تشغيل الوضع الليلي
علم الإمام الجواد (عليه السلام)
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 1141
بقلم: صباح محسن كاظم
نستغرب أحياناً كثيرة عندما نرى هناك من الشباب الموهوبين دون العاشرة وهم يحققون الإنجازات العلمية في مختلف الاختصاصات، لذلك تُكرمهم الأمم والشعوب وتعمل على آلية (التسريع) في مراحله الدراسية المختلفة لمكافئتهم ،وتمنح بعضهم الدكتوراه الفخرية، وفي سيرة أهل البيت الأقداس -عليهم السلام-نجد النبوغ العلمي عند أئمتنا وقادتنا ورموزنا وفخرنا وعنوان هويتنا وهم بسن مبكرة كالحسن والحسين والباقر والجواد -عليهم السلام-ففي طفولتهم المبكرة بان نبوغهم العلمي والمعرفي والفكري والفقهي ،وإمامنا محمد الجواد-عليه السلام-في حياته القصيرة -25-سنةً، فقد ولد في عام 195هـ-وأستشهد في 220 هـ، وقد عاصر والده الإمام الرضا-عليه السلام- في مدة زمنية لا تتجاوز سبع سنين، وقد التصق به ينهل من علمه وفقهه وحكمته وفضائله ومناقبه، فكان وعيه وهو بصغر سنه للفقه والمسائل الفكرية والعلمية ، رغم إن القرآن الكريم علمنا في معظم نصوصه أن من يلهمه العلم لا يحدد بعمر معين، (وآتيناه الحكم صبيا) كما لدى النبي يحيى -عليه السلام- أو عند النبي عيسى -عليه السلام- وهو يتكلم بالمهد ، فالمعجزة خارقة لناموس الطبيعة...لذلك بعد شهادة الإمام الرضا -عليه السلام- اتجهت الأنظار والأبصار والأفكار واشرأبت الأعناق ببوصلة تجاه إمامنا الجواد- عليه السلام-، لذلك كانت مناظراته العلمية بين أصحاب الرأي والمذاهب المختلفة في الأحكام الشرعية ..ترجع إليه في التفسير وعند حل المعضلات التي تواجه الحكام والمجتمعات.
ففي عهد (المعتصم) يرجع إلى الإمام بالأحكام الفقهية والشرعية المشتبه بتفسيرها وغير العارفين بحلها،، فقد ورثوا العلم من النبي كابراً عن كابر...
جاؤوا بسارق فقال "المعتصم" أقيموا عليه الحد ،فاختلف علماء المذاهب بينهم على تحديد قطع اليد ،فكل أفتى برأيه المثير للارتياب، فجيء بالإمام الجواد -عليه السلام- فقال: إنهم أخطأوا جميعاً بالحد، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيُترك الكف ،فقال المعتصم: وما الدليل على ذلك؟ فقال -عليه السلام: قول جدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- السجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قُطعت من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تعالى ((وأن المساجد لله))، فأعجب المعتصم بذلك.
في خطبة الجمعة آلمني ما سمعته من الشيخ الدكتور عبد الأمير ، حينما قال عن المفكر الرفاعي إنه أحصى ما كتب عن شكسبير سنويا 5500 مقالة ودراسة و ما قدمه شكسبير هو 37 نصا كتابيا حسب قوله ، فيما كُتب عن النبي وآهل البيت منذ فجر الإسلام لليوم 12 ألف من المصنفات وهم معدن العلم والفكر !
أقول :يا لهول الصدمة المعرفية والفكرية ؛ ويا للجفاء والجحود لرموزنا من أقلام أبناء الإسلام.
اخترنا لكم

الطفولةُ في كربلاء.. الإمامُ الباقر انموذجًا عظيمًا
بقلم: شفاء طارق الشمري من المعروفِ أنَّ الاطفاَل يحملون أحاسيسَ رقيقةً، وينبغي أن يُجنبوا رؤيةَ مشاهد العنف والقتل أو حتى الشجار؛ لأنهم بلا شكّ سيخافون ورُبَما يمتنعون عن الكلام، أو حتى الطعام والشراب.. ويذكر علمُ النفسِ الأثرَ السلبي على الطفلِ فيما إذا شاهدَ مشاهدَ القتلِ والعنفِ والدماءِ، حيثُ تسببُ له الإرباك النفسي ويُلازمه الخوف دائمًا من القتل أو الخطف فيُصبحَ انطوائيًا منعزلًا عن الناسِ ورُبّما يُصابُ بالتوحد. لكن صفحات التاريخ تشهدُ، ولسان القلم ينطقُ، وأوراق الحقيقة تتقدّمُ في محكمةِ الإنسانية.. فما هو رأيّ علم النفس والإنسانية بسلبِ الطفولةِ، والقيام بمشاهدِ الرعب أمام الأطفال؟ فلقد شَهِدَ طفلٌ كربلاءَ بكلِّ أحداثها ورأى بناتِ الرسول (صلى الله عليه وآله) يتراكضن بين الخيامِ المحروقة، وكان قد شهِدَ فواجعَ الهاشميات بإخوتهن وأولادهن، يرى أعمامه وأجداده يسقطونَ واحدًا تلوَ الآخر، يرى جدّه الحُسين وحيدًا في ميدانِ القتالِ يُنادي: "ألا من ناصرٍ ينصرني" يرى عليلًا يُحاربُ سيوفَ المرض ليهُمَّ بالوقوفِ ثم يسقط، فقد أخذه المرض، كان يرى الظالمين وجُرأتهم على حزِّ رأسِ ابنِ بنتِ نبيِّهم، يرى الظالمين يرفعون رأسَ خيرِ الناسِ على الرماح .. يرى خيامًا تُحرقُ، ونساءً تُسبى، وأطفالًا تبكي، لم تحمل قلوب الظالمين أيَّ رحمةٍ أو شفقةٍ على أطفالٍ ونساءٍ ليس لهم ناصرٌ ولا معينٌ.. فحتى الطفولة قد قتلوها، وانتهكوا صرحَ القيَمِ الإنسانية، كيف لا وهم قتلوا طفلًا لم يتجاوز الستة أشهر من عمره، لا ذنب له سوى أنّ والده طلب له ماءً، فكان ردُّهم سهمًا يقطع نحرَ الرضيع، فكان عبدُ الله الرضيع أصغرَ شهيدٍ بطفِّ كربلاء، وأعظمَ شاهدٍ على الجُرمِ والوحشيةِ التي يُمارسها بنو أمية. وطفلةٌ كانت تبكي على أبيها فأتوها برأسه مقطوعًا! ولو أتيتَ برجلٍ يحملُ قلبًا قويًا وأريته رأس شخصٍ مذبوحٍ لرأيته يرتجفُ من الخوفِ.. فما بالك بطفلةٍ صغيرةٍ؟! فها هي رقيةُ بنتُ الحسين تنادي: أين أبي؟ فيؤتى لها برأسِ أبيها، فتحتضنُ الرأسَ باكيةً وللدنيا مودعة. وقيل: إنّ هناك أطفالًا داستهم الخيل بحوافرها، وأطفالًا فروا كأطفال مسلم بن عقيل، وآخرين لاقوا منيتهم من الظمأ فرحلوا عُطاشى.. ونجدُ أحدَ الأطفالِ راويًا، وعلى الظالمين داعيًا، وبيومِ الحشرِ مُذكرًا، فاعقلوا يا أولي الألباب .. حيثُ نجدُ طفلًا صغيرًا بعمر الأربعة أعوامٍ يروي أعظمَ مجزرةً عرفَها تاريخ الإنسان، هذا الطفلُ الذي كانَ قد شاهدَ كلَّ ما حدثَ في كربلاء، هذا الطفلُ الذي حارب بسلاحٍ عظيمٍ وهو سلاحُ البكاء؛ إذ لم يكنْ يملكُ إلا هذا السلاح، وذلك القلم الذي باتَ يُسجلُ أحداث الطف.. كان راويًا يروي ويمسكُ بقلمه فيبكي، أيُّ رزيةٍ هذه وأيُّ مصيبةٍ تدفعُ طفلًا لأن يروي فاجعةً أرعبتِ الرجال. كان يسمعُ صوتَ تلاطمِ شرارةِ السيوف التي باتتْ تحدثُ برقًا ورعدًا بينها.. ويرى القمرَ ارتفع من جوارِ الماءِ وحلَّق في ملكوتِ السماء.. كان يرى تلكَ المرأةَ الشامخة التي تقفُ لتنظرَ إلى الواقعةِ بشكلٍ متكاملٍ، كانت ترى بوضوحٍ ألوان هذه اللوحةِ من الدماءِ الطاهرةِ، الكلُّ ينتظرُ منها صرخةً، الكُلُّ ينتظرُ منها دمعةً، لكنّها ردتْ عليهم قائلة: "والله ما رأيتُ إلا جميلًا " كان يرى مشاهدَ قاسيةً حيثُ كانتْ زينبُ (عليها السلام) مقيدةً والإمام السجادُ (عليه السلام) مقيدًا، وقد توّرمت قدماه، وسالت منه الدماء، وهم يضربونه بالسوط.. كانت حرارةُ الشمس الحارقة تسقطُ عليهم، كانوا يمرّون من بلدٍ إلى بلد، يشمتُ بهم الأعداءُ.. كان الأعداءُ يضربون الأطفال والنساء، وكانتِ الأشواكُ التي في الطريقِ تُمزِّقُ أقدامَهم، ولم يبقَ حجر إلا وقد تعثّروا به .. كم رأى هذا الطفلُ من مصائبَ والآلامٍ؟! كان الظالمون يجهلون هذا الطفلَ و يجهلون مقامَه وعلمَه، كان هو يرسمُ لوحةَ الطفِّ رغمَ حرارةِ الورق وبكاءِ الألوانِ الدامية فيها، لكنّه أحسنَ رسمَها ونقلَها للتاريخ، كان يستمعُ ويرى، ولا ينبسُ ببنتِ شفة سوى دموع عينيه الشريفتين؛ لأنّه مُدرِكٌ أنّه سيأتي يوم يقفُ فيه الظالمون بين يديّ الله تعالى ليجدوا حسابًا عسيرًا كان يرى نورًا من جسدِ الحُسينِ (عليه السلام) يُعانِقُ السماء، الحُسينُ (عليه السلام) يُكلِّمُ الملائكةَ بلغةِ الملكوت، وفتحَ أبوابَ السماءِ لمن استشهد بين يديه.. مشهدٌ أخيرٌ يُكملُ لوحةَ هذا الطفل، حينما ألقت السيدةُ زينب (عليها السلام) تلك الخطبةَ التي اتسمت بالشجاعةِ العلوية، والروح الفاطمية، ثم اعتلى زينُ العابدين (عليه السلام) منبرَ الكلماتِ وخطَّ أروعَ ما كتب في صُحُفِ السماء.. كان التاريخُ يروي أحداثه، والطفلُ يشهدُ وينقل للأجيالِ قصةَ معراجِ الدم.. وأنهى كتاب الدماءِ بقوله: "قُتِلَ جدّي الحسين ولي أربعُ سنين، وإنّي لأذكرُ مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت" وخشعتِ السماء، فقد رأى كربلاء بكل رؤاها .. وشهد طفلُ كربلاء قتلَ الطفولةِ والإنسانيةِ، فكان الإمامُ الباقر (عليه السلام ) نموذجًا يُمثِّلُ الطفلَ في واقعةِ كربلاء، حيثُ كان مصداقًا يروي ما جرى في كربلاء ومصرع سيد الشهداء، فكان أعظمَ راوٍ لفاجعةِ التاريخِ الأليمة التي أضحتْ منهجًا فكريًا وثوريًا في طريقِ كُلِّ إنسانٍ حر، وأعظمَ شاهدٍ على هذه المجزرة التاريخية .. وكان لكربلاء أثرٌ أليمٌ وعظيمٌ على طفولة إمامنا الباقر (عليه السلام )، لكن هل منعه ذلك من إيصال رسالته؟ هل بقي يعيشُ ذكرياتِ الطفِّ دون أنْ يوصلَ مفهومَ الطفِّ إلى الناس وسبب نهضة الإمام (عليه السلام)؟ كلا، بل قدّمَ من العلوم ما جعل من قال فيه: إنّه بقر العلم بقرًا.. ونجدُ الإمامَ يوصلُ رسالةً عظيمةً، فرغمَ قسوةِ ما قاساه من ألمٍ ومصيبةٍ في كربلاء نجدُه يُفهِمُ الناسَ فكرَ الحُسين (عليه السلام) ومكانتَه التي حاولوا تشويهها فصدّق أهلُ الجهل وفاقدو البصيرة، فكان الإمامُ الباقر (عليه السلام) يروي للناسِ أحداثَ الطفِّ ويحدثهم بما جرى من مصائب.. كان يبثُّ في الناسِ روحَ القيَمِ والمبادئ الحسينية، ويحثُّهم على زيارةِ الحُسين لكي يستلهموا من فلسفةِ الثورة والقيم التي تركها الإمام حيثُ يقول: "مروا شيعتنا بزيارةِ الحسين بن علي، وزيارته مفروضةٌ على من أقرّ للحسين بالإمامة" وبعد رحلةٍ من العناء طويلة، وبعد البكاء والآلام والظلم، وبعد رحلةٍ قاسية في هذه الحياة، شهدها الإمامُ الباقر(عليه السلام)، ها هو في اليوم السابع من شهر الله شهر ذي الحجة، قد سرى السمُّ في عروقِه على يدِ طاغيةٍ من طغاةِ عصره.. ها هو في لحظاتِه الأخيرة، يجلسُ بقربِه ولده الإمامُ جعفر الصادق (عليه السلام)، ها هو الإمامُ يوصي ولده بأنْ يُكفِّنَه في ثلاثة أثواب، أحدُها رداءٌ له جدة، كان يُصلّي فيه يومَ الجمعة، وثوب آخر وقميص، وأوصى أنْ يُشقُّ له القبر شقًا، وأضاف فإنْ قيل لكم إنّ رسولَ اللـه لحد له فقد صدقوا. وأوصى أنْ يُرفعَ أربعة أصابع، وأنْ يُرشَّ بالماء، وأنْ يوقفَ من أموالِه قدر لكي تندبه النوادب بمنى عشر سنين أيام المنى.. ومن وصاياه لابنه الصادق (عليهما السلام): "يا بُنيّ إنّ اللهَ خبّأ ثلاثةَ أشياءٍ في ثلاثةِ أشياء: خبّأ رضاهُ في طاعته، فلا تحقرنَّ من الطاعةِ شيئًا فلعلَّ رضاءَه فيه، وخبّأ سخطَه في معصيتِه فلا تحقرنَّ من المعصيةِ شيئًا فلعلَّ سخطَه فيه، وخبّأ أولياءه في خلقِه فلا تحقرنَّ أحدًا فلعلّه ذلك الولي". ها هو باقرُ علمِ الأنبياءِ والاوصياءِ الذي وهجت كلماتُه وعلومُه كتبَ المعارفَ فأنارتها ها هو سيّدُ العلومِ يُمدِّدُ رجليه، وينطقُ الشهادتين، وتفيضُ روحُه الطاهرةُ إلى الباري، يودِّعُ الإمامُ الحياةَ ليعرجَ إلى كوكبِ النور الإمام الحسين (عليه السلام) بعد سنواتٍ من الشوقِ .. ها هو يلتقي بسيّدِ الشهداءِ في ملكوت الله.
اخرى
من أسئلتكم (من هم الأخسرون أعمالاً؟)
السؤال: من هم الاخسرون أعمالا؟ الجواب عند تتبع آيات موضوع الخسارة في ثقافة القرآن الكريم نجد أنها ليست بالقليلة، ولو تأملنا في موارد ذكرها نجد انها تقع في قبال الفلاح. فالفلاح هو حالة استقامة في النجاح اي بلوغ النجاة وحسن الخاتمة للإنسان عند انتقاله من هذا العالم الى العالم الاخر. وبتعبير آخر: مفهوم الخسران المطروح في القرآن الكريم مرتبط بالجزاء الأخروي للأعمال، لا الاثر الدنيوي الذي يترتب على ما يصدر منا من افعال ووفق سنة الاسباب الطبيعية. فهناك (خسران بناء) أي يُخفق الإنسان في مرحلة أو في خطوة من خطوات مسيرته فيعمل على التصحيح، أي هناك فرصة لتحصيل التعويض والانتفاع مما وقع. ولكن في ثقافة كتاب الله تعالى هو يتحدث عن (الخسران الهدام) الذي لا يمكن ان يُصحح او يُعوض إذا وقع فيه الانسان ولم يتجنبه، وهنا تكمن خطورة هذا الخسران. لقد ورد استعمالات مفردة (خسر) في القرآن الكريم بثلاث صيغ (١): ١- مفردة (خُسْر) اي ان الانسان في نقصان دائم في اصل رأس ماله وهو العمر، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} العصر:2. ٢- مفردة (خْسَر) تعني الانقاص في الميزان اي في المعاملات التجارية المالية سواء بالبيع بعدم الانصاف بالعطاء، او بأخذ اكثر من الاستحقاق، كما في قوله تعالى:{وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}المطففين:3. ٣- مفردة(خَسِر) تعني بمعنى الهلاك والضياع، كما في قوله تعالى:{...فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} غافر:78. مواضع استعمال مفردة الخسر في القرآن الكريم الموصلة لمعرفة اسباب الخسر بشكل عام: ١• الشرك في عدم جعل الأعمال خالصة لله تعالى: قال تعالى: {... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}الزمر: 65. ٢• سوء الظن بالله سبحانه بما يرتبط بإحاطته وعلمه المطلق بما نعمل في السر والعلن قال تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} فصلت:23. ٣• عبادة غير الله تعالى ففي ذلك لن يصل الانسان لغاية وجوده قال تعالى:{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}الزمر: 15. ٤• في الصدود والتمرد بعدم قبول وطاعة اوامر الله ورسله من قبل تلك الاقوام وهنا اتى بمورد أخذ العبرة قال تعالى:{ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ(8)فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا}الطلاق:9. ٥• الغفلة عن ذكر الله على أثر الانشغال بزينة الدنيا المتمثلة بالمال والبنون قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} المنافقون:9. ٥• التكذيب بآيات الله الدالة عليه والهادية الى صراطه المستقيم قال تعالى: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} يونس: 95. ٦• تكذيب رسل السماء {الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ} الأعراف: 92. ٧• اتباع غير حجج السماء من الرسل والانبياء والاوصياء من اهل الترف والاستكبار قال تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} نوح:21. ٨• طاعة الكفار يوجب الخسران كما في قوله تعالى:{ يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَـابِكُمْ فَتَنقَلِبوُاْ خَـاسِرِينَ} آل عمران:149. ٩• نصب المكائد لإيذاء حجج السماء قال تعالى:{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} الأنبياء: 70. ١٠• الظالمون الذين يصدون الناس عن السبيل المستقيم المتمثل بدين الله وشريعته واحكامه، وابداله بسنن ابتدعوها وفق اهوائهم ونزواتهم قال تعالى:{ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ(19) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ(21)لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ} هود :22. ١١• اتباع خطوات الشيطان والدخول في ولايته قال تعالى:{وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} النساء: 119. ١٢• الجهل بشريعة الله تعالى وبالتالي العمل بغير ما شرع الله تعالى مما يوافق اهواءهم ومنافعهم الشخصية قال تعالى:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}الأنعام: 140. ١٣• الامم التي تنتمي لشرائع سماوية لكنها لم تؤمن بالشريعة الخاتمة وبالنبي الخاتم المذكور عندهم. قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}الأنعام :20. ١٤• عدم الانتفاع بالقرآن الكريم على أثر ظلم هؤلاء لأنفسهم بعصيانهم وعدم ايمانهم بما يتلى عليهم من هدى قال تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}الإسراء: 82. ١٥• عدم العمل بمنهج دين الاسلام يوجب الخسران قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران: 85. ١٦• المبطلون للحق (اي الذين ابطلوا الحق بنشر عقيدة الباطل والذين كذبوا بالأنبياء وسخروا من كلامهم)(٢) قال تعالى:{... فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} غافر:78. ١٧• الكفر بنِعمة الوجود الذي كرم الله تعالى بها بني البشر بأن جعلهم خلفاءه في ارضه، حيث ان " الخلافة لا تنفك عن اصل الخلقة، فلا يمكن فصل الخالق الذي اوجدهم عن كونه هو المُستخلف لهم في ارضه"(٣). قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا } فاطر: 39. ١٨• الجحود بنعم الايمان قال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} المائدة: 5. حيث إن من معاني الكفر هو الجحود بالنعم، اي عدم شكرها بالعمل بها بما يصب في نفع الغير بل و تسخيرها في ما فيه فساد. ١٩• الذي لا يؤمن بالحق الذي اتى به القران الكريم المنزلة من الله تعالى من وعيد وانذار وتبشير عبر الرسل، فهو سيكون خاسراً إذا انتقل للعالم الاخر ورأى حقيقة ما كان يدعى اليه. قال تعالى:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}الأعراف: 53. ٢٠• الاعراض وترك الحق بعد معرفته قال تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ} البقرة:64. ٢١• اصحاب الايمان المتزلزل/السطحي قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الحج: 11. اي الايمان الذي لم يستقر في القلب فيحقق الاطمئنان النفسي سواء في الرخاء او البلاء لأنه سيخسر الدنيا لأنه يعيش بقلق دائم ويخسر الاخرة لأنه لم ينجح بفهم ان الدنيا دار ابتلاء فيتقبل الابتلاءات جزءً من حياته. ٢٢• الظلم قال تعالى:{...وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} الشورى:45. فعن امير الكلام(عليه السلام) أنه قال: اخسركم أظلمكم.(٤) ٢٣• الذي يقر لله تعالى بإيمانه في الاخرة اي بعد انتهاء الامتحان الالهي في الدنيا قال تعالى:{فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} غافر: 85. فسنة الله في الدنيا قائمة على الاختبار والاختيار، اما الاخرة فهي دار الجزاء فإن لم يختر الانسان الايمان وينجح بهذا الاختبار في الدنيا خسر فرصته بشكل نهائي. ٢٤• عدم الايمان بالمعاد واتى في موارد عدة منها: قال تعالى:{وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ}الجاثية: 27. ٢٥• التكذيب بلقاء الله، وقد اتى في موارد عدة منها: قال تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}يونس: 45. والتكذيب هنا ينتج عنه سلوك عملي خاطئ، لأنه لن يتزود بالعمل الصالح. فعن النبي(صل الله عليه وآله): الخاسر من غفل عن إصلاح المعاد.(٥) ٢٦• عند العدل في ميزان البيع والشراء قال تعالى:{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} الشعراء: 181. قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}الرحمن:9. هنا الآية تحذر من انقاص وبخس الناس حقوقهم في المعاملات التجارية، وقد تبين في المقدمة ان ثقافة الخسر تتحدث عن الاخرة وهنا تتحدث عن فعل ذلك في الدنيا ولكن في قوله تعالى:{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(١)وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}المطففين:3، ونرى ان هذا المصداق فيه تحذير من بلوغ الهلاك في الاخرة اي تتحدث عن اصل مفهوم الخسران في الاخرة على اثر هذا فعل الاخسار بحق الاخرين. فعن النبي(صلى الله عليه وآله) انه قال: قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل.(٦) ٢٧• قتل النفس الانسانية بغير حق قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} المائدة:30، " وذلك على اثر التدرج في الاصغاء لوساوس النفس التي عبر عنها (طوعت) حتى تمت الطاعة والانقياد لأمرها وارتكاب ما فيه الخسران".(٧) ٢٨• في فقدان الانسان لرأس ماله وهو العمر قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} العصر:2. ٢٩• الذين لم يتزودوا لحياتهم الاخرى، واتت في موارد منها: قال تعالى:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ(8)وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ}الأعراف: 9. والوزن هنا عبر عنه بالحق " اي الوزن يكون للعمل دون العامل سواء كان العمل خير او شر، ولان الذي يثقل الميزان ما كان موافق للحق لذا فالذي لم يقدم عمل صالح ميزانه يبقى خفيف وبتالي يخسر العامل نفسه" . (٨) فعن النبي(صلى الله عليه وآله) انه قال: المنفق عمره في طلب الدنيا خاسر الصفقة عادم التوفيق.(٩) ٣٠• عدم بلوغ المغفرة والرحمة الالهية على اثر الجهل بالحاجة الدائمة لله سبحانه والافتقار اليه على كل حال واتت في موارد ثلاثة منها: قال تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف: 149. ٣١• اصحاب النظرة الضيقة المحصورة بعالم الدنيا ممن كفروا بآيات الله تعالى ولم يوقنوا بتحقق لقائه قال تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا }الكهف: 105. إن لمفردة (الخسر) في القرآن الكريم مراتب هي: (خسر، الخسران، الخسران المبين، الأخسر، الاخسر اعمالاً) ومن هنا نلحظ: أن الأخسرين اعمالاً قد وردوا في مصداق واحد، وهذا الخسران متوقف على كيفية التعامل مع الدنيا ومع آيات الله والايمان بلقائه سبحانه وتعالى. فقد ورد عن الإمام الهادي(عليه السلام) انه قال: «الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون»(١٠) والقران الكريم يعطينا عناصر البضاعة المزجاة التي لا تنفع للمتاجرة بها والتي تسبب هذا الخسران عبر هذه الاسباب الثلاثة بقوله تعالى:{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ}(البقرة:86). وفي قوله تعالى:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا...فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (البقرة:90). كيفية تجنب الوقوع في خسران الاعمال؟ وذلك من خلال معرفة كيف نبلغ الفلاح ونكون من المفلحين، وذلك بتتبع سمات المفلحين في ثقافة القران الكريم، وهي كالتالي: ١- تحقق حالة الايمان قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}(المؤمنون:١). ولو تتبعنا خصائص المؤمنين المفلحين لوجدنا انها هنا تحل محل خصال الخاسرين، فذكر الله تعالى الدائم وحالة الوجل والتوكل، كما في قوله تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال:74) هي خلاف الإيمان على حرف والغفلة، وخلاف الاستكبار والعناد. ٢- الكون من حزب الله. كما في قوله تعالى:{ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(المجادلة:22) إما خصائص حزب الله فهي: أ - الإيمان بالله ورسوله وإتباعه في قوله تعالى:{ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (المائدة:56). ب- التبري من أعداء الله ورسله في قوله تعالى: { لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(المجادلة:22)، لكي لا يخسر الانسان بالدخول في ولاية الشيطان واولياءه من الانس. ٣- الطاعة لله ورسوله. قال تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157)، وهذه خلاف من يطيع الكافرين. ٤- الاتباع للنبي (صلى الله عليه وآله) والإيمان به ونصرته له باتباع النور الذي انزل معه (القران والعترة) والمهتدين بهدى الله والموقنين بالجزاء. قال تعالى:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ.... فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(البقرة:4). ٥- الايمان بما انزل من الحق المتعال والايمان بالمعاد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4)أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} (البقرة:5). ٦- الذين يدعون للصلاح ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. قال تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران: 104). خلاف الخاسر الذي يصد عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً كما ورد . ٧- الايثار الذي يوجب عدم التعلق بالدنيا في قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (التغابن:16). ٨- الذين ثقلت موازينهم بالأعمال الصالحة قال تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (المؤمنون:102). نسأل الله تعالى ان يبعدنا عن الخسران ويرزقنا الكون من اهل الفلاح والايمان... __________ (١)قاموس المعاني الفوري مجال البحث مصطلحات المعجم الوسيط: رابط(https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/خسر/)(بتصرف). (٢) مختصر تفسير الميزان: ص١٣٩(بتصرف). (٣) مختصر تفسير الميزان: ص٣٤٦(بتصرف). (٤) تفسير المعين ص٤٦٠ نقلاً: عن غرر الحكم. (٥) نفس المصدر، نقلاً عن: تنبيه الخواطر: ص٣٥٩. (٦) نفس المصدر، نقلاً عن: البخاري:٣٤١٤. (٧) مختصر تفسير الميزان: ص١٣٩(بتصرف). (٨) مختصر تفسير الميزان: ص١٩٠(بتصرف). (٩) تفسير المعين ص٤٦٠، نقلاً: تنبيه الخواطر: ص٣٥٩. (١٠) تحف العقول، ص361. فاطمة الركابي
اخرى
الإمامة روح الإسلام
بقلم: رضا الله غايتي لم يبعث الله تعالى رسولًا من رسله (عليهم السلام) إلا ومن أَولى أولوياته الدعوة إلى عبادة الله (جل وعلا) الواحد الأحد التي تسهم في الارتقاء بالبواطن البشرية وتحقيق العدالة الاجتماعية. قال تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" (النحل36) وقد شاءت حكمته (عز وجل) أن تُختم الأديان السماوية بدينٍ ذي محتوى رصين، ومنطقٍ متين، تخضع له كل الأديان السماوية المحرفة، وينتصر على جميع الأفكار الأرضية المنحرفة. دينٌ به لا يُعبد على الأرض سوى الله الواحد، ذلك هو دين الإسلام الخالد، إذ قال: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله" (التوبة33، الفتح28، الصف9) وبذا كان دين الإسلام علةً لتحقيق حلم جميع الأنبياء والأولياء (عليهم السلام). ومن المعلوم أن العلة في حال تمامها -أي تحققها بجميع أجزائها (المقتضي واجتماع الشرائط وارتفاع الموانع)- لا يمكن أن ينفك عنها المعلول أبدًا، فإن تحققت تحقق وإلا فلا. وقد أجمع مفسرو الإمامية أن دين الإسلام لم يكمل ولم يرضَ الله تعالى به دينًا إلا بعد تنصيب الإمام علي (عليه السلام) في غدير خم، وقد وافق هذا التفسير روايات صحيحة عند أهل السنة منها ما نقله (الحافظ «أبو نعيم الأصفهاني» في كتاب «ما نزل من القرآن بحق علي(عليه السلام)» عن «أبي سعيد الخدري» وهو صحابي معروف -أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) أعطى في «يوم غدير خم» عليًّا منصب الولاية، وأنّ الناس في ذلك اليوم لم يكادوا ليتفرقوا حتى نزلت آية "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" فقال النّبي (صلى الله عليه وآله) في تلك اللحظة: «الله أكبر على إِكمال الدين وإِتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي(عليه السلام) من بعدي» ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله» (1). كما روى «الخطيب البغدادي» في «تاريخه» عن «أبي هريرة» عن النّبي (صلى الله عليه وآله): أنّ آية "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...." نزلت عقيب حادثة «غدير خم» والعهد بالولاية لعلي (عليه السلام) وقول عمر بن الخطاب: «بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم» (2). ولقد حاول المخالفون جهدهم قصر كلمة المولى في الحديث أعلاه على معنى المحب فقط؛ لانتزاع مقام الإمامة منه (عليه السلام). ويا لها من محاولةٍ بائسة هي أشبه بمحاولة حجب ضوء الشمس بغربال! فبالرغم من أنّ كلمة (المولى) مشترك لفظي إلا أنّ القرائن الحالية والمقالية في الواقعة تؤكد أنّ المعنى المراد هو الأولى بالتصرف؛ ولذا وجب على من يخالف ذلك أن يثبت بالدليل صحة دعواه، ودونه خرط القتاد. وعليه فقد أصبح الإسلام علةً تامة بجزأين أساسيين هما: البعثة النبوية ويوم الغدير. فلولا وجود البعثة لما كان الإسلام، ولولا يوم الغدير لما كَمُل، ولكان علة ناقصة. والعلة الناقصة لا يلزم منها وجود المعلول وهو إظهار دين الإسلام على الدين كله. من هنا يمكننا فهم جعله سبحانه عدم تبليغ الإمامة بمنزلة عدم تبليغ الرسالة من رأس. إذ قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ" (المائدة67) أضف إلى ذلك أن الإمامة هي الامتداد الشرعي للنبوة؛ فهي التي تصون الدين من أن تطاله يد التحريف، وتذود عنه، وتفنّد كل ما ينسب إليه من أباطيل وتزييف، بل وأن من سيظهر الدين على يديه إنما هو إمامٌ (عجل الله فرجه الشريف). لكل ذلك: إن كان الإسلام قالبًا فقلبه الغدير، وإن كان جسدًا فروحه الغدير... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)الغدير العلامة الأميني ص232 نقلًا عن الأمثل ج3 ص588 (2) المصدر السابق ص233
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى