بقلم: يا مهدي أدركني مواقف عديدة حدثت بين الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) وبين أهله وأصحابه (عليهم السلام)... ما هي إلّا رسائل منهم إلينا، فإن تمسكنا بها أضاءت قلوبنا وأنارت دروبنا... في الطريق إلى كربلاء وأثناء المسير، كان علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) على جواده بالقرب من أبيه الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) فسمعه يقول: (إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156)، فجرى الحوار التالي بينهما: قال علي الأكبر (عليه السلام): يا أبتاه، لِم استرجعت؟ قال الحسين (عليه السلام): عنّ لي فارس، وأنا في المنام، يقول: القوم يسيرن والمنايا تسير خلفهم. فعلمت أن نفوسنا نُعِيت إلينا. قال علي الأكبر(عليه السلام) : يا أبتاه، ألسنا مع الحقّ؟! قال الحسين (عليه السلام): بلى، والذي نفسي بيده. فقال عليّ الأكبر (عليه السلام) : والله لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا. فلو تأملنا في هذا الموقف قليلًا نجد عدة جوانب، ومنها: الأول: جانب عقائدي: ذلك الجانب الذي سلط (صلوات الله وسلامه عليه) الضوء بقوله: (إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، ففي هذه الآية بشارة لمن نزلت وحلت بهم المصيبة (ولا يستعمل لفظ المصيبة إلا في النازلة المكروهة)(1)، وقد اجتمعت البشارة مع المصيبة في قوله تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) (2)، وللوهلة الأولى قد يرد تساؤل هنا: كيف تجتمع البشارة مع المصيبة؟! الجواب: أن هناك درجاتٍ عظيمةً في الجنة لا ينالها المؤمن إلا بعد أن يُمحَّص بالبلاء تمحيصًا ويكون صابرًا على ما ينزل عليه من الله تعالى من دون جزع، فهو ليس مجرد تلفظ بالقول وإنما هو تسليم قلبي لله تعالى ورضا بقضائه وقدره، فإن البشارة هي للصابرين المسترجعين. وما هو معنى الاسترجاع؟ هو إقرار من العبد بأنه كائنٌ، منبعُ وجوده وتحققه في عالم الوجود هو من الله تعالى وإنه غير قادر على الاستمرار والبقاء في هذا العالم من دون الله (عز وجل)، فهو ليس له وجود مستقل من دون الذات المقدسة وأن مرده إليه (جل وعلا). إن من أول نِعَم الله تعالى على العبد هو إيجاده من العدم، فإن المُلك الحقيقي هو لله تعالى وما ملكنا لأنفسنا وأفعالنا إلا ملك اعتباري ظاهري، ولولا إذن الله تعالى عز وجل لما كان لهذا التصرف (تصرفنا نحن الموجودات) من تحقق في الخارج، وإن مرَّد الإنسان هو إلى الله تعالى فهو القادر على إيجاده وفنائه وهو المالك الحقيقي له، وإن كلًا من الجسد والروح ما هما إلا أمانة لدينا يجب الحفاظ عليهما وعدم تلويثهما بالذنوب. فإن علِم الإنسان حقيقته ونسب نفسه الى بارئه، علِمَ حينها أنه ليس هنالك مجالٌ للحزن على ما فقده، فإنه في الحقيقة لا يملك شيئاً (وأما إذا أذعن واعتقد أنه لا يملك شيئًا لم يتأثر ولم يحزن، وكيف يتأثر من يؤمن بأن الله له الملك وحده يتصرف في ملكه كيف يشاء؟) (3). فنحن من الله وإليه، وقد أشار الى هذا الجانب الإمام الحسين (عليه السلام) في دعائه المعروف في يوم عرفة (إليك مردّي، ابتدأتني بنعمتك قل أن شيئًا مذكورًا) (4). الثاني: القوة المستمدة من عمق الإيمان: وهو المتمثل بردّ علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) بأنه لا يبالي من الموت، فكيف لا يبالي والموت هو من أشد الأمور التي يكرهها الإنسان؟ إن علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) كان أشبه الناس خَلْقًا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانوا كلما اشتاقوا إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) نظروا إلى علي الأكبر (عليه السلام)، ولكن الشبه لا يقتصر على هذا الأمر فقط، وإنما تعدى الى الشبه في الأخلاق أيضًا، فإن أخلاق الرسول (صلى الله عليه وآله) تجسدت في علي الأكبر (عليه السلام) تلك الأخلاق التي أشار لها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله تعالى: (وإنَّكً لًعلى خُلُقٍ عَظِيْم) (5)، فهناك تشابه بين شخصية علي الأكبر وجده الرسول الأكرم (صلوات الله وسلامه عليهما) ذلك التشابه الذي استقاه علي الأكبر (عليه السلام) من أبيه الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) ومن قبله من جده (صلى الله عليه وآله)، فكان في شجاعته كالليث لا يهاب شيئاً، فمن أين أتت هذه القوة؟ إن الإنسان كلما دخل في دائرة الإيمان وتوغل حب الله في قلبه وبات قريبًا منه مستشعرًا وجوده في كل حركاته وسكناته، ازداد قوةً وبأسًا، فهنالك علاقة طردية بين الإيمان والقوة. هذا فضلًا عن كون الإنسان إذا كان على حق فإنه يزداد قوة، والعكس صحيح، لذا نجد في ذلك رسالةً إلينا وهي (أن الإنسان إن كان على حق، فيجب أن لا يخاف شيئاً) وهذا يعني أنه يجب أن نكون دومًا مع الحق مهما كانت الظروف التي يمر بها الفرد صعبة وعسيرة، وفي أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أسوة لنا، فقد كان هو المثال الواقعي للحق، حتى قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليٌ مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار)، فمتى ما كان الإنسان مع الحق فهو لن يضعف أبدًا، فيكون الحق النابع من الإيمان مصدرًا للقوة لا ينفذ أبدًا. وهذا هو سبب عدم خوف الأكبر (عليه السلام) من الموت. _________________________ (1) الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي, ج1, ص350. (2) سورة البقرة: آية {156}. (3) الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي، ج1، ص351. (4) المنتخب الحسني للأدعية والزيارات، دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة, ص910. (5) سورة القلم: آية {4}.
المناسبات الدينيةبقلم: يا مهدي أدركني في شهر محرم نجد في سمائه نجومًا لامعة، تنتشر لتضيء تلك القلوب التي تنبض حبًا وشوقًا للحسين (عليه السلام). مما لا شك فيه بل ومما أكدت الروايات الشريفة عليه هو: أن اجتماع المؤمنين لذكر مصاب سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) والبكاء عليه له من الثواب العظيم، إذ لتلك الكلمات والدموع كل الأثر في جلي القلوب من الصدأ الذي تراكم عليها لما ارتكب صاحبها من الذنوب، فعن الإمام الرضا (عليه السلام): "فعلى مثل الحسين (عليه السلام) فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحط ُّالذنوب العظام" (1)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "كلّ عين يَوم القيامة باكية، وكلّ عين يوم القيامة ساهرة، إلاّ عينُ من اختصّه الله بكرامته، وبكىَ على ما يُنتهك من الحسين (عليه السلام) وآل محمد (عليهم السلام) (2) وهنا وقفة: هل أن البكاء على الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) رغم ما لَهُ من الثواب العظيم كافٍ يوم القيامة لنيل الدرجات الرفيعة والمنازل العظيمة؟! الجواب: أن أحد غايات التجمع وعقد المجالس وإحياء ذكر أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) هو البكاء عليهم، ولكن هناك أمورًا أُخرى هي لا تقل أهمية عن البكاء، فكما جاء عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) أنه قال للفضيل بن يسار: يا فضيل «أتجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام الصادق : «إن تلك المجالس أحبها. فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا» (3). وقد فسر لنا أهل البيت (صلوات الله عليهم) معنى إحياء الأمر، يقول الهروي: سمعت الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا يقول: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا، قلت: يا بن رسول الله وكيف يحيا أمركم؟ قال: أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا» (4). فإذا حلّقنا في سماء الطف، وجدنا من المواعظ والرسائل العقائدية والفقهية والأخلاقية التي كانت كالنجوم، ومنها ما سيأتي إن شاء الله _____________________ (1) أمالي الصدوق: 190 المجلس (27)، ح199 (2) مستدرك سفينة البحار للشيخ الشاهرودي، ج1، ص402 (3) بحار الأنوار، ج23، ص282، ح14 (4) بحار الأنوار، ج2، ص30، ح13
المناسبات الدينيةبقلم: ابنة الأمير الرؤيا وأنت فاتح العينين وقلبك يخفق وروحك جزعة متلهفة، ترى العالم من نافذة السماء ويتراءى لك أنت في العالم الفوقي، تتلذذ بأصوات المستغيثين، يذهب عنك الخوف تمامًا وأنت تتنقل بين قباب صغيرة تحيط بتلك القبة العملاقة... وعيناك تحتضن كل شيء، وأُذناك ينساب إليها صدى هتافِ اسمِه، وهو يمر حول القباب باتجاه السماء... أي قوة يملكون وأي حب كبير يسكن حنايا القلوب... كلمات... كلمات ما أطيبها وهي تتسلق وتطير وتبحث عن منفذ الصعود إلى سماء الملك، وأنت على حافات الممرات تتنقل كفراشة تبحث عن ملاذٍ لها؛ كي تنفش ما تبقى من أجنحتها الملونة... هل شعرت بالحزن؟! - نعم... حزن خالٍ من الخوف، ودموعي كانت عنوان تعشقي مع الحدث... كنت لا أهاب الموت وأنا أميل يسارًا ويمينًا وأحيانًا إلى الأمام بلا تردد... حسبت إنني سقطت من أعلى الضريح باتجاه العاشقين... وأمسكني في اللحظة الأخيرة محب خلفي يبكي على بكائي. استفزني ذلك الطائر الذي يحوم حول القبة الذهبية دون أن يحرك جناحيه... جميع الأبصار انتبهت إليه، إنه لا يجزع من الدوران... إنه مثلي ومثل الجميع ينظر الخادم أن يخرج من قمة الفتحة بأعلى القبة... الطائر يحوم ويقترب والأصوات تتعالى بالتكبير والتهليل والدعاء... إنها ليلة من ليالي الجنة رسمت في بقعة من بقعها التي اخضرت بدماء السعداء من ألف وأربعمائة سنة ونيف... الطائر يقترب أكثر والأصوات تشتد، وفي لحظة الهياج العاطفي فتحت تلك الفتحة ليطل منها خادم يرفع كلتا يديه باتجاه السماء، سكن الجميع وعم الهدوء وساد صمت غريب بغربة المكان وتحولت الأجواء إلى لون دموي وتشابكت الإضاءة في حائر المكان فأصبح محرابًا مقدسًا لرجل مقدس أذن للصلاة... صلاة التشيّع، صلاة العروة الوثقى، صلاة توحد القلوب، العاشقة الوالهة بحب إمام نذر نفسه وأهله من أجل عطاء الوجود الذي منّ به الملك لعباده... فكان دمه عنوان النصر والبقاء، فبدأ بشخص، وانتهى بملايين يسعون زحفًا إليه... أجنحة الطائر أصبحت حمرًا، والخادم رافع يده وكأنه يسقيه ماءً، منظر يثير البصر، ارتفعت أصوات الآلات تعلن بدء المراسيم... فأنزل الخادم العلم الأحمر بتأنٍ، والآلات تعلن صوتها وتمتزج أصواتها مع أصوات الجمهور الشيعي الكثيف... الطائر يدور بسرعة والخادم ينزل العلم ببطء ويداه تسحب الحبل بقوة يتهيأ للرائي أن هناك قوة تسحب العلم للسماء وقوة الخادم تسحبه باتجاه القبة، والشاهد الوحيد الطائر فيما إذا كان هنا صراع بين السماء والخادم... تمكن أن يطوي العَلم وانهالت الأصوات مع الآلات تتعالى باتجاه الأفق وصدى صوتها يجعل الطائر يسرع في دورانه... وارتفع بأعجوبة عَلمُ الحزن والألم والوجع ليعلن بدء الحداد السنوي لصاحب القبة، وما أن رفرف علم الحزن والفجيعة حتى توارى الطائر عن الأنظار، واختفى الخادم تحت قبة الإمام... فكان أول أيام عاشوراء....
المناسبات الدينيةبقلم: علوية الحسيني تزامنًا مع يوم عرفة المبارك ثارت عدّة شبهات حول بعض الروايات الواردة في كتب الشيعة، الدالّة على فضل زائـر الحسين (عليه السلام) في ذلك اليوم، وأفضليته على زائـر بيت الله الحرام. وبعضهم أخذ يقارن بين زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وزيارة بيت الله الحرام، من حيث المثوبة والتفضيل، متغافلاً وجود روايات في كتبه تقول بفضيلة أعمالٍ عبادية تفوق فضيلة زيارة بيت الله الحرام! ولتوضيح تلك الروايات والإشكالات الواردة عليها، والجواب عنها، ينعقد الكلام ضمن المطالب التالية: ■المطلب الأول: رواياتٌ في فضل زائر الإمام الحسين (عليه السلام): نعلم جميعًا أنّ الروايات من حيث السند منها الصحيحة، والحسنة، والموثقة، والضعيفة، وعلى الرغم من ضعف سـند بعض الروايات محل كلامنا إلاّ أنّ بعضها صحيح السند، على أن التشدد السندي لا يؤخذ به في كل مجال؛ فهناك مجالات يتم التساهل سنديًا فيها كالأمور التاريخيّة، والمستحبات التي تجري فيها قاعدة التسامح في أدلّة السنن مثلًا. وعلى ذلك، فلابأس للمكلّف أن يأتي بها بنيّة رجاء المطلوبيّة، ويأمل أن يكون الشارع المقدّس مريدًا لها، فينال مثوبةً وأجرًا على عمله. ومن تلك الروايات الواردة في كتبنا المبينة لفضل زائر الإمام الحسين (عليه السلام): 1- روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في ثواب من زار الحسين (عليه السلام): "من أتاه في يوم عرفة عارفا بحقه، كتب له ألف حجة، وألف عمرة مقبولة، وألف غزوة مع نبي مرسل أو امام عادل" (1). فظاهر الرواية لم تحدد أي حجٍ تعادله تلك الزيارة، إلاّ أنّه ينصرف المعنى إلى الحج المستحب؛ لأنّنا نؤمن أنّ الحج مع توفر شرائطه يكون فرضًا واجبًا بالكتاب والسنة القطعية، وزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مستحبة على المشهور، فعند تعارض القول بأفضليتهما يقدّم الواجب على المستحب، لكن ظاهر مقصود الإمام (عليه السلام) أنّه يقصد الحج المستحب؛ إذ إنّ المعصوم لا ينافي كلامه دليلًا قطعيًا. 2- روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "إن الله عز وجل يـبدأ بالنظر إلى زوار قبر الـحسين بن علي (عليه السلام) عشية عرفـة، قال: قلت: قـبل نظره إلى أهل الموقف [أي عرفات]؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن في أولئك أولاد زنى وليس في هؤلاء أولاد الزنا" (2). فظاهر الرواية تشير إلى كيفية جعل الإمام الصادق (عليه السلام) أهل مكة أبعد من أهل كربلاء؛ بالإشارة لهم باسم الإشارة (أولئك) الذي يستعمل للبعيد، وأشار إلى زوار الإمام الحسين (عليه السلام) باسم الإشارة للقريب (هؤلاء). وحتمًا أنّ من أنكر فضيلة الأئمة (عليهم السلام) فهو غير طاهر المولد، أو منافق، قال العلامة القندوزي (3): "قال أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رفعه: من لم يعرف حق علي فهو أحد من الثلاث: إمّا أمُّهُ الزانية، أو حملته أمُّه من غير طهر أو منافق" (4). إذًا المبغض المنكر فضائل عليّ (عليه السلام) لابد أن يكون من أحد الأقسام الثلاثة، ولاسيما سائر الأئمة (عليهم السلام)، ويستكثر تمييز الله تعالى للإمام الحسين (عليه السلام) ولزائريه العارفين بحقه. 3- روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "من زار الحسين (عليه السلام) يوم عرفة عارفًا بحقه، كتب الله له ألف حجّــة مقبولة، وألف عـمرة مبرورة" (3). فنجد أنّ الرواية هنا قيّدت الزيارة بعرفان حق الإمام الحسين (عليه السلام)، ثم أعطته ثواب الحج والعمرة -المستحبين- بذلك العدد. ■المطلب الثاني: مناقشة الروايات: اثيرت بعض الأسئلة على تلك الروايات، نتيجة الوقوف على ظواهر الروايات، أو التغافل عن وجود مثيلها في كتبهم، أو لتفاقم الحقد الدفين على آل محمد (عليهم السلام) لما لهم من منازل رفيعة عند الله تعالى، ومن تلك الأسئلة: السؤال الأول: هل من عدل الله تعالى أن يفضّـل زائر أحبّ أوليائه (عليهم السلام) علــى زائر بيته الحرام الذي ترك المال والأهل والولد ليلّبي نداء التلبية ويؤدي أحد أركان الإسلام الواجبة عليه، بنظر الله تعالى وشموله بالرحمة للزائر الأول قبل الأخير؟! والجواب عليه: أولاً: نقضًا: وهل من عدالـة الله أن يجعل مجـرد صلاة الغداة جماعة والاشتغال بعدها بذكر الله تعالى حتـى طلوع الشمس وتعقيبها بـركعتين تعادل بأجـرها حـجّة وعمـرة –كما يقول الترمذي-؟! والألباني يؤيّـد كلام الترمذيّ في حديثٍ صحيح في (صحيح الجامع الصغير)! عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: "من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة، قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه {وآله} وسلم) تامة تامة تامة" (5). فإذا كان اللهُ تعالى عـادلًا كما يقول الترمذيّ والألبانيّ بـجعل صلاة ركعتين تعادل أجـر الحجّـة والعـمرة، فـهو سبحانه عـادلٌ كما قال أئمتنا (عليهم السلام) بجعل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تـعادل الحـجّة والعـمرة المستحبتان. ونسألهم: هل مَن يصلي مجرد ركعتين يُـقارن بالمثوبة بالذي ترك الأهل والمال والولد ليلبـي نداء الله بزيارة بيته الحرام؟!! فجوابكم جوابنا. ثانيًا: الجوابُ الحلـيّ أنّ السؤال المطروح يوافق مقاييسنا الماديّة نحن البشر، أمّا في المقاييس الالهيّة فلا دخل لذلك في عِظَم الثواب؛ وإلاّ فما بالنـا في نزول سورة الدهر لأجل تخليد صدقة بـكسرة خبز؟! السؤال الثاني: هل إنّ الحسين (عليه السلام) أعـظم منزلةً من الكعـبة حتى جعل الله تعالى مثوبـة زوّاره تفوق مـثوبة زائري بيته الحرام؟ والـجواب عليه: أولاً: نقضًا: إنّ المـسلم أعظم درجةً من الكـعبة، وهذا ما جاءت به كتب القوم أيضًا؛ كالحديث الذي ذكره البيهقي في شعب الإيمان قال: "أخبرنا أبو القاسم بن حبيب... عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق" (6). وروي بلفظ : لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل مسلم. قال السخاوي: لم أقف عليه بهذا اللفظ ولكن روي معناه عند الطبراني. وله روايات كثيرة يعضد بعضها بعضا فترتقي به إلى درجة الصحيح لغيره، ومن ذلك ما رواه النسائي من حديث بريدة مرفوعًا: قدر المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا. وابن ماجه من حديث البراء مرفوعًا: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق. فلماذا لا تستنكرون تفضيل مسلمٍ عاديّ لــم يذهب الله تعالى عنه الرجس على الــكعبة المشرّفة وتستنكرون تفضيـل ريحانة الرسول وقرّة عين البتول، المطهّر من الرجس، الذاهب عنه الدنس، الحسين بن عليّ (عليه السلام) ؟! ثانيًا: الـجوابُ الحـلّي هنالك روايات في كتبنا نهت عن إيذاء المؤمن مطلقًا، منها: "عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما أسري بالنبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا رب ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمد من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي"(7). و رواية اخرى "عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الصدود لأوليائي، فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم في دينهم ثم يؤمر بهم إلى جهنم"(8). فإذا كانت عظمة المؤمن العادي بهذه الدرجة، فكيف بعظمة وليّ الله الإمام الحسين (عليه السلام) بإعطائه فضيلة فوق زيارته للحج والعمرة المستحبان! والخلاصة: أنّ الروايات التي تفيد بيان أفضلية زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المستحبة على الحج الواجب ضعيفة سندًا لا يمكن الأخذ بها، كما أخذ بها أعداء المذهب مشنعين فرحين، وأمّا من لم يقل من علمائنا بضعفها فيؤولها إلى أفضلية الزيارة على الحج المستحب. ■المطلب الثالث: تشريف كربلاء على مكة المكرمة. من الممكن القول بشرافة كربلاء المقدسة على مكّة المكرمة من خلال عدّة وجوه، منها: *الوجه الأول: القرآن الكريم: 1- قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود} (9). 2- وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا} (10). ففي الآية الأولى أمر الله تعالى إسماعيل وإبراهيم (عليهما السلام) بـــتطهير بيته الحرام من الأوثان، وفي الآية الثانية الله تعالى بــنفسه طهّــر أهل البيت (عليهم السلام) من الرجس، ومن ضمنهم الإمام الحسين (عليه السلام). ومن ذلك تتبيّــن قداسة الإمام الحُسيـن (عليه السلام)، ودرجة تفضيله على مكّة المكرّمة التي هي بيته الحرام. *الوجه الثانـي: إنّ تراب قبـر الإمام الحسين (عليه السلام) نزل به جبرائيل من السماء، طبقًا لروايات وردت في كتب الفريقين، منها: 1- ما حدّث به عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة، أو أم سلمة قال: "أن النبي (ص[صلى الله عليه وآله]) قال: لأحدهما: لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول فإن شئت آتيك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال : فأخرج إلي تربة حمراء" (11). 2- وعن عائشة، أو أم سلمة: "أن رسول الله (ص [صلى الله عليه وآله]) قال لها: لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال: إن حسينًا مقتول، وإن شئت أريتك التربة .... الحديث" (12). إذًا من ينكر فضل تربة كربلاء عليه أن يكذِّب ما جاءت به عائشة أو أم سلمة. ولا أخالهم يجرؤون. فتربة كربلاء مصدرها سماوي، حيث هبط بها ملك –جبرائيل (عليه السلام)، بينما تربة مكة المكرمة مصدرها أرضي. 3- وروي في كتبنا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: "خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدمة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أوليائه في الجنة" (13). 4- عن محمد بن سنان عن أبي سعيد القماط قال: حدثني عبد الله بن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لرجل من مواليه: "يا فلان أتزور قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام)؟ - الى أن يقول - ويحك أما تعلم أنَّ الله اتخذ كربلاء حرماً آمنا مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرما..." (14). وهناك روايات يظهر منها أفضلية مكة على غيرها من البقاع، ففي (الفقيه) عن سنان عن سعيد بن عبد الله الأعرج عن ابي عبد الله (عليه السلام): قال: (أحب الأرض الى الله مكـــة وما تربة أحب الى الله من تربتها ولا حجر أحب الى الله من حجرها ولا جبل أحب الى الله من جبلها ولا ماء أحب الى الله من مائها). ويختلف العلماء بناءً للاختلاف في الروايتين في أيتهما الأفضل، فذهب البعض الى أفضلية مكــة، والبعض الآخر الى أفضلية كـــربلاء، ويذهب البعض الى أفضلية مكة على سائر البقاع عدا قبور النبي والائمة (عليهم السلام)" (15). يقول الشهيد الأول: "مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وروي في كربلاء على ساكنيها السلام مرجحات، والأقرب أن مواضع قبور الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) كذلك، أما البلدان التي هم فيها فمكة أفضل منها حتى من المدينة" (16). وعلى كلّ حال فإنّ قداسة أرض كربلاء وأفضليتها نتاج تشرفها بضم جسد خامس أصحاب الكساء، سيد الشهداء، الإمام الحسين (عليه السلام)، والأجساد الطاهرة من شهداء الطف، والمكان يقتبس قداسته وشرفه مما يحتويه، وبقدر ما له من صلة وعلاقة بالله تبارك وتعالى، وفي كربلاء قبر [ثار الله]، وقبلة قلوب المؤمنين، ومصباح الهدى، وسفينة النجاة، ووجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء، ومن لا تقبل الأعمال إلاّ بولايته، والانقياد لله تعالى بطاعته، والاقتداء به، والسير على هديه، به تقدّست كربلاء وشُرِّفت، فكان لـــها الحق في الفخر والشموخ على أرض مكة المكرمة. ________________ (1) ثواب الأعمال: للشيخ الصدوق، ص115، الأمالي: للشيخ الصدوق، ص143. وأورده الشيخ الطوسي في أماليه، ج1، ص204. (2)ثواب الأعمال: للشيخ الصدوق، ص90. معاني الأخبار: للشيخ الصدوق، ص391. البحار: للعلامة المجلسي، ج98، ص85. كامل الزيارات: لجعفر بن محمد بن قولويه، ص317. تهذيب الأحكام: للشيخ الطوسي ،ج6، ص50. من لا يحضره الفقيه: للشيخ الصدوق، ج2، ص580. وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج10، ص361. مستدرك الوسائل: للميرزا حسين النوري الطبرسي، ج10، ص282. (3) ينابيع المودة: للقندوزي، ص252. (4) رواه المولى محمد صالح الترمذي في المناقب المرتضوية، ص203. (5) سنن الترمذي: لأبو عيسى الترمذي، ص150، ح586. (6) أخرجه: النسائي، 7/82. وفي الكبرى له، 3448 من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. (7) وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج،8 ص588. (8) المصدر نفسه، ص587. (9) البقرة: 125. (10) الأحزاب: 33. (11) مسند أحمد بن حنبل: لأحمد بن حنبل،ج2، ص770، ح 1357. (12) سير أعلام النبلاء: للإمام الذهبي، ج3، ص290. (13) كامل الزيارات: لمحمّد بن قولويه القمي البغدادي، ص444. (14) المصدر نفسه، ص449. (15) مركز الأبحاث العقائدية. (16) الدروس ج1 ص470. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى السَّيِّدِ الزَّاهِدِ، وَالْإِمامِ الْعابِدِ، اَلرَّاكِعِ السَّاجِدِ، قَتيلِ الْكافِرِ الْجاحِدِ، صاحِبِ الْمِحْنَةِ وَالْبَلآءِ، اَلْمَدْفُونِ بِأَرْضِ كَرْبَلآءَ، مَوْلَى الثَّقَلَيْنِ، أَبي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْن.
المناسبات الدينيةبقلم: نرجس ابراهيم صافي كان ولا زال المنهج الذي يسيرُ عليه آلُ عليّ ومن شايعهم وتابعهم محط بغض والطامعين بسامق المرتبة وعظيم المنزلة تلك، وفي كل عصر يبرزُ أسمٌ لتلك الطُغم العاتية، فمن آل أمية إلى بني العباس إلى المغول والعثمانيين...، وهم برغم اختلاف المُسميات والوجوه إلا أنهم يحملون نفسَ الضغائن والإحَن، يتوارثوها خلفًا عن سَلف. ابتدأت حلقة الإقصاء بعدَ أن أُجبرَ الإمام على الجلوس في داره مدةَ خمس وعشرينَ سنة منذ السنة التي أُنكر فيها الغدير عَمليًا، وغُصبَ حقّهُ منه ومارَ الناس في طِخيةٍ دعجاء. فظهرت المشاحنات والخلافات، فمن الهجوم الإقصائي على آل عليّ إلى غصب كُرسي الخلافة ثم حروب الرّدة واستمرارًا بما تلاها من حروبٍ حتى يومنا هذا، كلها تمخضت عن سلبِ حقِ عليّ (عليه السلام)، بل وحتى الحروب التي خاضها (عليه السلام) إبّانَ حكومته الظاهرية لم تكن لتحدث لو استقامت الأمة على ذلك المنهج الذي خُطّ لهم، ولكنها فُرضت عليه من قِبل أولئك الذين مكّنهم الأسبقون ممن لم تَرقْ لهم تلك الولاية، وذاك كله بسبب تجاهل الغدير ومحاولة تهميشه، وهذا ما يذكره (عليه السلام) في قوله: (ولو أنّ الأمّة منذ قَبض اللهُ نبيّه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغدًا إلى يوم القيامة) [سليم بن قيس، ح٢٥] كانت تلك الأحقاد أيام حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) خفيّة، أبرز ما ظهر منها بعدَ حين وأول بذور الإقصاء هي الصحيفة السوداء التي وقّعها خمسة من المنافقين _ممن ادعوا صحبة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) -في ظلّ الكعبة- وقيلَ في بيت أبي بكر تعاهدوا فيها: «إن ماتَ محمد أو قُتل أن يتظاهروا على عليّ (عليه السلام) فيزووا عنه هذا الأمر» (١) وكان ذاك بعدَ أن شهدوا محمدًا النبي (صلى الله عليه وآله) يوصي بالخلافة بعده لصهره وابن عمه في الحادثة المشهورة بـ"الغدير" أثناء عودتهم من حجة الوداع، وإذا بأمين وحي الله يهرعُ إليه (صلى الله عليه وآله) ينقلُ له عن الله أن: (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إليْكَ مِن رَبّكَ وَإِنْ لَمْ تَفعَلْ فَمَا بَلّغتَ رِسَالَتَهُ) (٢). محذرًا إياه من ضياع أجر الرسالة. فصعدَ النبيّ على الأقتاب وشنّفَ أسماع قومهِ وأصدعهم بما أُمِرَ به، ثمّ أمرَ (صلى الله عليه وآله) أبا بكرٍ وعمرٍ وهما سابعا سبعة أن يُسلموا على عليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين. وما يذكرهُ أبو ذر بعدَ تلك الحادثة مما يشي بنفاق تلك الثلّة وادلهمام قلوبهم حيث قال: «فلمّا سلمنا عليه أقبلا... على أصحابهما معاذ وسالم وأبي عبيدة فقالا لهم: ما بالُ هذا الرجل ما زالَ يرفعُ خسيسةَ بن عمّه! وقال أحدهما: إنه ليُحسنُ أمرَ بن عمه! وقال الجميع: ما لنا عنده خير ما بقى عليٌّ!» (٣). وهيهاتَ أن ينتهي العجب ممن يدعي أنه (صلى الله عليه وآله) ترك أمته سوامًا بلا راعٍ وهو الذي حينَ بعثَ إلى مؤتة أمّر عليهم جعفر بن أبي طالب ثم قال: «عليكم بجعفر فإن هلكَ فزيد بن حارثة فإن هلك فعبدُ الله بن رواحة..» (٤). ولم يرضَ لهم أن يختاروا لأنفسهم في وجيز مدة، أ فهل يتركهم في طول مدة عمياء وشبهة؟! بلى والله لقد خطها لها، وأوضح سبل الحق وأنار طريقه لهم، ولكنهم ركبوا ما ركبوا بعدَ البيّنة وضلوا وضلّ من تابعهم وآزرهم. «وأنّى بكم وقد عُمِّيت عليكم؛ أفنلزِمُكموها وأنتم لها كارهون» (٥). فيالله وللتأريخ، أيظلم قطب دائرة الإمكان بقيام الحجة وحضور الشهود، وتُنكأ كلام شيعتهِ بدلَ أن تُبلسم في هذهِ الذّكرى في كل عام منذ أكثرَ من عشرة قرون. ولحُزن الحظ أنه ليومنا هذا ما أن يُذكر الغدير حتى يُتهم القائل بنبش التأريخ وإشعال فتيل الطائفيّة ويُنعت بمختلف الشتائم، عجبًا وهل غَمزُ حق الخلافة من عليّ (عليه السلام) ذلك اليوم بحضور ستين ألف شاهد لا يعدُ طائفيّة؟ وهل الإمامة التي قرنها الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير بأنها عِدل القرآن وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليهِ الحوض أصبحت من أنقاض التأريخ ولا علاقة لها بأصل من أصول الدين! ولكنها للأسف كراية النُبل والعدل الذي عندَ آل عليّ دون ما سواهم ممن امتلأت صفحات التأريخ من نتانتهم فباتوا وهم يجوسون الأخبار خوفَ الفضيحة وأصبحوا وهم يرحضون عارهم وشنارهم وهيهات والله أن يرحضوها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) سُليم بن قيس الهلاليّ، ح ١٩. (٢) سورة المائدة، الآية: ٦٧. (٣) سُليم بن قيس الهلاليّ، ح ٢٠ (٤) الطبرسي، الاحتجاج، ج٢، ح١ (٥) الصدوق، معاني الأخبار: ص٣٣٦ـ ٣٣٨.
المناسبات الدينيةبقلم: علوية الحسيني شراءُ ملابسِ العيد قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم و(َتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) (1). إنّ شراء ملابس العيد بات أمرًا عرفيًّا، والإسلام يدعو إلى التجمّل، إلاّ أنّ بعض النساء أصبحنَ ما بين إفراطٍ وتفريط في شراء تلك الملابس. فيا اختاه: إن رُمتِ الشراء فلابد من مراعاة ضوابط لها أسس قرآنية، وأخرى روائية. فالإسراف في كل شيء مذموم، فإن أسرفتِ في شراء ملابس بأغلى الأثمان، وعملتِ على تجديد الشراء كلما صادفتكِ مناسبة لهو الإسراف بعينه. نعم، وأمّا بنعمة ربّك فحدِّث، لكن لا على شكلٍ يؤثر على اقتصاد منزلكِ، فالزوج وإن كان من واجبه الإنفاق عليكِ إلاّ أنّ للنفقةِ حدودًا، وكذا الأب، بل وكذا نفسكِ إن كنتِ ممن تكفلّت بالنفقة عليها، قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين}(2). وهناك أمور لابد من مراعاتها عند شرائكِ لملابس العيد، منها: 1/الأنسب أن تداومي على ذكر الله تعالى، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "إذا دخلت سوقك فقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، اللهم إني أعوذ بك من أن أظلم أو اُظلم، أو أبغي أو يبغى علي، أو أعتدي أو يعتدى عليّ، اللهم إني أعوذ بك من شر إبليس وجنوده، وشر فسقة العرب والعجم، وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم" (3). 2/إذا كنتِ تريدين ارتداء الثوب الذي سوف تشترينه للظهور به أمام الأجانب، "فالمعتبر في حجاب المرأة ستر ما يجب ستره عن الرجال الأجانب بحيث لا يبرز مفاتن جسدكِ لهم، والعباءة خير ثوبٍ ساترٍ لكِ، فإذا كان غير العباءة يفي بهذا الغرض فلا بأس به، لكن مع ذلك فسماحة السيّد المرجع يحبذ للمرأة المسلمة أن تختار العباءة كلباسٍ دائمٍ، فمن بابٍ أولى ترجيح التحبيذ أيام العيد" (4). 3/أن لا يكون ذهابكِ للسوق بمفردك، ويتحتم عليكِ عدم خلق المشاكل فيما لو نُهيتِ عن الذهاب في الوقت الذي تم تحديده من قبلكِ، فعاقبة تأجيلكِ الموعد لحين تفرّغ من تذهبين معه من المحارم أقل تأثيرًا عليكِ فيما لو غامرتِ ودخلت السوق بمفردك. فإن غامرتِ فالله الله في الحشمة القولية والفعلية، فلا خضوع في القول، ولا تميّع في الفعل. 4/خروجكِ للسوق لابد أن يكون بلباس الحشمة والوقار، بعيدًا عن التزيّن مهما استساغه العرف، وبعيدًا عن التعطر المقصود، والبنطال الذي يُقصد منه إظهاره تزينًا، والكعب العالي. 5/احذري بل وتجنبي قدر المستطاع التعامل مع البائعين من الرجال؛ إذ قد يجر الكلام به إلى أن يشخص ما يليق بكِ كقياسٍ من الملابس، وهذا هتكٌ لحرمتكِ أيّتها المبجلة، ولهذا الأفضل لكِ اصطحاب أحد المحارم معكِ ليتولى عملية الشراء؛ فالإسلام يوجب على الجميع معاملة المرأة معاملة الأميرة القارورة الريحانة، فاكتنزي دوركِ. 7/إذا كان الثوب الذي تودين شراءه مخالفًا لذوق زوجكِ، ويترتب عليه نفوره منكِ فيما لو ارتديتِه، فالشرع يأمركِ بطاعة الزوج، والأنسب أن يكون الاتفاق بينكما هو سيّد كلّ موقف. 8/إذا كنتِ تريدين شراء ثوبٍ تظهرين به أمام أخواتكِ المؤمنات وصاحباتكِ فالأنسب أن تراعي الحداثة والمظهر واللائقية، بشرط أن لا يخرج عن حدِّ الحشمة والوقار، ويكون بعيدًا عن الشهرة، أو التشبه بالرجال أو بالكفار. 9/إذا صادفتكِ حالات تتطلب منكِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبادري بنصح اختكِ في الله، واعطيها العذر في عدم انتباهها على حجابها الذي يحتاج إلى تستر؛ واحمليها على سبعين محملٍ، إذ لعلّ شدّة الزحام، أو تمسكها بأطفالها، أو عدم مبالاتها غير المقصودة أدت بها إلى أن تصل إلى حالةٍ تستوجب نصحٍ من اختٍ لها أمثالكِ. وكثيرةٌ هذه الحالات لاسيما مع قرب أيّام العيد. 10/إذا اشتريتِ ما ناسبكِ ذوقًا، فيستحب أن تكبِّري الله تعالى ثلاث مرات؛ روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبر ثم قل: اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك، فصل على محمد وآل محمد، واجعل لي فيه فضلا اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من رزقك، فاجعل لى فيه رزقا، ثم أعد كل واحدة ثلاث مرات" (5). ________________ (1) فاطر: 12. (2) الأنعام: 141. (3) وسائل الشيعة: للشيخ الحر العاملي، ج17، ب18 باب استحباب الدعاء بالمأثور عند دخول السوق، ح2. (4) الحكم وفق فتوى سماحة السيّد السيستاني دام ظله. (5) وسائل الشيعة: للشيخ الحر العاملي، ج17، ب20 استحباب التكبير ثلاثا عند الشراء، ح1. ألبسنا الله تعالى وإيّاكنّ في جنته من الاستبرق والحرير، والياقوت والمرجان، إنّه هو السميع المنّان.
المناسبات الدينيةبقلم: علوية الحسيني سحورٌ عقائدي قال تعالى: {قُلِ ادعُوا اللَّـهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمـنَ أَيًّا ما تَدعوا فَلَهُ الأَسماءُ الحُسنى} (1). إنّ التدبر في كلمات الأدعية عمومًا، وأدعية السحر في شهر رمضان الكريم خصوصًا، لها آثار نورية على حياة البشرية؛ حيث التأملات العقائدية، والإشراقات الوجدانية، التي تزيد العبد خشوعًا وعبودية. فكما أنّ كلام الثقل الأكبر، القرآن الكريم يحتاج إلى تدبّر، كذلك كلام الثقل الأصغر، أهل البيت (عليهم السلام)، والتدبر امتدحه الله تعالى، بل وحث عليه، مع اختلاف المفردات، حتى جعلته بعض الروايات عبادة. وبما أنّ المرأة مخلوق أودع الله تعالى فيها عقلاً قابلاً للتفكر، فمن الكمال أن تتفكر في كلام الثقلين ولو إجمالاً. وأدعية وقت السحر ذات مضامين عالية، متنوعة العلوم، فما بين عقيدة وفقه وأخلاق، إلاّ أنّ الأخلاق والفقه ساقا هرم رأسه العقيدة. وبالتالي لابد من اتقان رأس الهرم أولاً ثم ساقاه، فحريٌ بالمرأة اتقان عقيدتها اغترافًا من تلك الأدعية المباركة. ومن المؤسف نجد أنّ بعض النسوة في شهر رمضان المبارك تفرّق بين العقيدة والفقه والأخلاق، فتفرط بالاهتمام في جانب وتهمل الجانب الآخر! والحال أنّ هذا الشهر الفضيل محل فيضٍ، وحسنات الأعمال فيه مضاعفة، فيكون من الأنسب استغلال ذلك الزمن لاكتساب كلّ كمال، والعلم كمال. فبعض النسوة تقبل على التأكد من الأحكام الشرعية المبتلاة، وبعضهن ينادين بالتخلية قبل التزكية، أي يخلينَ أنفسهنَّ من قبائح الأفعال والأقوَال ويتحلينَ بمحاسن الأفعال والأقوال. وهذا الأمر وإن كان محمودًا، بـل وواجبًا؛ امتثالاً لما أمرنا به الله تعالى ورسوله وأولياؤه (عليهم السلام). لكن لا على حساب إهمال جانب العقيدة، وعدم التأمل في الأدعية التي تشير إلى اصول الدّين، فالدعاء لا يكون لقلقة لسان فقط، بل لابد من التأمل بقدر المستطاع. العقيدة _كما لايخفى_ لها ارتباط وثيق بالفقه، فلولا معرفة الله تعالى وتوحيده، والإقرار بعدله، والإيمان بأنّه من عدله بعث لنا أنبياءً، وجعل الأئمة امتدادًا لهم، ثم يجزي كلاً منّا على مدى التزامه أو عدم التزامه بالأوامر والنواهي، وهو ما يسمى بالمعاد، لما عرفنا لمن نصلي ونصوم ونحج مثلاً، فلو لم نعرف بدرجة سابقة الرب الذي له نؤدي تلك العبادات فلماذا نمتثل للتكاليف؟ وكذلك للعقيدة ارتباط وثيق بالأخلاق، أليست بعض الأحاديث تقول: "تخلّقوا بأخلاق الله تعالى"؟ فكيف هي أخلاق الله تعالى حتى نتصف بها؟ هنا لابد من الرجوع للعقيدة لمعرفة صفاته سبحانه. وبالتالي لو تدبرت المرأة في تلك الأدعية لكانت قد تغذت بسحور عقائدي. اختاه: كما أنّ اهتمامكِ يبلغ مداه بغذاء الجسد، وتعددين أصنافه، فللروح غذاؤه، فهلاّ اطلعتِ عليه، وتغذيتِ من أنفع أصنافه؟ أم ستعيشين الجوع والعطش الروحي؟ فكما أنّ الإنسان إذا لم يراقب غذاءه ولم يعتنِ بنظافته، فإنه سيتعرض للآفات من الفساد والتعفن، وتكون النتيجة أن يصاب بشتى أنواع الأمراض التي تؤدي إلى هلاكه، فغذاء الأبدان هو الطعام اللائق لها ولا بد من رعاية أصوله، فكذا روح الإنسان، فإنها بالإضافة إلى خفائها عند الكثيرين تتطلب غذاءً مميزًا وكبيرًا للغاية، بل أن استعمال وصف (الكبير) هنا ليس دقيقًا، لأنّ الروح لا تقاس بالجهات المادية ؛ لعظم سعتها ومرتبتها الوجودية، ولكن هذه السعة هي في عين الفقر والاحتياج، فجوعها أشد، وطلبها أعظم. يقول السيّد الخميني (قدس سرّه): "والغذاء المناسب لنشأة الأرواح هو المعارف الإلهية، اعتبارًا من معرفة مبدأ المبادئ للوجود إلى منتهى النهاية للنظام الوجودي، وكذلك فإن تغذي القلوب يستمد من الفضائل والمناسك الإلهية". إذًا يا اختاه، فهذه الروح لها مراتب عديدة كالعقل والقلب، وعليكِ إعطاء كل مرتبة غذاءها. فللعقل العلم، وللقلب العبادة والفضائل. ثم يضيف السيّد (قدّس سرّه) إلى هذا: الحفاظ على هذين الغذاءين من تصرف إبليس اللعين. فماذا تكون النتيجة؟ "وليعلم أنّ كلا من هذه الأغذية إذا خلص من تصرف الشيطان، وأعد على يد الولاية للرسول الخاتم وولي الله الأعظم صلوات الله عليهما و آلهما، يتغذى الروح منه والقلب، فينالا الكمال اللائق بالإنسانية، ويعرجان إلى الله". وكذلك يقول العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) موضحًا غذاء العقل: "العلم النافع هو العلم الذي يوجِد في الإنسان نور المعرفة والإيمان بالله ومعرفة أسماءه وصفاته"، وهذا هو محور العقيدة. فالغذاء العقلي هو المعارف الإلهية المصحوبة بالعبادات الشرعية، المتحلية بالأخلاق السامية. وبإمكانكِ اختاه الاستفادة من هذه الطرق لتعينكِ على التأمل في الأدعية الشريفة: 1- الاستعانة بكتب شرح الأدعية. 2- الانصات لشرح فقرات الأدعية التي تبث على التلفاز والاذاعة. 3- تدوين الفقرة الغامضة والسؤال بجنبها وارسالها إلى أهل الاختصاص ليوافوكِ بالجواب المناسب. 4- العمل على عقد ندوات فكرية تتطرق إلى شرح مضامين الأدعية. 5- الدعاء بتعجيل الفرج، وأن تكوني ممن تعيش في دولته، ليكون الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هو المبيّن لمفردات الأدعية الواردة على لسان أجداده (عليهم السلام). ______________ (1) الإسراء: 110. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ بَلِّغْ بِإِيمَانِي أَكْمَلَ الْإِيمَان، وَ اجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِين، وَ انْتَهِ بِنِيَّتِي إِلَى أَحْسَنِ النِّيَّات، وَ بِعَمَلِي إِلَى أَحْسَنِ الْأَعْمَال.
المناسبات الدينيةبقلم: عبير المنظور مفردات منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في حوار الآخر لا زالت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) ونهجها المتفرد هي الاولى في الرد على المسائل الكلامية التي أثارت جدلًا واسعًا بين الأوساط الإسلامية ووضع الحدود الفاصلة لتلك المسائل، وكذلك هي الأولى في التصدي للتيارات الفكرية المنحرفة من خوارج وأيضًا زنادقة وملحدين أو ما يسمون بالدهريين. ولأن عصر الإمام الصادق (عليه السلام) -كما ذكرنا في المقدمة التاريخية في الجزء الأول من هذه السلسلة- كان زاخرًا بالمتغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية بسبب تكالب الحزبين الأموي والعباسي على الخلافة وسيطرة العباسيين على الحكم ومحاولتهم إشغال العوام عن ذلك الصراع الدموي وتثبيت دعائم حكمه، باستغلال بعض المسائل الكلامية التي اختلف فيها المعتزلة والأشاعرة، كمسألة الجبر والتفويض وخلق القرآن التي أخذت مساحة كبيرة في الساحة الإسلامية وسيّستها لصالحها، وإن كانت مسألة خلق القرآن في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) لا تعدو كونها اختلافًا كلاميًا بين المدارس الكلامية، لكنها خلقت أزمة حقيقية في عهد المأمون العباسي القائل بخلق القرآن على رأي المعتزلة وفرض ذلك الرأي بقوة السلطان على الأمة. إضافة إلى الفتوحات الإسلامية التي ساهمت بشكل كبير في تداخل وامتزاج أفكار غير صحيحة مع الأفكار الإسلامية الصحيحة، مما شوه تلك الأفكار وأعطاها خطًا آخر مختلفًا عن الأصل الإسلامي، خاصة مع اهتمام العباسيين بحركة النشر والترجمة التي أدخلت الثقافات الدخيلة إلى المجتمع الإسلامي دون تحصين المجتمع الإسلامي وزرع الوعي فيه في ظل الفقر والعوز الذي عانت منه الأُمة، بسبب الحروب والتكالب على السلطة، إضافة إلى تدنّي مستوى الوعي لدى العوام من الرعية، مما يسهل انجرارهم نحو الاتجاهات الفكرية المنحرفة وترديد إشكالاتهم دون علم ومعرفة _وما أكثرهم حتى في وقتنا الراهن _. كما كان على مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) أن تواجه جميع هذه الاتجاهات وعلى أكثر من جبهة في نفس الوقت، مع الأخذ بنظر الاعتبار تحصين المجتمع من خطر تلك التيارات الفكرية الضالة، ورفع مستوى وعي العوام والخواص، وطبعًا كل حسب علمه وامكانياته واستعداده، وإنها لعمري من أصعب المهام وأكثرها تعقيدًا في ظل هذا الظرف الصعب. وحتى تكون مفردات نهج الإمام الصادق (عليه السلام) قادرة على مواجهة تلك التيارات والرد على شبهاتهم وتوضيحها على مستوى عال من تحجيم الفكر المخالف واتساع رقعة الفكر الصحيح وتمييزه عن السقيم، كان على الإمام أن يتخذ أكثر من أسلوب حسب الاختلافات المذكورة سابقًا، بأن تكون على مستوى واحد من الارتقاء أفقيًا وعموديًا بالمجتمع بخلق حالة من التوازن النسبي في مواجهة الفكر المنحرف وتقويمه وتصحيح السقيم منه وتقوية جانب الفكر السليم وتحصين أفراد المجتمع في الوقت ذاته. وبلحاظ ما تقدم فقد تعددت مفردات ذلك المنهج لضمان تأثيره في المجتمع من وقاية وعلاج، ومن هذه المفردات والخطوط الأساسية العريضة في التصدي والمواجهة: ١- احترام الجوانب الايجابية في فكر الآخر: إن رددنا على فكر معين في بعض المسائل الخلافية، فهذا لا يعني أننا نرفض ذلك الفكر جملة وتفصيلًا، مهما كانت هوية ذلك الفكر إسلامية أم غير إسلامية، عربية أم غربية، فمثلًا هناك العديد من ردود الإمام الصادق (عليه السلام) حول بعض المسائل الكلامية للمعتزلة، فهذا لا يعني أنه يرفض فكرهم جملة وتفصيلًا، وإنما هناك مشتركات كثيرة بين فكرهم وفكر أهل البيت (عليهم السلام)، وكذلك الحال في الفكر غير العربي كالفلسفة اليونانية أو الإغريقية مثلًا، وإن كان هناك اختلافات كثيرة إلّا أن هناك مشتركات أيضًا، وفي حال الرد على مسالة خاطئة، فهذا لا يعني نسف الفكر كله بسبب رفضنا فكرة واحدة مثلًا وهكذا. احترام الجوانب الايجابية لفكر الآخر هي النظرة الايجابية والانفتاحية للفكر الإسلامي بشكل عام. فالفكر الإسلامي منفتح على جميع الثقافات والايديولوجيات، ويحترمها طالما أنها ضمن حدود احترامها للمجتمع الإسلامي وخصوصيته فكرًا وسلوكًا، وهذا الأمر لا يعني أن الفكر الإسلامي منغلق على نفسه، بل بالعكس هو فكر منفتح في ظل ثقافة التعايش والحوار مع الآخر، ولكن -كما أسلفنا في الجزء الأول- ضمن أطر محددة حسب كل زمان ومكان للحفاظ على سلامة المجتمع الإسلامي من حيث الفكر والسلوك. ومن هذه الخاصية من مفردات منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في الرد على الشبهات والفكر المخالف نتعلم -ونحن في عصر التقدم العلمي والمعلوماتية والذي كثرت فيه مع الأسف التيارات الفكرية المتأسلمة المنحرفة عن الإسلام الصحيح، إضافة إلى انتشار التيار العلماني والإلحادي بشكل كبير، بالإضافة إلى تقليد مجتمعاتنا الإسلامية للمجتمعات الغربية البعيدة كل البعد عن قيمنا ومبادئنا وثوابتنا الإسلامية- أنه علينا في بادئ الأمر أن نوضح أننا لسنا ضدهم وضد فكرهم عامة، وإنما نرفض ما يسيء إلى ثوابتنا وهويتنا الإسلامية وكل ما يؤثر على سلامة أفراد مجتمعنا، وهو من باب معالجة الخطأ المتفشي في المجتمع ووقاية أفراده من الانجرار خلف الشعارات البراقة لتلك التيارات المنحرفة، أما إذا كانت بعض الأفكار صحيحة وتعتمد على الأسس المنطقية والإنسانية والفطرية، فنحن نرحب بها في مجتمعاتنا كثيرًا ونشجع عليها، مثلًا: ليس كل ما يأتي من الفكر الغربي هو ضد ثوابتنا الإسلامية، فالمسالة ليست عدوانية بقدر ما هي مخالفة الفكر السقيم ومعالجته لتحصين المجتمع بالفكر السليم. ٢- اهمية التخصص في مواجهة فكر الآخر: وهو المنهج العلمي الصحيح المتبع حتى وقتنا الحاضر، فلكل علم متخصصون به وهم أولى الناس بالمحاجّة ودحض الشبهات في تخصصهم، فلا يصح مثلًا أن يتصدى الطبيب للمسائل الفلسفية كما لا يصح تصدي المهندسين لعلم الفقه وهكذا، لا يصح التصدي لإشكالات أي مجال ما لم يكن التخصص فيه هو الفيصل في الحكم النهائي. والإمام الصادق (عليه السلام) اعتمد على التخصص في كل المجالات في مدرسته المميزة، فوجدنا فيها علوم الفقه والحديث والسيرة والكلام والفلسفة والنظريات والطب والكيمياء والرياضيات وغيرها. كما خرّج العديد من الطلاب في شتى مجالات العلوم والآداب والمعارف، كما أنه (سلام الله عليه) كان قد خصّص النوابغ والمتميزين من طلابه -كل حسب تخصصه- في الرد على المسائل المتعلقة بعلم كل منهم وتصدرهم مجال علمهم (كهشام بن الحكم الذي تخصص في المباحث النظرية، وتخصص زرارة ومحمد بن مسلم واشباههم في المسائل الدينية، كما تخصص جابر بن حيان في الرياضيات وعلى هذا الترتيب). (١) فالتصدي لأي مجال من المجالات دون خلفية معرفية وتخصص قد يضر أكثر مما ينفع، وهو درس لنا نتعلمه من منهج الإمام الصادق (سلام الله عليه) في وقتنا الراهن، حيث كثرت شبهات التيار الإلحادي ولغطهم وإشكالاتهم الملتوية، فلا يصح أن يتصدى لهم من لم يكن متخصصًا في الرد على شبهاتهم العقائدية، وإلّا فسيكون ضرره على الخط الإسلامي أكثر من نفعه؛ لأنه سيتخبط في متاهات معرفية لا يضاهي آفاقها الواسعة. ٣-الالتزام بآدب النقاش والحوار والمناظرة: وهذا واضح جدًا من خلال ما عُرف عن تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث أدّبهم على الالتزام بأدب الحوار والمناظرة، وهذا ما لمسناه واضحًا في محاورة ابن أبي العوجاء مع المفضل بن عمر، وإشادة ابن أبي العوجاء -وهو من كبار الملحدين- بالتزام الإمام الصادق (سلام الله عليه) وتلامذته بأدب الحوار والنقاش بقوله للمفضل: (يا هذا، إن كنت من أهل الكلام كلمناك، فإن ثبتت لك حجة تبعناك، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا تخاطبنا، ولا بمثل دليلك تجادل فينا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا، وأنه الحليم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي إلينا، ويتعرف حجتنا، حتى إذا استفرغنا ما عندنا وظننا إنا قطعناه، دحض حجتنا بكلام يسير وخطاب قصير، يُلزمنا به الحجة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردًا، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا مثل خطابه) (٢) ومن هنا يجب علينا الالتفات إلى هذه النقطة الجوهرية في الحوار والنقاش مع الفكر الآخر، بأنه مهما كان الشخص يبلغ من الدرجة العلمية في تخصّصه، فإنه لا ينفع للمناظرات والنقاش ما لم يتحلّ بآداب الحوار والمناظرة، لأنه قد يضر أكثر مما ينفع، خاصة عندما يستفزه الطرف الآخر، فلا يتحكم بأعصابه فينفعل، أو يهمش الطرف الآخر أو يلغيه أو يستهزئ به وبفكره، فإنه يقطع طريق الحوار وهداية الطرف الآخر ويعكس صورة سلبية لفكره الصحيح والهدف من المناظرة. ٤- تأليف الكتب والرسائل في الرد على الشبهات: ومن الواضح أهمية نشر الكتب والرسائل في رد شبهات واشكاليات تلك التيارات الفكرية المنحرفة وفي زرع الوعي في المجتمع وكشف ما يخلطون من الأوراق على العامة، وكشف ثغراتهم وخواء فكرهم القائم على الالتباس وخلط الأوراق مع بعضها، وهو بدوره يعمل على تحصين فكرنا الإسلامي الصحيح وأفراده، ولهذا كانت ردود الإمام القمة السامقة في الحجة والبرهان، وخاصة تأليفه لكتاب (توحيد المفضل) الذي كان من أسبابه الرئيسية محاورة ابن أبي العوجاء مع المفضل بن عمر -التي أشرنا إليها في النقطة السابقة- حيث يُعدّ من أرقى الكتب الاستدلالية في العقائد وعلم الكلام حتى وقتنا الحاضر، وكذلك كتابته للرسالة المسماة بـ (الاهليلجة) مع عظم قيمتها العلمية والطبية، إضافة الى العقائدية دليل على استخدام أدب الحوار والنقاش الذي ينظر إلى الخلفية العلمية للمشكلين وتخصصهم بحيث يلزمهم الحجة بما يتقنون ،وسنأتي في الأجزاء اللاحقة من هذه السلسلة –إن شاء الله تعالى- إلى بيان اهمية كتاب توحيد المفضل ورسالة الاهليلجة بشئ من التفصيل. وقراءتنا لأسلوب الإمام في التصدي بتأليف الكتب والرسائل توحي لنا بأهمية تكثيف النشر لتحصين المجتمع من سمومهم الفكرية، التي يبثونها في جميع وسائل الاعلام المقروءة والسمعية والمرئية، وتعرية فكرهم الضحل الذي صوره لنا الإعلام المضاد بمظاهر الحداثة والتطور كسلاح قوي في الحرب الناعمة، التي هي أخطر بكثير من الحرب العسكرية، للسيطرة على العقول التي لا تعي حجم المؤامرة التي تتعرض لها، وتردد بلا فهم عميق إشكاليات التيار الحداثوي، ولهذا علينا أن نعي بشكل حقيقي أهمية الإعلام وتكثيف النشر لعلوم أهل البيت (عليهم السلام) في الرد على تلك الشبهات، فأصل الشبهات واحدة على مر العصور، وحتى الطرف الآخر نفسه وإن تعددت مسمياته أو اختلفت حسب كل عصر. ٥- عقد المناظرات والمؤتمرات والندوات: التي من شأنها تشخيص الأدواء الفكرية ومعالجتها، إضافة إلى وقاية المجتمع من آفاتها والتقرب إلى أفراد المجتمع بشكل أقرب، والاستماع لطبيعة المغريات التي تستدرجهم للوقوع في فخاخ التيارات الفكرية، والعمل وفقها على تحصين مجتمعاتنا وشبابنا من الانجرار والتأثر بها. ____________________ (١) النبي واهل بيته قدوة واسوة، ج٢ ، ص٦٨. (٢) توحيد المفضل، ص ٢.
المناسبات الدينيةبقلم: حنان الزيرجاوي وعلوية الحسيني قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم).(١) في حديث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "وهل الدِّين إلاّ الحب". مفاد ظاهر الحديث: أنّهُ ليس بمقدور كلّ أحدٍ أن يُحبَّ العبادة ويُحبَّ المعبود مالم يجتز بعض المراحل حتى تتعلق روحه في نور الملكوت، فالله سبحانه أمــلُ المشتاقين، والشـوق هو الذي يجذب الإنسان نــحو الله سبحانه وليس إلى الجنة، فهو أمل المشتاقين، والأمل غير الرجاء. الأمل هو الذي يجعل من الإنسان الذي لا يتحمل إنسانًا صبورًا، متحملاً هادئًا، يأمل الإنسان شيئاً، وآخر يتمناه وهو دائماً يسعى لأن يحقق ما يتمناه. فالذي لا يشتاق إلى الله لا يصلح أو لا يصح أن نصفه بالشوق؛ فالشوق الصادق وهو الذي لا يرى فيه الإنسان غـير الله سبحانه. والكلام هنا ضمن ثلاث نقاط: ■النقطة الأولى: كفاية حب ربّ الصفوة إنّ الحبّ الإلهي لوحده ليس كافيًا لرضا الله تعالى ودخول الجنة، بل لابد من أن يقرن بعملٍ صالح بامتثال العبد لأوامر ربّه، واجتنابه لنواهيه، وعلى هذا أكد الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّه} (٢)، فالإيمان هو اقرارٌ باللسان وعملٌ بالأركان، وبالتالي فإنّ من يحبّ الله تعالى فقد قرن معه إيمانًا، وهذا هو الفلاح بعينه؛ بدلالة قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون) (٣) وسياق الآيات فيما بعدها أعطى سمات المؤمنين، فمن شاء فليراجع. إذًا فالمحبة والإيمان ركنان لا ينفصلان أبدا، وعليهما الحث مستجمعًا. وعلى هذا كثيرًا ما كان يؤكد الإمام الصادق (عليه السلام)؛ فروي أنّه غالبًا ما يستشهد بقول الشاعر: تعصي الإله وأنت تظهر حبّه.. هذا محالٌ في الفعال بديعُ لو كان حبّك صادقــاً لأطعته.. إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيعُ. أي انّ الطاعة شعبة من شعب الإيمان، ويتفرع عن المحبة الإيمان بكافة شعبه. ولهذا ضلت الكثير من المذاهب بل والفرق التي لم تنتهج منهج صادق أهل البيت (عليه وعليهم السلام)؛ وخير مثالٍ على انحراف من قال بكفاية الحب الإلهي هم الصوفية، تلك الضالة المضلة التي تسوّف لأتباعها منذ ابتداعها وحتى يومها هذا. ■النقطة الثانية: كفاية حب الصفوة إنّ الأحاديث الواردة في فضل حب الصفوة (عليهم السلام) كثيرة وعظيمة؛ منها: ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط" (٤). فالرواية مطلقة لم تقرن شيئًا مع المحبة، نعم لا شك أن الحب يستدعي العمل ويستتبعه. وهناك روايات جعلت حب الصفوة هو استكمالٌ للدّين، أي إنّ الدّين بلا محبتهم دينٌ ناقص؛ حيث روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "حبّ أهل بيتي وذريتي استكمال الدين" (٥) كيف لا وحبّهم وحب سيّدهم (صلوات الله وسلامه عليهم) هو طريق لحبّ الله تعالى؛ قال تعالى: كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم} (٦)، فاتباع النبي وآله (صلوات الله وسلامه عليهم) طريقٌ لمحبتهم لله تعالى، ونتيجةٌ لحبّه تعالى لهم. ولو تأملنا في سياق هذه الآية لوجدنا أنّها دليلٌ خاص قيّد الروايات المطلقة في حبّ الصفوة، فالآية جاءت مقيّدة بالإتباع، وهو عينه الإيمان الذي هو اقرار باللسان وعملٌ بالأركان. فكل قيد يذكره الله تعالى في كتابه فهو قاصدٌ من ورائه إفهام مخاطبيه، وهو مريدٌ له؛ لتنزهه عن اللغو، فكل ما يقوله يريده، إذًا هو سبحانه يريد منّا ثنائية الولاء بالمحبة والإيمان. ■النقطة الثالثة: مغالطاتٌ في محبة الصفوة من المغالطات التي يقع فيها البعض هو تسويفهم بالمعاصي، وتراكم الذنوب دون توبة، اتكاءً منهم على مبرر أنّ حبّ محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم جميعًا) كافٍ لهم، وأنّهم ستنالهم الشفاعة يوم القيامة. غاب عنهم أنّ الشفاعة بإذن الله تعالى، وأن إرادته هي الحاكمة؛ بدليل قوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} (٧) ومن المغالطات أنّ هناك من يدّعون أنّهم مرحومون مهما فعلوا؛ لأنهم فقط يحبون الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم)، وغاب عنهم أنّ هذا المنطق مذموم، كما أخبرنا القرآن الكريم حكايةً عن اليهود والنصارى؛ بقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء} (٨)، فلا إرادة مع إرادته تعالى. بل والتاريخ يشهد بانحراف الغلاة الذين من اتكائهم على حبهم لأهل البيت (عليهم السلام) نسبوا الألوهية لهم، وقد برئ منهم أمير المؤمنين (عليه السلام) في زمنه آنذاك. ومن تلك المغالطات أيضًا الاكتفاء بمحبة الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم) اعتمادًا منهم على وصية رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بالمودة بقربته؛ قال تعالى حكايةً: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (٩). غاب عنهم أنّ المودة لابد أن تقرن بالطاعة، فمودة آل محمد (عليهم السلام) لا تكفي وحده من دون طاعة أوامرهم، وطاعتهم هي طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وطاعة الرسول هي طاعة الله تعالى؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (١٠). بل وقد صرّح الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم) بالبراءة ممن أحبهم دون طاعة الله تعالى؛ حيث روى الشيخ الطوسي (رضوان الله تعالى عليه) بسند عن جابر بن يزيد الجعفي قال: "خدمت سيدنا الإمام أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام ثمانية عشر سنة فلما أردت الخروج ودعته وقلت له: أفدني. فقال: بعد ثمانية عشر سنة يا جابر ! قلت : نعم إنكم بحر لا ينزف ولا يبلغ قعره. قال: يا جابر بلّغ شيعتي عني السلام وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له. يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا ومن عصى الله لم ينفعه حبنا...". والخلاصة: أنّ منهج صادق العترة (عليه السلام) هو قولٌ كان دائمًا يردده، ناصحًا به أتباعه: "يا معشر الشيعة إنكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شينا"، فالكمال هو قران المحبة مع الإيمان، عندئذٍ يسمى المرء شيعيًّا، ولهذا ابتدأ خطابه بالنداء لمعشر الشيعة، ولم يقل يا معشر المحبين؛ فالشيعة يعني الإتباع، والإتباع لازمه العمل، وهو الإيمان بشرطه وشروطه. ) 1) آل عمران: ٣١. (2) البقرة: ١٥٦. (3) المؤمنون: ١. (4) فضائل الشيعة: للشيخ الصدوق، ١/٤٧. (5) أمالي الصدوق: للشيخ الصدوق، ١/١٦١. (6) آل عمران: ٣١. (7) البقرة: ٢٥٥. (8) المائدة: ١٨. (9) الشورى: ٢٣. (10) النساء: ٥٩.
المناسبات الدينيةيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى