). فكم من طفلٍ تأثّر بالطفل الرضيع وبالسيّدة رُقيّة، وحتى بالسيّدة الزّهراء (عليها السّلام) نرىٰ ذلك الطّفل الذي تدمع عينيه ويقول: "أُمّاهُ هل سيطيبُ جرح الزهراء لو بَكيتُ أكثر ولا تتألّم؟". وهذا لا يُمكنُ تحصيله بعزلِ الطفلِ عن الشّعائرِ بحجّةِ عدمِ استيعابه، وحتمًا سيكونُ هناك اختلافٌ جوهريّ في الاندماجِ مع عاشوراء بين الشّخص الذي يتربّى على المُشاهدةِ والمُشاركةِ في الشّعائر والمآتِم بحيثُ يشعُرُ أنّها جُزء لا يتجزّأ منه أو العكس، وبين الشّخص الذي يبدأ بالتعرُّف علىٰ الشّعائر بعد أن يصل إلى مرحلة المُراهَقة أو الشّباب. ليس على مُستوى المجالس والمآتم فحسب، بل ذلك الطّفل الّذي أمسك بقناني الماء أو العَصير وشارك بتوزيعها على حُبّ الإمام الحُسين (عليه السّلام) سيُدركُ معنى الجودِ والبَذلِ، وتلك الطِّفلة التي ارتدت الحِجاب فقط للاقتداء برُقيّة بنت الحُسين واحترامًا للمجلسِ ستعرفُ فَلسفةَ الحجاب جيّدًا. وهذا يُمكِنُ تطبيقُه في المنزل أيضًا، بل له بالِغُ الأثرِ أنْ تجتمعَ الأُسرة حول صوتِ الخطيب في شاشةِ التّلفاز، أو تُقيم مأتمًا فيخطر في ذهن الطّفل أنَّ عاشوراءَ قد دخلتْ منزلَه أيضًا، وأنّها ليست حدثًا خارجيًّا يقتصِرُ على المواكِب فقط. تذكّرْ وتذكّري أنّ الذي ينوي إعداد طفلهِ ليكونَ مشروعًا مهدويًّا لابُدّ له أنْ يُركّزَ على حجرِ المشروع الأساس الذي هو من الحُسَين (عليه السّلام) وفي لوحةِ عاشورائه التي صبغها بدمائه الشريفة فلم يغفَلْ عن لونٍ من ألوانِ الحَياة إلا وضمّنه تلك اللوحةَ فحقًا ويقينًا أنّ "كُلَّ ما لدَينا هو من عاشوراء".
اخرىبقلم: مَنار المَهديّ - في دولةٍ عربيّةٍ يُسأل النّاسُ "ماذا تعرفونَ عن عاشُوراء؟" فيكونُ جوابُهُم عن السّؤال: الصّمتَ المُطبَقَ! -في مصر العربيّة يُنهي "الشّيف" صُنع أطباق الحَلَويّات ثم يختِم بـ "احتفِلوا على طريقتكُم وكُل عام وأنتُم بخير.. بمُناسبة عاشوراء"! -مُتّصلٌ جزائِريٌّ ينفجِرُ بالبُكاء على إحدى الفَضائيّات: " كُلُّ عمرِنا نسمعُ أنّ الحَسَنَين ماتا وهُما صبيّان في حياةِ الرّسولِ (صلّى الله عليه وآلهِ وسلّم)" -مغارِبةٌ يصبَغون وجوهَهُم بالألوان ويُقيمون الاحتفالات والمَهرجانات احتفاءً بالعاشِر من مُحرّم! -أحدُ المشايخِ يدخُلُ في بُكاءٍ مَرير على الحدَثِ المُغَيّبِ في التّأريخ: " لم أقرأ حرفًا واحدًا حول واقِعةِ الطَّفِ طوال فَترة دِراسَتي في الأزهَر الشّريف"! -والأفضعُ أنْ تجِدَ عراقيًّا من أرضِ الشّعائر والمراسم يجهلُ الحُسينَ وعاشوراءه! فمَن المسؤول عن كُلِّ ما سَبَق؟ أهُوَ الجهل؟ أم التغييب القسري لذكرى عاشوراء ومَصائِب أهل البيت (عليهم السّلام)؟ وإنْ كان كذٰلك، فمَن الذي يُمارِسُ كُلَّ ذلٰك التعتيمِ والتغييبِ ولِحِساب مَن؟! هَل لايزالُ "مُعاوية يحكُمُ وهو في قَبره" كما قيل؟! واقعًا نحنُ بصفتنا شيعةً حُسينيّين نتحمّلُ جزءًا من المسؤوليّة؛ لأنّ التيارَ والخطّ الماديّ والباطِل مُلازِمٌ للتيار الواعي والمُحِقّ حيثُما حلّ، وكما يُروَّجُ لمنهجِ يزيد وفساده، فالأولىٰ أنْ يُروّجَ كُلٌّ منّا لمنهجِ الحُسين (عليه السّلام) وقضيّته ترويجًا صحيحًا يصِلُ إلى هاتيك الفئات المُضَللة والمخدوعة.
اخرى