بقلم: قاسم المشرفاوي في يومٍ شديد البرودة، كنت جالسًا في البيت أمام المدفئة الكهربائية، وإذا بالباب تُطرق، وكالعادة ذهبت لأفتح الباب وإذا بصديقي أرآه أمامي، بادرني بالسلام بلهفة منكسرة لم اعتدها سابقًا منه، أدخلته إلى غرفة الاستقبال، فبادرته بالحديث: مالي أراك كئيبًا ومنكسرًا؟ لم أعهدك هكذا من قبل، فأنت صاحب الابتسامة الدائمة! فقال لي: أريد أن أُطلق زوجتي! قلت له: ماذا تقول، كررها على مسامعي مرة ثانية، أُريد أن أُطلق زوجتي. قلت له: ما الذي حصل، ألم تحدثني دائمًا عن أخلاقها وطيبة قلبها؟ قال: نعم، هي كذلك، وهذا ما عهدتها عليه منذ أن تزوجتها. ولكن ماذا؟ ولكن لم أعهد معها تلك الأيام الجميلة، فشعلة الحب قد انطفأت وخمدت نارها، فنحن نعيش في روتين قاتل، لم يعد لحياتنا قيمة عاطفية يدفع بعجلتها إلى الأمام، لذلك أريد أن انفصل عنها، ليأخذ كل واحد منا طريقه.... هكذا هي الحياة الزوجية عند أغلب المتزوجين، برود وروتين وجفاف عاطفي يتبعه ابتعاد جسدي ومن ثم طلاق نفسي، يدفع بأحد الطرفين أو كليهما إلى طلب الانفصال الفعلي، لعلهما يحظيان بحياة جديدة ممكن أن يشعرا من خلالها بشعور السعادة والراحة والاطمئنان. لو سألنا الوسائد لقالت عما يؤرق الأزواج! فالزوجة قد تركت زينتها وتخلت عن أنوثتها، فلا تبالي بما يجذب زوجها ويثيرها نحوه، فجُلُّ وقتها تقضية في المطبخ وفي العناية بالأطفال، ولم تنظم حياتها الخاصة بشكل يزيد من ترابطها الروحي والنفسي مع زوجها. وأنت أيها الزوج لو سألنا الوسائد عنك لقالت: إنك تأتي من العمل متعبًا، تتناول طعامك وتجلس مع العائلة قليلًا، وسرعان ما تذهب للفراش لتنهض باكرًا للعمل، فلا تبالي بالفستان الذي تلبسه زوجتك أمامك، ولا بالتسريحة الجميلة التي ظهرت بها لتجذب انتباهك. وتمر الأيام هكذا إلى أن تنتهي بالطلاق النفسي، وتصبح الحياة مجردة من العاطفة وتلبية الاحتياجات العاطفية التي هي المرتكز في تأصيل روابط الأسرة بشكل متزن. الآن هل أصبح بإمكانكم أن تعرفوا ما يؤرق الوسائد؟
اخرىبقلم: قاسم المشرفاوي كلٌ منّا يحلم بأبناء صالحين، يتمتعون بحسن السيرة والسلوك وجمال المنطق، وبلاغة الحديث وحسن التصرف. لكن لا يمكن أن نصل إلى ذلك إلا بتوفيق من الله تعالى، وسعي حثيث منّا، فقد جاء في محكم كتابه الكريم قوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40)) سورة النجم لا يمكن أن نتزوج ونُنجب الأطفال ونقول إن الزمن كفيل بتربيتهم وتعليمهم، فهذا تقصير واضح في دور الآباء والأمهات الذين يلقون بمسؤولية التربية على عاتق الزمن. لذلك يجب على الشباب قبل أن يقدموا على الزواج التفكير بموضوعية في هذا الأمر، فهو من الأمور التي تحتاج تأمل وتعمق من أجل بناء أسرة سليمة ومعافاة نفسيًا، تشترك في صلاح المجتمع وبنائه في المستقبل. لو أردنا أن نبين بعض الخطوات المهمة والضرورية في التربية فيمكن أن نذكر بعضها: أولاً: يجب على الرجل والمرأة أن يكون اختيارهما صائباً لبعضهما البعض، فهذه تعتبر أهم الخطوات نحو أسرة سعيدة، فقد ذكر النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) عدة أحاديث في هذا الشأن ومنها: - ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) قال: {إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}. (١) - وروي عنه (صلى الله عليه وآله) : ((لا تسترضعوا الحمقاء، فإن الولد يشب عليه)). (٢) لأن هناك صفات وراثية تنتقل إلى الأبناء بالوراثة فيجب أن يكون الاختيار موفقًا في هذا الشأن. ثانيًا: بعد ذلك يجب أن يخطط الزوجان لحياتهما فيما يخص عدد الأبناء وتناسبه مع وضعهما المادي والنفسي، فالحمل المتلاحق للزوجة يُتعبها من الناحية النفسية والجسدية مما يؤثر سلبًا على علاقة الزوجين معنويًا وروحيًا، فتصبح متابعة الأبناء صعبة من جميع النواحي، فالتخطيط المُبكر لهذا الأمر يعد خطوة بالاتجاه الصحيح... ثالثًا: ينبغي أن يكون الزوجان ذوي ثقافة فكرية جيدة، وإحاطة علمية فيما يخص أساليب التربية الحديثة، والأسس المتينة التي يستند عليها البناء التربوي ليتمكنا من إعداد أبنائهما الإعداد الصحيح في مواجهة مختلف تحديات الحياة وصعوباته، وهنا وجب على الزوجين قراءة الكتب التربوية والنفسية من أجل تثقيف نفسيهما بهذا الجانب، الأمر الذي يدعم حياتهما الزوجية، ويعطيها طابع الانسجام الفكري والنفسي وهذا هو المطلوب. رابعًا: أن يكون الوالدان قدوةً حسنة في السلوك أمام أبنائهم فالأطفال يتأثرون بالأفعال أكثر من النصائح والإرشادات، خصوصًا التي تستند على أسس التوبيخ والانتقاص وإهانة الذات، فلا يمكن أن يتقبّل الطفل نصيحة من أبويه إذا كانت تحتوى على مس لكرامته وانتقاص لذاته، فأرجو توخي الحذر في ذلك يرحمكم الله. خامسًا: يجب أن يكون الأبوان متفقين وغير متعارضين في أسلوب التربية المتبع في البيت، وإلا اصبح البيت في فوضى تامة، فإذا كان أحدهما يأمر والآخر ينهي فإن هذا التناقض سيُدخل الأطفال في متاهة وضياع دائم، ونرى حالات التناقض منتشرة بسبب محاولة فرض الرأي والسيطرة وإثبات الذات، فالزوج يريد أن يثبت أنه المسيطر والزوجة كذلك، كأننا في حرب دائمة مع بعضنا البعض، هنا يجب على الوالدين أن يتنازلا عن أنانيتهما، ويفكرا بمنطقية وموضوعية أكثر من أجل بناء أسرة واعية منسجمة ذاتيًا مع بعضها البعض.. لعل البعض يسأل: على ماذا نُربي؟ وما هو المنهج الذي نتبعه في التربية؟ نقول: إنه يجب علينا أن نربي أبناءنا على منهج الإسلام الأصيل آخذين بنظر الاعتبار التطور التكنولوجي، والتسارع المعلوماتي والزمني في ذلك من أجل الحفاظ على تربية متزنة تسير في طول المنهج الإسلامي لا في عرضه، وهذا يعتمد على أسلوب الوالدين ودرايتهما في هذا الأمر. والله الموفق والمستعان
اخرىبقلم: قاسم المشرفاوي يبدأ الزوجان رحلتهما في هذه الحياة وكلاهما شوق وحنين ولهفة وانتظار أن يرزقهما الله تعالى بطفلٍ يشعرهما بأبوتهما ومكانتهما بالبيت والمجتمع، فالرجل والمرأة يريدان أن يضيفا شيئاً لحياتهما الزوجية ليكتمل لديهما شعور داخلي رائع يضفيه عليهما لقب الأب والأم، فتراهما إن تأخر الأنجاب قليلًا يبحثان عن الأسباب لدى الأطباء ليطمئنوا بأنهما على ما يرام، فالشعور بالفطرة يدعوهما إلى هذا الشوق واللهفة لتلبية غريزة الأمومة والأبوة من جهة، وتقوية العلاقة الزوجية من جهة أخرى، فالطفل يزيد من لغة التواصل والتعاطف الأسري أكثر ويدعم ثبات الأسرة ويقوي عمادها وبالتالي تنشئة أسرة كاملة من أب وأم وطفل. وما إن يأتي الطفل الأول بعد رحلة انتظار يستغرقها في رحم أمه ويخرج من تلك الظُلمات إلى هذه الحياة المختلفة، حتى تراه ينتقل من حضن إلى حضن آخر فرحين بهذا الملاك الجديد الذي سُيعطي لحياتهما نكهة خاصة مختلفة عن تلك الوحدة التي شعرا بها طوال تلك المدة... وبعد أن كان الأب يُفكر بنفسه وزوجته أصبح يفكر بمولوده الجديد أيضًا وهو في أشهره الأولى. وهنا تبدأ المرحلة الثانية والمهمة والتي يجب أن تكون مدروسة بشكل جيد من قبل الزوجين قبل ولادة الطفل الأول لأنها هي الأساس في عملية انتاج جيل واعٍ وصالح، وتبدأ الرحلة من جديد طاوية تلك الأيام. فالطفل الأول يجذب أنظار الوالدين والأجداد والأعمام والأخوال، والكل يريد أن يشعر بأنّ له وجوداً في حياة هذا الطفل، فالتدخل يكون بمثابة اثبات الحب والولاء لوالدي الطفل. ولكن التدخل ممكن أن يكون سلبيًا في تدهور البناء التربوي للطفل الأول، فالجد والجدة مثلًا يوفران كل ما يطلبه الطفل في سنواته الأولى من باب الحب وممكن أن يتعارض هذا التوجه مع توجه الوالدين اللذين يكونان بموقف محرج جدًا، فإذا تكلما زعّلا الأجداد وخصوصًا إذا تكلمت الأم وقالت بأنّ هذا الدلال سيخرب شخصية الطفل ويدفع به إلى أن يكون أنانيًا من جهة وغير مسؤول من جهة أخرى، وبالتالي يقف الأبوان في حيرة من أمرهما اتجاه هذا الوضع المأساوي، إضافة إلى تدخل الأعمام والعمات وهذا ما يزيد الطين بلة... وهنا تصبح عملية التربية معقدة جدًا في ظل وجود عناصر عديدة تتحكم وتصادر حقوق الأبوين المشروعية... فما العمل يا ترى وكيف الخلاص؟! وهنا يجب على الأب أن يأخذ دوره الشرعي والأخلاقي في وضع حدود لذلك، ويكمن هذا الأمر في التكلم مع الجميع بأنه يفهم حبهم وعطفهم على ولده ولكن هذا ما يسبب له إرباكًا كبيرًا في عملية التنشئة الصحيحة، ويستمر الأب في التحاور مع أهله بأسلوب يشرح لهم مضار التدخل والدلال والتدليع الزائد الذي يجعل الطفل متغطرسًا على والديه. والأفضل أن تبتعد الأم قدر الإمكان عن التدخل في النقاش لكي لا تحدث صدامات ونزاعات مع العائلة، فإذا لم تنفع المحاورات المستمرة فالأفضل العمل على توفير بيت مستقل، فهو الضمان الحقيقي لعيش حياة مستقرة في ظل انسجام الرؤيا الفكرية بين الزوجين، أما إذا لم يتمكن الزوجان من ذلك فليصبروا على هذا الأمر لحين تحقيق أمنيتهما والله قادر على كل شيء.. ومن الله التوفيق والسداد..
اخرى