تشغيل الوضع الليلي
انتحـارُ الطلبـة (2) الأسباب والوقايــة
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 761
بقلم: رضا الله غايتي
ولكنْ رغمَ كُلِّ تلك المُعوّقات التي تحولُ دون نجاح الطالب أو تفوّقه؛ من عباراتِ التهوينِ والتهويلِ التي تتركُ صداها يتردّدُ في ذهنِه ليُكبِّلَ عقلَه عن النهوضِ والنجاحِ والإبداع، ومن المُدرسين الذين استخفوا برسالتهم المُقدّسة، ومن عدمِ أو قلّةِ وعي الأهلِ ودورِهم في التثبيط عوضًا عن التشجيع والتحفيز، ومن رفقةِ السوء، فإنّ هناك نافذة أملٍ كبيرةٍ يُمكِنُ أن تُفتَحَ عبر سُبُلٍ يُمكِنُ من خلالها وقاية الطالب من سلوك سبيل الانتحار، بل وتدفعُ به نحو التفوّق والتميّز، وهي:
أولًا: قال (تعالى): "إنَّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بِقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم"، فعلى الطالبِ نفسِه أنْ يتحلّى بالشجاعةِ وقوّةِ الإرادةِ؛ ليتلافى ما يُمكنُه تلافيه من المعوّقات التي تقف حائلًا في طريق تحقيق أهدافه:
*فيسعى إلى ملئ الجانبِ الروحي من خلالِ المعرفةِ الإلهية عبر مطالعةِ الكتب العقائدية المُيسرة؛ ليُرسِّخ إيمانه بأنّه (سبحانه وتعالى) هو مصدرُ كُلِّ خيرٍ في الوجودِ، فيتجلّى ذلك الإيمان في حُبِّه للعبادةِ والمواظبةِ عليها، وفي سلوكِه، وفي قُربه منه (جلَّ جلاله)، وليُعمِّقَ إيمانه بأنّ الله (تعالى) هو مُسبِّبُ الأسباب، فلا يكتفي بالأسبابِ المادية دونه، فينعكس ذلك في نفسه توكلًا على الله (سبحانه) في كُلِّ شيء، وليتجذّرَ في قلبه أنْ لا يأسَ في الحياةِ مُطلقًا؛ طالما كانتْ أبوابُ الفرجِ بيدِه (تباركَ وتعالى)..
ومن ثم لا بُدّ أنْ يفهم فلسفة الحياة، وأنّها دار اختبارٍ وامتحانٍ، فكُلُّ ما يواجهه من صعوباتٍ إنّما هو أمرٌ طبيعي في الحياة، وأنّ العاقبة للمتقين..
*والطالب في هذه المرحلة على أقلِّ التقادير في السابعة أو الثامنة عشرة من عمره، وعلى الأغلب يمتلكُ جهازًا ذكيًا مُزوّدًا بشبكة الانترنت، ويُمكنه حينئذٍ أن يستخدمَه لتذليلِ ما يواجِهُه من مُعوِّقاتٍ، فيُعيد ضبطَ رؤيته عن السادس الإعدادي، ضبطًا معتدلًا بعيدًا عن التهويلات والمُبالغات، وليؤمنَ أنّها مرحلةٌ كسائرِ المراحل، وكما تجاوزَ المراحلَ السابقةَ بنجاحٍ فبإمكانِه تجاوزه بنجاحٍ أيضًا، غايةُ الأمرِ أنّ المُعدّلَ مطلوبٌ فيها، فعليه أنْ يبذلَ جُهدًا مُضاعفًا. وبذا يمحو كُلَّ ما هو مُحبِطٌ ومُثبِّطٌ ويُثبِّت ما هو مُحفِّزٌ ومُشجِّعٌ من جهة؛ وذلك عبر مشاهدته للبرامج التوعوية والفيديوهات التحفيزية، والمُحاضرات التنموية، لتقوى إرادتُه وثقتُه بنفسه، وليزدادَ عزمًا وتصميمًا على النجاحِ والتفوّق، وكُلّما طرقتْ ذهنَه تلكَ الأفكارِ السلبيةِ يستمِعُ إلى ما يبعثُ في نفسِه التفاؤلَ والعزيمةَ والإصرار..
ومن جهةٍ أخرى يُمكِنُه الاستعانةَ بقنواتِ الأساتذة الأكْفاء التعليمية؛ لفهم الدروس التي هو بحاجةٍ إلى فهمها، ويجدُّ ويجتهدُ ويُثابرُ ويبذلُ كُلَّ ما في وسعه، ومن يروم العُلا يستطيعُ ويصلُ إلى مُراده بعونِ اللهِ (تعالى).
ثانيًا: للأهل دورٌ مهمٌ في دعمِ الطالبِ ومُساندتِه وبثِّ روحِ الأملِ والتفاؤلِ في نفسِه سواءَ قبلَ الامتحاناتِ أو خلالِها أو بعدَ استلامِ النتائج، كما عليهم أنْ يحرصوا أشدَّ الحرصِ على أنْ ينأوا به عن الأسبابِ الممهِّدة للانتحار، فيُغذّون الجانب الروحي والتوعوي، ويدعمون ثقته بنفسه، ويبثون في نفسه روح التفاؤلِ والأمل، ويستبدلون أسلوب الترهيب بأسلوب الترغيب في حثّه على الدراسة، ويحفظونه من أصدقاءِ السوء، ويوجِّهونه إلى الاستخدام الأسلم لجهاز التلفاز؛ وذلك بترسيخ اعتقاده بالحضور الإلهي في كُلِّ زمانٍ ومكان، ويُقننون استخدامه للأجهزة الذكية ويُكثفون المراقبة لئلا ينجرف إلى مشاهدة ما يحرم من المشاهد أو أن يلعب ما يُشكِّلُ خطرًا عليه من الألعاب، ويبذلون جهدهم في توفير البدائل المناسبة لغرضِ الترفيه..
بالإضافة إلى أنَّ التعامُلَ بحكمةٍ أمرٌ مطلوبٌ جدًا من قبلِ الأهلِ عندَ عدمِ حصولِ الطالب على المعدل الذي كانوا يتوقعونه منه؛ فإنّ التأنيبَ والتقريعَ والمُعاملةَ بقسوةٍ وتذكيرِهِ بالنفقات المالية أو العينية أو الجهود التي بذلوها من أجله كُلُّ ذلك لا يُجدي نفعًا، بل رُبّما يًجرِفُه إلى ما لا تُحمَدُ عُقباه، حيث يزيدُ ألمه ألمًا، ويدفعه إلى التوغُّلِ أكثر في متاهاتِ اليأسِ وظُلماتِه، فيتوجّهُ البعضُ منهم والعياذ بالله للتخلُّص من ذلك الألم بما هو أقسى وهو إيذاء نفسه أو ربما الانتحار متوهمًّا أنّه بذلك سينجو من الألم، وإذا به يتردّى في هاويةِ العذابِ الأبدي.
قال (تعالى): ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴾1، وقال (عزَّ من قائل): ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾2، كما روى الكُليني عن أبي ولّاد، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مَن قتل نفسه متعمداً، فهو في نار جهنم خالداً فيها...»3، وروى أيضًا بإسناده عن ناجية: «قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ المؤمنَ يُبتلى بكُلِّ بليّةٍ، ويموتُ بكُلِّ ميتةٍ، إلَّا أنّه لا يقتُلُ نفسه»4
ولأنَّ معظم الذين تُراوِدُهم الأفكارُ الانتحارية هم لا يرغبون بالموتِ في الحقيقة، وإنّما يتوهمون أنّه خيارهم الوحيد للخلاص مما يعانونه من ألمٍ وإحباطٍ وعذاب؛ لذا فمن الممكن مساعدتهم قبل إقدامهم على ذلك؛ لاسيما أنَّ الإقدام على الانتحار لا يحدثُ فجأةً ومن دون علاماتٍ تسبقه وأمارات تُشير إلى قُرب وقوعه، فعلى الأهل تقع مسؤوليةُ متابعة سلوك أبنائهم متابعةً دقيقةً، ورصد بعض العلامات التي تُنذرُ بالخطر، أهمها:
1- الحديث عن فكرة الانتحار وكراهية الاستمرار في الحياة، وإن كان مُزاحًا، وإنْ لم يتم الحديث عن ذلك حرفيًا، فيجب أن يُحمل على محمل الجد..
2- أذية النفسِ لا سيّما عندَ المُراهقين والشباب؛ فهم قد يؤذون أنفسَهم في مُحاولةٍ منهم للحصول على الرعاية والاهتمام، ولكن في مرحلةٍ لاحقةٍ قد يُقدِمون على الانتحار.
3- الانعزال والابتعادُ عن العائلةِ والأصدقاء؛ فالانسحابُ عن المُجتمعِ في حَدِّ ذاتِه يُعرِّضُ المُنسحبَ للعديدِ من الأمراضِ النفسية أو يُساهِمُ في تفاقُمِها؛ لفقدانِ الدعمِ الاجتماعي لاسيّما إنْ كانَ كبيرًا.
4-عدمُ الابتهاجِ بما كانَ يُثيرُ عندَه البهجة، كما لو كانَ يبتهجُ عندَ تناولِ أكلةٍ ما أو عندَ مُمارسةِ هوايةٍ ما ثمّ لم يُشكِّلُ ذلكَ له أمرًا مُبهِجًا.
5- التغييرُ الواضحُ في الروتينِ اليومي، كما لو كانَ ينامُ لأوقاتٍ قصيرة، وفجأةً ينامُ لساعاتٍ طويلة أو العكس.
6-عدمُ الاهتمامِ بالأناقةِ والنظافةِ الشخصية كما كان في السابق.
6- الشعورُ باليأس، لذا فمن الضروري جدًا أنْ يطلُبَ الأهلُ منه التحدُّثَ عن مشاعرِه والاستماعِ إليه.
7- التخلّي عن مُمتلكاته الثمينة دونَ أي تفسيرٍ منطقي..
فإنْ لاحظ الأهل ظهورَ أيّةِ علامةٍ من هذه العلامات على الابن أو الابنة فلابُدّ من التحدّث إليهما مُباشرةً وتقديم الحُبِّ والاهتمام، ومدّهما بالأمل، وإحياءِ روح التفاؤل فيهما، ووعدهما بالدعم والمساندة مهما كلّف الأمر، فإنْ حاولَ الأهلُ التدخلَ الإيجابي ورغم ذلك لم يستجِبِ الابنُ أو الابنةُ فلابُدّ حينئذٍ من المُبادرةِ إلى طلبِ المُساعدةِ من مُعالجٍ نفسي..
ثالثًا: للصديق المُقرّبِ دورٌ كبيرٌ في اجتثاثِ التفكيرِ السلبي من ذهن صديقه، وتبديدِ سُحُبِ اليأسِ التي تُخيّمُ على قلبه وتحجبُ عنه أشعة الأمل، سواء كان ذلك قبل الامتحانات أو أثناءها أو بعد استلامِ النتائجِ لا سيّما إنْ كان مؤمنًا واعيًا مُحبًّا لصديقه بصدقٍ ومهتمًا بمصلحته..
رابعًا: على المُدرِّس مسؤوليةٌ مهمةٌ جدًا، فعليه أنْ يكونَ على قدرِ هذه المسؤولية، ويؤدّي رسالتَه بإخلاصٍ، ناظرًا إلى الطلبة على أنّهم أبناءٌ له، يغرسُ الأملَ والعزم والإصرار في نفوسِهم ويُبعد عنهم شبح اليأس والقلق والإحباط والتردد، فإنْ لاحظ على أحدِهم سلوكًا يُنذِرُ بالخطر فلا بُدّ من الإسراعِ في إحالته إلى المُرشدين التربويين؛ لوأدِ أسبابِ الانتحار في مهدِها قبلَ أنْ تتفاقمَ وتتجذّرَ في نفسِ الطالب..
رابعًا: ولأنَّ مسألة انتحار الطلبة من المسائل التي تمسُّ الأمنَ المُجتمعي وتؤثرُ فيه أيّما تأثير، فلابُدَّ من تظافر جهود المؤسسات الدينية والحكومية والمُجتمعية والإعلامية لمواجهتها بشتّى الطُرُقِ والأساليبِ الناجعة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء 29و30
(2) الإسراء 33
(3) الكافي ج7، ص45
(4) المصدر السابق ج2، ص254
اخترنا لكم

رسالاتٌ في زمن الوباء (٧) استثمارُ الوقت
بقلم: علوية الحسيني الوقتُ هو العمر، فكلُّ يومٍ يمرُّ علينا يُنقِصُ من أعمارِنا بالعدِّ التنازلي، وعليه إنْ لم نُحسِنْ إدارةَ أوقاتِنا فإنّنا نخرج من الحياة الدنيا دون تحقيقِ أيِّ هدف. وكثيرًا ما حثّ أهلُ البيت (عليهم السلام) على ضرورةِ إدراك مرورِ الوقت بالعمل فيه, مع عملِه بنا بأخذه من أعمارنا ثانيةً، فدقيقةً، فساعةً، فيومًا، فشهرًا، فسنةً، وهكذا. روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ الّليل والنّهار يعملان فيك فاعملْ فيهما، ويأخذان منك فخُذْ منهما"(1). والحالُ إنّ بعضنا في الزمن الذي نعيشه اليوم، زمنُ الوباء العالمي (كوفيد19) باتَ خاليَ الأهداف فيه؛ يُهدرُ أوقاته على فضولِ العيش، من النظرِ والمأكلِ والمشربِ والملبسِ والكلام، ولم يُعِر أهميةً لوقتِه فضلًا عن دورِه كفردٍ، منشغلًا بالمُلهيات، و "من كَثُرَ لهوه قلَّ عقلُه"(2). لذا رسالتنا اليوم ستتكلم عن أهمية الوقت، وكيفية إدارتِه واستثماره من خلالِ بعض النقاطِ التي قد تنفع في المقام. لاشكّ في أنّ تعطُّلَ بعضِ المهام الخارجية -مهما كانت- في زمنِ الحجر الصحي يؤدي إلى حدوثِ وقتِ فراغٍ أو فوضوية في إدارةِ الوقت ضمن آليةٍ جدولية مرتبة؛ لذا نجدُ البعضَ قد ترك تنظيم وقته، ودخل في مرحلةِ السُبات، وآخر قد أضافَ مهامًا فوق مهامِه، وزاحمَ وقته، ووقعَ في التقصير في كثيرٍ من الأمور؛ لأنّه لم يُحسِنْ تنظيمَ وقتِه. فلا الأولَ رافق النجاح، ولا الثاني. لذا لابُدَ من جدولةِ الأعمال، واستثمارِ الوقت، لتحقيق الإنجازات، بأدقِّ الطرقِ في كلِّ الالتزامات. وقد بيّنَ أهلُ البيتِ (عليهم السلام) في صريح أحاديثهم المروية عنهم الخطوةَ الأولى لاستثمار الوقت؛ وهي التقسيم الكلّي الإجمالي للوقت؛ حيثُ رويَ عن الإمام الرضا (عليه السلام): "اجتهدوا أنْ يكونَ زمانُكم أربعَ ساعاتٍ: ساعة منه لمناجاته، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرةِ الإخوان الثقات، والذين يُعرِّفونكم عيوبكم، ويُخلِصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذَّاتكم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات"(3). ولو تأملنا في أغلبِ كتبِ علماءِ التنميةِ البشرية المختصة بفنِّ إدارةِ الوقت لوجدناها (تُحدِّد أولويات الأفعال وفقَ تقسيمِ الأوقات -فضلًا عن التنبيه على أهميةِ الوقت-). والساعاتُ التي أشار إليها الإمام (عليه السلام) في الحديث أعلاه هي: 1/ ساعةٌ يُناجي الإنسانُ فيها ربّه, أيّ أنْ يؤدي عباداتِه في وقتِها المحدد، ليطرحَ هذا الوقت من الوقتِ الكلّي، وينشغل بغيرِ العبادة. وهذا ما أشارت إليه بعض كتبِ التنمية "بساعة فقه توقيت العبادات؛ فالصلاة موقوتة "إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا", والصوم "فمن شهِد منكم الشهر فليصمه", وكذا الحج "الحجُّ أشهرٌ معلومات""(4). 2/ ساعةٌ لأمرِ معاش الإنسان؛ وهي ساعاتُ عملِه، مع ضرورةِ إتقانِ ساعاتِه والإخلاص فيها؛ وهو عينُ ما أشارت إليه كتب التنمية "من خلال الابتعاد عن مُعوّقات العمل، والتعوّد على كلمة (لا) أثناء ساعات العمل؛ كي يُنجزه بإخلاصٍ وسرعة، وترك الثرثرة في الهاتف، وتنظيم أوقات الاجتماعات"(5). 3/ ساعةٌ لمعاشرةِ الإخوان في الدّين, الثقات، المخلصين، الذين ينهضون بالإنسانِ نحو الكمال، "الذين تذكرنا بالله (تعالى) رؤيتهم، وبالآخرة عملهم، ويزيد في علمنا منطقهم"(6). فقضاءُ الوقتِ مع هؤلاء لا حسرةَ عليه؛ لأنّ النفعَ متحققٌ، أما مع غيرهم فالضررُ متحققٌ، سواء كانوا أصدقاء أم أقرباء؛ يقول (تعالى): "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَة"(7)، والافتتانُ بهم قد يكونُ بقضاءِ كلِّ الوقتِ معهم. ويعدُّ خبراء التنمية البشرية المحيطَ العائلي والأصدقاء "من معوّقات النجاح إنْ لم يحترموا أهميةَ الوقت، ودعوا [الخبراء] إلى القضاء على كلِّ الأعراف التي لم تُعِرْ الوقت أهمية؛ باستثمارِ الوقتِ مع الناجحين"(8). ومن هُنا ينبغي عدم الانجرار وراء من يستخف بقيمة الوقت، والاعتدال في منحه من الوقت المناسب وفقًا للشرع الإلهي وإخلاءً لمسؤوليتنا تجاهه، دونما أن نؤثرَ في ذلك على عباداتنا وعملنا وسائر التزاماتنا. 4/ ساعةٌ للخلوةِ مع الذات لممارسةِ الأنشطةِ غيرِ المُحرّمة، وهذا ما يُنادي به المزاج، فيَحسُن قضاءُ الوقتِ في نشاطاتٍ إلكترونية نافعة، أو تنميةِ وتطويرِ الذات، أو المواهب والمهارات. وقد أولت بعض الرواياتِ النشاطاتِ أهمية، نذكرُ منها على سبيلِ المثال ما روي عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): "علِّموا أولادَكم السباحةَ والرمايةَ"(9). فاستثمارُ بعض الوقت في هاتين الرياضتين نافعٌ بالنسبةِ للذكور- إن لم يتعارض مع ما يقتضيه الظرف الراهن طبعاً-. وكذلك روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " ونعمَ اللهو المغزل للمرأةِ الصالحة"(10)، فغَزْلُ الصوف بالنسبةِ للإناث أمرٌ لطيف، وظاهرُ الروايةِ استحسان قضاء بعض الوقت فيه لهنّ. نعم، لو خُلّينا مع الأولويات التي يحسن استثمار الوقت الأخير فيها لــكان كتاب الله (سبحانه وتعالى) أولى الأعمال؛ بتدبُّرِ آياته، وحفظِ سوره، والتوغُّلِ في علومه؛ وقد أرشدنا أهل البيت (عليهم السلام) إلى ذلك، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ لا يَمُوتَ حَتَّى يَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَوْ يَكُونَ فِي تَعْلِيمِه"(11). وما يلي القرآنَ الكريم في الأهميةِ المشاركةُ في دوراتٍ عقائدية، ثم تعلّم الأحكام الفقهية الابتلائية، ثم مطالعة الروايات الأخلاقية، فذلك كفيلٌ بأنْ يُحقّق مصداقَ حسنِ قضاءِ الوقت فيه. أما ما يلي ذلك، فهذا راجع للقرّاء كلٌ حسبَ توجهِه وتخصصِه، فما هي إلاّ صُغريات من الممكن تطبيقها على الكبريات التي أشار إليها الإمام الرضا (عليه السلام) في حديثه المتقدم؛ بتحديدِ إجمالي الأوقاتِ لأعمال الإنسان. فليخترْ كلٌ منّا كيفَ يستثمرُ وقتَه في فترةِ الحجر المنزلي؛ ليرى ثمارَ ذلك بعد انتهاء الوباء بعونِ الله (سبحانه وتعالى)، بدلًا من هدرِ الأوقاتِ واستنزافِ الطاقات. أما كيفيةُ استثمارِ الوقت، فمن الممكن أنْ تتمَّ عمليةُ استثمارِه بطريقةٍ ناجحة "من خلالِ تطبيقِ عدّةِ طرق"(12)، منها: 1/ كتابةُ الأعمالِ التي نُريدُ انجازها، وتقديمُ الأهمِّ على المهم؛ روي عن الإمامِ علي (عليه السلام): "مَن اشتغلَ بغيرِ المُهم ضيّع الأهم"(13). 2/ استعمالُ الإيحاءِ الذاتي؛ كأن تقول: (أنا مُنتجٌ) (انا ناجحٌ) (أنا استثمرُ الوقتَ غالبًا)، وغيرها من العبارات التي تُجدي نفعًا في تحفيزِ الذاتِ لإدراكِ أهمية الوقت، واستثماره بالأعمال النافعة. 3/ عدمُ المجاملةِ على حسابِ أوقاتِنا؛ والاعتيادُ على رفضِ أيّ عملٍ يهدرُ الوقت، أو يعارضُ أعمالنا. *وخلاصة الرسالة: العاقلُ من أعطى الوقتَ أهميةً بالغةً، وحرص عليه أكثر من حرصِه على مالِه، فالمالُ يُعوّضُ والوقتُ لا يُعوّض. فينبغي لنا أنْ نُنظّم أعمالنا وفقَ جدولٍ مُعيّنٍ مُرتّب حسبَ الأهمية، ولا نُقصّرُ في ساعاتِ أعمارِنا، وإنْ استصعبَ علينا ذلك، فمن الممكن استشارةِ المُختصين، أو قراءةِ الكتبِ في هذا الفنِّ؛ وتنفيذ ما يمكن تنفيذه. _____________________ (1) غرر الحكم ودرر الكلم: لعبد الواحد الآمدي التميمي, ص254, ح328. (2) مما روي عن الإمام علي (عليه السلام), غرر الحكم: ٨٥١٣، ٨٤٢٦، ٥٩٠١، ٧٥٦٨، ١٠٥٤٤، ٣٠٠١، ٨٢٩٨، ٨٩١٨. (3) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج75, ص346. (4) ظ: أسس ومهارات إدارة الذات وصناعة التغيير والنهضة/ إدارة الوقت: لإبراهيم الديب, ص104. (5) ظ: فن إدارة الوقت: لدايل كارنيغي, ص92, 95. (6) مما روي عن النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الامالي: للشيخ الطوسي, ج2, ص157. (7) سورة الأنفال: 28. (8) ظ: إدارة الوقت: للدكتور ابراهيم الفقي, ص40-41. (9) وسائل الشيعة: للحر العاملي, ج17, باب ما ينبغي تعلمه وتعليمه, ح13. (10) المصدر نفسه, باب استحباب الغَزْل للمرأة, ح2. (11) الكافي: للشيخ الكليني, ج٢, باب من يتعلم القرآن بمشقة, ح٣. (12) ظ: تعلّم كيف تنجح: للسيّد هادي المدرسي, ج3, ص11, 59. (13) غرر الحكم ودرر الكلم: للآمدي, 5/330. اللهم أكفِني ما يشغلني الاهتمام به, واستعملني بما تسألني غدًا عنه, واستفرغ أيامي فيما خلقتني له.
القضايا الاجتماعية
رسالاتٌ في زمن الوباء (١٠) مواقع التواصل الإجتماعي
بقلم: علوية الحسيني مع التطوّرِ التكنلوجي الحاصل, نعيشُ اليومَ زمن تلقّي الأخبارِ بسرعةٍ لم تكن مألوفةً قبل التطور. فما بين فضائياتٍ على التلفاز, وقنواتٍ على المذياع, ومواقع للتواصل الاجتماعي على الأجهزة الرقمية الحديثة, باتَ البعضُ مُستهلكًا جلّ وقته في متابعتها. ولعله زادت نسبِ المشاهداتِ كمتابعةٍ في زمنِ الحجر المنزلي المفروض نتيجة تفشي الوباء العالمي (كوفيد19)؛ فما بينَ أخبارٍ وتهويلات, وسخريةٍ واستهزاء, وانعزالٍ ولا مبالاة, ومُغالاةٍ وتشكيكات, أصبحَ حالُ واقعِنا الإعلامي بتعاملِه مع ذلك الوباء. وعليه, رسالتُنا اليومَ تُسلِّطُ الضوء على متابعة وسائل التواصل الاجتماعي -وما بحكمها- بالأخبار وغيرها في زمن الوباء. ■أولاً: متابعة الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي. إنّ الاهتمام بمعرفةِ الأخبار والمُستجدات ولو على الصعيد المحلي والدولي مطلوبٌ جدًا, بل إنّ الإمام الصادق (عليه السلام) أشار إلى بُعد الاهتمام بأمور المسلمين, وحذّر من عدم المتابعة؛ حيثُ روي عنه أنّه قال: "قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِم"(1). لكن هذا على فرض على أنْ ننتقي الخبرَ من المصدرِ الموثوق, ذي المصداقية والموضوعية, فعلينا أنْ لا نسمحَ لأنفسِنا لنكونَ من عبّادِ النشر المزيف, المًضل, الكاذب؛ روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإنْ كان الناطقُ يؤدي عن الله (عز وجل) فقد عبدَ اللهَ، وإنْ كان الناطقُ يؤدي عن الشيطان فقد عبدَ الشيطان"(2). ولا غرو في ذلك؛ لأنَّ الناطق عن الله (سبحانه وتعالى) هو الناطقُ الحقُّ, الصادقُ, الأمينُ ببيانِ الحقائق كما هي، والناطق عن الشيطان هو الناطقُ الكاذبُ المغرضُ, فلنختر أيّهما نستمع له. ومعلومٌ أنَّ التهويل, وتزييف الحقائق, قبيحٌ عقلًا, فضلًا عن تحريمه شرعًا؛ لأنّه يؤدي إلى نتائجَ غير محمودة؛ لذا ينبغي تحرّي الصدق والدقة عند المتابعة, وحتى عند النشر. ■ثانيًا: متابعة عامة لوسائل التواصل الاجتماعي لاشكَّ ولاريبَ في أنّ لكلّ برنامجٍ سلبياتٍ وإيجابيات, وحيثُ إنّ رسالةَ اليومِ هدفُها الحفاظُ على الصحةِ الجسدية والروحية والفكرية عمومًا, وفي زمنِ الوباء (كوفيد19) خصوصًا, ستتمُّ الإشارةُ أولًا إلى بعضِ السلبيات؛ لتجنبها, أما الإيجابيات فالقُرّاء على درايةٍ بها -ولو اجمالاً- بالعلم والتجربة والوجدان. *فمن السلبيات: 1/ اضطراب الصحة النفسية. إنّ إدمانَ الإنترنت يؤدي إلى الإصابةِ ببعضِ الأمراضِ النفسية التي قد تُقلِّلُ من مناعةِ الجسم, وبالتالي يُصبِحُ أكثرَ عرضةً للإصابةِ بفيروس (كوفيد19)؛ يقول الدكتور كمبرلي يونغ: "يستشعرُ مُعظمُ مُدمني الإنترنت بالوحدة, واليأس؛ حينما يضعُفُ تقديرُهم لذاتِهم, أو حينَ شعورهم بالقلق, وعدم الاطمئنان"(3), وما أحوجنا اليوم إلى المناعة الكافية! 2/ اضطراب الصحة الجسدية. كذلك إدمانُ الإنترنت يؤدي إلى الإضرارِ بسلامةِ البصر, والسكر, والسمنة"(4). 3/ اضطراب اللغة. لعلّ هذا الداءَ ملحوظٌ؛ إذ كثيرٌ من مُدمني الإنترنت يختصرون بالألفاظ, أو لا يراعون القواعدَ النحوية عند الكتابة, أو نجدُهم يميلون إلى اللغةِ العاميةِ أكثر من الفصحى, فضلًاً عن استعمالِ مصطلحاتٍ أجنبية, إمّا بنشرٍ أو محادثة, أو تعليق على منشور. وهذا الأمرُ وإنْ لم يكنْ مُرتبطًا بالصحةِ العامة إلا أنّه يُمكِنُ أنْ يؤديَ إلى المساسِ بها؛ إذ إنّ مُدمِن الإنترنت لو سنحت له فرصةُ التعيين والعمل في مؤسسةٍ ما, فنتيجةً لركاكةِ تعبيره, واضطرابِ ألفاظه قد يُرفض من قبلِ أربابِ العمل, حيث "أظهرتِ الدراسات أنَّ 54 % من المشاركات توضِّحُ الضعفَ اللغوي للمستخدمين، و 61 % منها تُظهِرُ الألفاظَ غير اللائقة لهم"(5), وهذا يؤدي إلى اضطرابِ نفس المدمن, وقلقه, وقلة مناعته, ولاشكّ سيكونُ آنذاك فريسةً سهلةً للفيروس. 4/ اضطراب الأسرة. فما إن جاء قرار الحجر المنزلي الطوعي نعمةً لجلوسِ أفرادِ الأسرة مع بعضها لفترةٍ أطول مما اعتادت عليه قبلَ زمنِ الوباء, حتى بدّدَ شملها إدمانُ وسائلُ التواصل من قبلِ البعض, وبات بعضُ الأفراد –إنْ لم يكونوا جميعهم- مجتمعين صامتين, مع تلك الوسائل مُنشغلين! وقد جرّت هذه الحالة الكثير من المشاكل, أقصاها الطلاق, الذي لاشكَّ يجعلُ الحالةَ النفسيةَ –فضلًا عن الأسرية- في انتكاسةٍ, وبالتالي تضعُفُ مناعة الجسم, وما أشدَّ الحاجة إليها في زمنٍ بإمكاننا الاستغناء فيه عن كلِّ ما يُضعِفُ مناعتنا؛ لتجنبِ الإصابةِ بالوباء -فضلًا عن تفكُّكِ أسرنا-. 5/ اضطراب التوجه الديني. فإدمانُ الإنترنت قد يتسبب في كثرةِ مطالعةِ المعلوماتِ المنشورة, التي يخلطُ الأعداءُ فيها بينَ الحقِّ والباطل, إما بنشرٍ موهوم, أو بشبهاتٍ صريحة، من قبيل ما نراه اليومَ من حالةِ الاستهزاءِ بفيروس (كوفيد19), أو الشكِّ بعدلِ اللهِ (تعالى) إلا نتيجةَ متابعةِ ما تنشرهُ بعضُ الحسابات المغرضة. ومن تدنى توجهُه الديني بكثرةِ الشك, تدنّى مستوى وعيه وثقافته حتى في الالتزام بالإجراءات الصحية؛ إذ إنّه يرى الوباء أكذوبة! وكذا عدمُ التورُّعِ في استخدامِ وسائلِ التواصل بين الجنسين يؤدي إلى اضطرابِ التوجه الديني, بل تديّن الشخص نفسه, إنْ لم يُراعِ الأحكام الشرعية -ذكرًا كان أو أنثى-. وقبل الختام نقول: ما أحوج المجتمع اليومَ إلى حُسنِ استخدامِ وسائل التواصل, وعكس ذلك على جميعِ جوانبِ الحياة, بنشرِ التفاؤل, والتذكير برحمة الله (سبحانه وتعالى), رويَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللهِ فَإِنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًا"(6). ومن الممكن أن يتمثّلَ ذلك الإحسان بعدّة أعمالٍ, منها: 1/ نشرُ آيةٍ قرآنيةٍ كريمةٍ يوميًا, تشيرُ إلى لُطفِ ورحمةِ الله (تعالى) بعباده. 2/ نشرُ روايةٍ شريفةٍ يوميًا, إما في حُسنِ الظنِ بالله (تعالى), أو في عدلِه (تعالى). 3/ نشرُ أفكارٍ للتكافل الاجتماعي, فلعلّ بمساعدةِ العبادِ بعضهم لبعض يدفعُ اللهُ (تعالى) البلاء عن الناشرِ والمساعِد. 4/ نشرُ التوصياتِ الوقائيةِ للحدِّ من انتشارِ الفيروس. 5/ استضافةُ بعض الأطباء, والدعوةُ إلى متابعةِ البث. 6/ تصميمُ محاوراتٍ قصيرة تتناولُ طُرقَ الوقاية والعلاج, ونشرها. 7/ نشرُ فيديوهات توعوية لكافةِ الفئات العمرية, مع التركيز على تثقيف فئة الأطفال. 8/ نشرُ استطلاعٍ للرأي العام بأحدِ المواضيع التي تُلامسُ واقعَ الحال المُعاش. 9/ العملُ على نشرِ ثقافةِ الدعاء, فالدعاءُ يردُّ القضاء. 10/ لابأسَ بنشرِ كاريكاتير لتقريبِ صورةِ الوقاية من الفيروس؛ إذ بعض الأحيان تكونُ الصورةُ أبلغ تأثيرًا. 11/ للدعاةِ دورٌ كبيرٌ في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فبإمكانهم اتخاذها منبرًا, من خلال تصوير البرامج, أو المحاضرات التي تحثُّ على الارتباط الوثيق بالله (سبحانه وتعالى), "فقد أوضحت نسبةُ نتائجَ بعضِ الأبحاث أنَّ هناك 19.2من مستخدمي وسائل التواصل يتابعون البرامج والمواضيع الإسلامية دائمًا، كما أنَّ هناك 28.9% يتابعونها أحيانًا"(7). 12/ بإمكان ذوي التخصصاتِ الأكاديمية نشرِ معلوماتٍ من صُلبِ اختصاصِهم تعودُ بالنفع على جمهور المتابعين, فالطبيبُ ينشرُ أعراض الفيروس وكيفية الوقاية منه. والمهندسُ ينشر كيفية تصميم مستشفيات خاصة لعزلِ المرضى المصابين. والمحامي ينشرُ عقوبةَ من يُخالف الإجراءات الصحية, وهكذا. *خلاصةُ الرسالة: وسائلُ التواصل الاجتماعي باتت كالصحيفة اليومية, فانظر ماذا تتابع, وماذا تنشر, وتذكّر قول الله (سبحانه وتعالى): {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}(8). وتذكر أيضًا قوله (تعالى): {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا}(9). فانتبهْ لنشرِك المتشائم لئلا يقتل روحًا متفائلة, أو يُساهِمُ في تشويشِ أفكارِها فتُصبِحَ ميتةً بجسدٍ حي. ____________________ (1) الكافي, ج2, باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم, ح1. (2) المصدر السابق, ج6, ص434, ح24. (3) ظ: الإدمان على الانترنت: للدكتور كمبرلي يونغ، وترجمه إلى العربية: هاني أحمد ثلجي, ص39. (4) ظ: بحثNegative Effects Of Social Media On Your Health: لديليالا فالكون, نشر في موقع: www.symptomfind.com. (5) مقال: التأثير السلبي على المجتمع, موقع: أرقام ديجيتال/ http://digital.argaam.com/article/detail/ 94664. (6) الكافي ج2, باب حسن الظن بالله عز وجل, ح3. (7) ظ: الآثار الاجتماعية للإنترنت: للدكتور عبد المحسن بن أحمد العصيمي, ص590-591. (8) سورة الجاثية: 29. (9) سورة المائدة: 32. اللهمّ صلّ على محمّد وآله, واجعلني من دعاتك الداعين إليك, وهداتك الدالّين عليك, ومن خاصّتك الخاصّين لديك يا أرحم الرحمين.
القضايا الاجتماعية
كورونا يسقط أقنعة الغرب..
بقلم: حسين فرحان كثيرةٌ هي الأقنعة التي ارتدتها دول الغرب ومن هم على شاكلتها، بدءاً من المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية في محاولة لتبييض ولو الجزء اليسير من تاريخها الدموي الأسود المليء بالجرائم والانتهاكات، فارتدت قناع الإنسانية الشهير الذي يمنح للقطط والكلاب حقوقها، وارتدت قناع حرية الرأي والتحرر من القيود ولو بامتثال الكنائس لواقع جديد تقرُّ به الزواج المثلي، وارتدت قناع الديمقراطية الذي ارتضته لنفسها وحرمت شعوب الأرض منه بالتدخلات والإملاءات، وارتدت قناع إغاثة الملهوف في بقاع الأرض عبر منظمات لم تنفك يومًا عن أجهزتها المخابراتية .. كان الغرب واضحَ الملامح بشكلٍ كبير، فهو دموي نفعي بامتياز، لا يؤمن سوى بالمادة وبقانون الغاب الذي يسحق الضعيف أينما وجد. وقد شهد العالم صراعاتٍ كانت هذه الدول في مقدمتها، وهي الأكثر دموية في تاريخه، ولعل أشهرها حرب الثلاثين عامًا التي وقعت في القرن السادس عشر وهي سلسلة من صراعاتٍ دامية مزّقت أوروبا من الإمبراطورية الرومانية وباقي الإمبراطوريات الأوربية آنذاك، وكانت حربًا دينية بامتياز في البداية، ثم تحوّلت إلى حربٍ سياسية اشتركت فيها كل من فرنسا وإيطاليا وهولندا، وقع ضحيتها خمسة ملايين إنسان .. كذلك شهد تاريخ الغرب (الإنساني) حربَ احتلال أمريكا الشمالية، وهي نزاعاتٌ عنيفة حدثت بسبب الصراع بين الهنود (الذين عُرِفوا باسم الهنود الحمر) والمستوطنين البيض القادمين من أوروبا على الأراضي الغنية الجديدة التي أصبحت فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية وراح ضحيتها ١١٢ مليون إنسان من قبائل الهنود الحمر. كما شهد تاريخهم اللامع حربًا دموية أخرى وقعت في القرن الثامن عشر، هي الحرب النابليونية وكانت عبارةً عن سلسلةٍ من الحروب التي وقعت بين دول أوروبا خلال فترة حكم نابليون بونابرت، وانتهت بهزيمته من قبل البريطانيين في معركة (واترلو) في عام 1815 وهي الأخرى خلّفت قتل خمسة ملايين ونصف مليون إنسان. تلتها في نفس القرن حرب التايبينغ التي وقعت جنوب الصين، وهي حربٌ أهليةٌ دينية واسعة ضد حكم مملكة كينغ بقيادة مانشو، وهي واحدة من أعنف الحروب والصراعات عبر التاريخ، راح ضحيتها أعداد كبير من البشر وصل إلى عشرين مليون ضحيةً. تلتها في مكانٍ آخر الحرب الروسية الأهلية التي وقعت في بدايات القرن التاسع عشر وكانت عبارةً عن مجموعة من المعارك بين البلاشفة الروس، والروس البيض، وانتهت بانتصار البلاشفة الذين أمسكوا بالحكم وقاموا بإعدام القيصر الروسي وعائلته، وخلّفت من الضحايا سبعة ملايين إنسان .. أما الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ - ١٩١٨ فهي الحرب التي تحوّلت من حربٍ تقليديةٍ بين الجيوش في ساحة المعركة بعيدًا عن المدن، إلى حرب مدن شارك فيها المدنيون مما أدى إلى سقوط الضحايا الذين وصل عددهم إلى خمسين مليون إنسان في أربعة أعوام فقط. ثم الحرب العالمية الثانية التي انطلقت شرارتها عام ١٩٣٩ وانتهت عام ١٩٤٥ لتنهي حياة سبعين مليون إنسان في أعوامها الست . هذا نزرٌ يسير من تاريخ هذه الشعوب، وهي صورتها الحقيقية التي حاولت تلميعها دون جدوى رغم انخداع البعض برونقها حتى تنكّر لواقعه ولدينه ولتراثه فصار يتبجح متغنيًا بتراثٍ غير تراثه وحضارةٍ قامت على الأشلاء والدماء. ونحن الآن في العام ٢٠٢٠ أي في بدايات قرن جديد والفترة الزمنية التي قضتها هذه الشعوب منذ انتهاء آخر حرب عالمية سنة ١٩٤٥ يبدو أنَّها لم تكن كافية لمحو تلك الصور المظلمة في تاريخها، فكورونا الفيروس الذي انتحل صفة الجائحة بامتياز وضع يده على تلك الأقنعة المزيفة (أقنعة الانسانية والديمقراطية والعدل والمساواة وغيرها) ليتلقفها بنتوءاته الصغيرة ويُلقي بها في مزبلة التاريخ ويقف شاهدًا على صورٍ حقيقية ومشاهد لصراعاتٍ جديدة على أقنعة الوقاية منه (الكمامات) فالأقنعة القديمة لم تعد ذات جدوى في تغطية الوجه القبيح لأنظمتها وشعوبها.. كورونا اليوم يشاهد تبادل الاتهامات بين الأقطاب التي ملكت مُقدرات الشعوب واقتصادها بأنَّه جزءٌ من مؤامرة كبرى.. كورونا يشاهد أيضًا قرصنة من نوعٍ جديدٍ تستدرج السفن والطائرات بالقوة لسلبِ حمولتها من الأجهزة الطبية والعقاقير والكمامات دون اكتراثٍ بالاحتجاجات الرسمية للدول المسروقة. كورونا يشاهد -في دول الغرب كذلك- الطوابير الطويلة التي بلغ طولها أرقامًا لم تعهدها البشرية في تاريخها تنتظر دورها في الحصول على احتياجاتها من الغذاء .. كورونا يشاهد تكالبًا على شراء الأسلحة الشخصية في أكبر إعلان عن أزمة الثقة والخوف من المجهول. كورونا يشاهد أكبر جريمةٍ بحق كبار السن وهم يتحولون إلى أرقامٍ كبيرة في إحصائيات الوفيات اليومية لإعادة ترتيب نفقات القارة العجوز والتخلص من هذه العالة الاجتماعية التي تستنزف المال الكثير! كورونا يشاهد سباقًا محمومًا لصناعة لقاح يقتله دون أن تخلو النوايا من فكرة استغلال كبرى للبشرية الخائفة. كورونا يشهد اتحادًا أوروبيًا مفككًا لا يلتفت لإيطاليا في محنتها ولا لإسبانيا، فما عادت الحدود مفتوحة كما كانت ولا الإنسانية المزعومة أثبتت وجودها. هذه هي حقيقة الغرب أمام فيروس كورونا الذي أثبت فشل نظامه الاقتصادي والاجتماعي، وأثبت إنَّ إنسانيته مجرد ادعاءات، وأنَّ تلك الجذور التي غُرست في أرض الحروب الدموية ما تزال تستمد منها ما يجعل الغرب برمته تحت طائلة عرقه الدساس حيث عجز هذا التطبع عن الصمود أمام تلك الطباع.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى