تشغيل الوضع الليلي

ليلة توضأت بالحزن

منذ 3 سنوات عدد المشاهدات : 231

بقلم: زينب العارضي
يا لها من ليلةٍ توضأت بالحزن وتسربلت بالألم، ليلةٌ في ساعاتها المقبلة دويُّ مصابٍ جلل يحار في وصفه القلم، فإمامنا عليٌّ (عليه السلام) يعتزم الرحيل في ليلةٍ من ليالي الصيام، سيبكي الكون كله فقد الإمام، وسترتشف جبهة الحقِّ غُصةً من غدر الشيطان، ويتنفسُ النفاق وينوحُ العرش والميزان، ستفلق هامة الأمير وتتخضب لحيته بدمائه وهي تنعى رحيل الإنسان.
سيدي أبا الحسن، أربعة عشر قرنًا من أعمدةِ القرون بلحظاتها وأيامها وساعاتها، ذابت كما تذوبُ حبة الملح في وسط المحيط، ولما يذُب بعدُ حرفٌ من حروف اسمك الكبير.
فكلِّ حرفٍ انزلق على شفتيك الطاهرتين يا أبا السبطين، يأبى أنْ يتقلص في زمانٍ أو مكان، ويبقى عصيًا على النسيان، مُصرًا أنْ يضيء دنيا الإنسان؛ لأنه يحمل عنك القيم والأنوار، واعتلاجات حقيقة الحياة وهي أبعدُ من أنْ يحصرها إطار، وكانت: "فزت ورب الكعبة"، آخر كلماتك في محراب الشهادة، تقول لنا: إنَّ الموت للصالحين حياةٌ وولادة..
سيدي، تُرى كيف انطفأت شعلة الحياة من قلبك الذي وهبَ للدنيا الحياة؟!
كيف توارى النور من عينيك اللتين استعار النور منهما بهاءه فأضاء الحالكات؟
كيف ارتخت يداك التي ما فتأت تقبض على السيف والرغيف؛ لتقتل بالأول الجهل، وتوقد بالثاني في قلوب البؤساء الأمل...
مولاي هل هي النهاية القصية؟ أم هي البداية المتألقة البهية؟
لا والله، لا نراها إلا بداية المجد والخلود، والتحرر من وجع الدنيا وكلِّ القيود، ورحلة السعادة الأبدية بجوار المعبود..
سيدي، سلامٌ عليك وأنت ترى الليلة التي وعِدتَ بها، فتنهض قاصدًا مسجد الكوفة لرؤيتها، تنزلُ إلى باحةِ دارك، فتستقبلك الإوز مرفرفات بأجنحتهن، بأصواتٍ عالية يصِحن، وكن من قبل لا يفعلن ما فعلن! وكأنهن بصياحهن، يُطلقن الاستغاثة، أو يحذرن من مجهول، فتُتمتم وتقول: صوائحُ تتبعها نوائح... وتمضي باتجاه الباب قاصدًا المحراب فيتعلق بمئزرك، وكأنّه يريد بقاءك، ويرفض خروجك خوف فراقك، فتشدّه وتمضي إلى مقصدك، وتقول بلغة الشوق إلى لقاء ربك: "اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لنا في لقائك".
وتدخل المسجد فتصعد المئذنة وتؤذن للمرة الأخيرة، فلا يبقى بيتٌ في الكوفة إلا اخترقه صوتك، ثم تنزل لتتفقد النائمين في المسجد المعظم، وتدعوهم للمثول بين يدي الرب الأعظم، ولما تصل إلى الشقي ابن ملجم، تراه نائمًا على وجهه، وقد أخفى سيفه تحت إزاره، فتقول له: يا هذا قم من نومك هذا؛ فإنّها نومةٌ يمقتها الله تعالى...
عجبًا لشمسِ عطائك يا علي، كيف تشرق على الفاجر والتقي؟!
عجبًا لقلبك يا كرار؟ كيف يفيض بالعطاء على الأخيار والاشرار.
وتخفُّ مسرعًا للقاء الله تعالى، فللمناجاة طعمٌ لا يفقهه كلُّ أحدٍ، و للقاء الرحمن لذةٌ لا تضاهيها أية لذة، وتستغرق في وصال المعشوق، وتشغل بلقائه عن المكان ومن فيه، وينتهز الشيطان الفرصة فيوسوس لأتباعه ومريديه، فيستجيب ابن ملجم ويُعلن الطاعة لمن تولاه، ويحرك سيفه المشؤوم ليهوي به على من عفَّر بحب الله تعالى الجباه ..
وهويت في المحراب، وبدت جراحك عظيمةً، تعلن قرب الرحيل والغياب، وارتفعت أصوات البكاء وضجَّ الناس بالعويل؛ فإمامُ القلوب يستعدُّ للرحيل الطويل..
تُحمَلُ جريحًا إلى منزلك، ويخيم الحزن والأسى على قلوب أهلك، ويأتي الطبيب، ويعمل جهده لإنقاذ الإمام الغريب، ولكن هيهات هيهات لقد استشرى السم، وها أنت طريحُ الفراش تعاني شدة الألم، تتهيأ للفراق، وتذرفُ من قلبك التواق، إلى لقاءِ الأطهار دموعَ الاشتياق، وتشتدُّ الآلام ساعةً بعد أخرى، وتنهمرُ الدموع من العيون حرّى، ويرتعشُ قلب زينب الكبرى، فتجلس إلى جنبك وتمتلئ لمرآك حسرة، وهي تراك بتلك الحالة المرة، وتصغي إليك وأنت تحدثها بما ينتظرها في قابل الأيام، وتعهد إليها بإكمال مسيرة أخيها ونصرة الإسلام.
وتفيض عينك وأنت ترى العباس (عليه السلام)، ثم تغمضها بسلام، فتمتلئ الأرواح بالحسرات والآلام، وتتطلع العيون ليوم الظهور حيث ستعود مع حفيدك الموعود (عليه السلام).

اخترنا لكم

التربية بين الماضي والحاضر

بقلم: قاسم المشرفاوي سنوات تمضي، تمضي معها الأيام بحلوها ومرها وبفرحها وحزنها، سرعان ما ترحل تلك الأيام تاركة وراءها الذكريات بشقيها الجميلة والمؤلمة، تتذكر كل مواقفك التي كانت مع زوجتك، أولادك، بناتك، جيرانك، وأهلك وأقربائك وكل من تحدثت معه وترك أثرًا جميلًا فيك، سنوات رحلت بسرعة وسنوات نعيشها الآن تحمل بين طياتها أشياءً نجهلها ولكن نسعى فيها طالبين التوفيق من الله تعالى، بين الماضي البسيط والحاضر المختلف في تركيبه تمامًا، فقديمًا كانت الحياة تحمل جمالًا ورونقًا يتمثل ببساطتها بكل جوانبها واتجاهاتها. في الماضي كان الآباء والأمهات يتعاملون مع أبنائهم بمعرفتهم البسيطة، فالزمن في الماضي يخلو من التعقيد والتشابك الذي نشهده اليوم، فالماضي يخلو من مثيرات اليوم ومغرياته... التربية اليوم لا تخلو من الصعوبة والمشقة بسبب كثيرة الفتن والانفلات الاجتماعي الذي حدث بسبب الاستخدام الخاطئ للتكنلوجيا وسوء إدارة الاسرة وإهمالها من قبل الأبوين، فالدور الذي يقوم به الكثير من الآباء هو دور ضعيف يقتصر على توفير الخدمات الفندقية فقط دون العناية بالجانب الروحي للطفل، وهذا ما يسبب تفكّك الروابط الأسرية بسبب غياب الترابط الروحي والنفسي بين الأبوين والأبناء. قديمًا كان الأطفال يمارسون اللعب بكرة القدم أو يمارسون السباحة أو بعض الألعاب البسيطة التي كانت سائدة في تلك الفترة، فلا وجود لعالم معقد يحتوي الحسن والسيء كما نشاهده الآن في الانترنت، فوجود فرص تساعد على انحراف الأبناء قليلة لقلة وسائل الفساد كالتلفاز والانترنت وما يحتويه من أساليب شيطانية كثيرة تتطلب الوعي والمعرفة من الكبار قبل الصغار. وبعد اطلاع الشباب المسلم على معتقدات الغرب تأثر بشكل كبير في ظواهره السلبية كالميوعة والدلع لدى الفتيان والذي يعد شذوذا على الطبيعة البشرية، إذ نرى البعض من الشباب يحاول تقليد الفتيات في لبسها ومشيتها وتسريحة شعرها! وما هذا إلّا ردة فعل للتحول والتجديد الذي أثارته بعض الدول في جواز اعتناق ما تؤمن به ولو كان مخالفًا للذوق العام. لذلك تطلّب من الأهل بذل مزيد من الجهود في تربية الأبناء من أجل المحافظة عليهم وبناء القيم الأخلاقية وغرسها في نفوسهم منذ الصغر. يحتاج الآباء والأمهات إلى التعاون والتكاتف والتعاضد من أجل النهوض بالأسرة إلى بر الأمان، فالفتن كثيرة جدًا وعلى الأهل الانتباه والحذر الشديد من أجل تحصين أبنائهم وصيانتهم من الانزلاق نحو الهاوية. وقد نُسب إلى مولانا الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حديث تربوي يتناسب مع هذا الشأن حيث قال: "لا تقصروا أبناءكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم" فالآداب يمكن أن تتغير من زمن لآخر، فالملابس وأسلوب الأكل اختلف عن السابق، فلا يمكن أن أمنع ابني من لبس البنطلون الآن أو أمنعه من الأكل بملعقة مادامت هذه الآداب تتماشي مع الشريعة، فالوضع يتطلب أن أسير مع التطور الحاصل مع مراعاة الحفاظ على هويتنا الإسلامية. ويمكن أن نلخص ما يلزم على الأبوين في زمننا الحاضر أن يفعلوه: ١- أن يطوروا من مهاراتهم التربوية وفقًا لتطور الوضع وتقدم التكنلوجيا. ٢- أن يضعوا قوانين واضحة ومحددة ومختصرة للبيت يمكن تطبيقها من قبل الأولاد، على أن يتم تعليقها في مكان يكون أمام نواظرهم لكي لا يتم نسيانها وأن تتم المعاملة مع الموضوع بحزم وبدون تراخي. ٣- أن يلتزم الوالدان بتلك القوانين أولًا، فلا يمكن أن نطالب الطفل بالالتزام بها ونحن الكبار لا نلتزم بها، فالطفل يتأثر بأفعال الوالدين قبل كلامهم. ٤- أن تكون هنالك مرونة في التعامل مع الأبناء يُسمح بها في الأخطاء البسيطة لكي نعلم الأطفال التسامح. ٥- بخصوص الإنترنت والشبكة العنكبوتية فيجب أن نضع جدولًا محددًا للاستخدام وأن يتم أطفاء الشبكة قبل النوم وفي وقت محدد ومناسب وبدون تراخي ولا يسمح للاستخدام اطلاقًا بعد هذه الساعة. ٦- أن تكون علاقتنا مع أبنائنا وفق الاحترام المتبادل وأن نعلمهم بعض الذوقيات التي أمرنا بها ديننا الحنيف كآداب الطعام وآداب الحديث وآداب المشي وآداب اللبس وغيرها من الذوقيات الاجتماعية.

اخرى
منذ 4 سنوات
6759

نفحاتٌ غديرية

بقلم: سماهر الخزرجي في ظهيرةِ يومٍ قائظِ الحر، تصهرُ الشمسُ في حرارتها الوجوه، وتلفحُ الأجسامَ بنارها الحارقة، لكن لا سُلطانَ لها على ضمائرَ غادرتها الإنسانية. حشودٌ كبيرةٌ تزحفُ آتيةً، قطراتُ العرق المعتوقة من نوافد أجسادهم وسجنها؛ تغسلُ ذنوبَ بعضهم، والبعضُ لا تزيدُه إلا عزةً بالإثم. في بيداءَ خُمٍ حيثُ الحرّ الهجير، يقفُ الرسول (صلى الله عليه وآله) فجأةً لتنهالَ عليه فيوضاتٍ إلهية، وتذوبُ روحُ الأمين شوقًا لمناجاته. تشرئبُّ الأعناقُ، ويعتريهم الفضول، تحمرُّ وجنات الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويشعُّ وجهه أملًا ورحمة. لا يكتمل الدينُ إلا بتنصيب ابن عمه، ينزلُ في موضعِ (سلمات)، فيأمر أنْ يقمّ ما تحته، ويُنصبُ له حجارةٌ كهيئةِ المنبر، ليُشرفَ على الناس، فتتراجع الناس ويحتبس أواخرهم في ذلك المكان.. يقومُ الرسولُ (صلى الله عليه وآله) فوق تلك الأحجار؛ يحمدُ اللهُ ويُثني عليه ثم يقول: "الحمد لله الذي علا في توحده…" تُفتحُ نوافذُ النفسِ أمام كلمات الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتُفتحُ أبوابُ الرجاء بأوجهِ الفقراء والباحثين عن النعيم الأبدي، وهناك خفقاتُ قلبٍ تضطرمُ نارًا من الحسد والغيرة. صوتٌ ملكوتي يصدحُ، يُزيلُ أغشيةَ الخطايا عن خلايا النفوس، ويهمسُ في أذان الظهيرة سرَّ الخلود.. مآتي الدقائق تمرُّ بلُطفٍ ترومُ امتصاصَ عذوبةِ صوتِ الرسول. يبدأ الارتقاءُ الروحي، وأرواحُهم كالزهور تتمايل مع نغماتِ صوتِه العذب. تبرقُ العيون وتنبسطُ محيّاهم، صحاري حياتهم تتحولُ إلى آمالٍ مُخضرّة، فتظهرُ مكامن الجمالِ في نفسه، رداءُ أخلاقه محوكٌ من خيوط التساهل والرحمة، انعكاساتُ نفسه تعكسُ نفسَ علي (عليه السلام)؛ كيف لا، وهو نفسه بنص آية المباهلة .. كما هي الجبالُ مساميرُ الأرض، كذلك هم قطبُ رحى الأرض وأوتادها. أصابعُ مشبوكةٌ كتشابكِ الضفائر، تُرفعُ ويغدوان كيانًا واحدًا! نداءٌ يهزُّ عرشَ النفوس وجبروتها: "ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه"، إنّه تناغمٌ بين روحين، ذوبانٌ في نفسٍ واحدةٍ، إنّها أنفسٌ لو سارت في البيد؛ لأخضرّت فرحًا وتخايلًا. لكن أيطلبُ الرسولُ من الأموات بيعة؟ من الذين يولدون أمواتًا! فيبدأ عرس البيعة وكرنفالها، فتضمرُ نفوسٌ غير الذي أبدت. (بخٍ بخٍ لك يا علي، لقد أصبحتَ وأمسيتَ مولى كُلِّ مؤمنٍ ومؤمنة)، وهي تحوكُ في داخلِها مؤامرةً قذرة. لقد ولِدَ عليٌ (عليه السلام)، وقد قُيِّدَ مهدُه بقيدِ الظلم، وخُتِمَ بوشمِ الغدر، لكن سيومضُ برقُ ثأره يومًا؛ بعد أنْ ترقدَ الحياةُ والأخلاق ليُحييها أملُها الموعود.

اخرى
منذ 3 سنوات
211

داءٌ مزمنٌ بعلاجٍ ممكن

بقلم: Abbas satar داء السكري مرضٌ مزمن، يحدث عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الأنسولين بكميةٍ كافية، أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعال للأنسولين الذي ينتجه، والأنسولين هو هرمون ينظّم مستوى السكر في الدم. يُعد فرط سكر الدم أو ارتفاع مستوى السكر في الدم من الآثار الشائعة التي تحدث جرّاء عدم السيطرة على داء السكري، ويؤدي مع الوقت إلى حدوثِ أضرارٍ وخيمة في العديد من أجهزةِ الجسم، ولاسيما الأعصاب والأوعية الدموية. أنواع داء السكري: 1-داء السكري من النمط (1) (الذي كان يُعرف سابقًا باسم داء السكري المعتمد على الأنسولين أو داء السكري الذي يبدأ في مرحلة الشباب أو الطفولة)، ويتميز بنقص إنتاج الأنسولين، ويقتضي تعاطي الأنسولين يوميًا. لا يُعرف سبب داء السكري من النمط 1، ولا يمكن الوقاية منه باستخدام المعارف الحالية. وتشمل أعراض هذا الداء فرط التبوّل، والعطش، والجوع المستمر، وفقدان الوزن، والتغيرات في البصر، والإحساس بالتعب، وقد تظهر هذه الأعراض فجأة. 2-داء السكري من النمط 2 يحدث هذا النمط (الذي كان يُسمى سابقًا داء السكري غير المعتمد على الأنسولين أو داء السكري الذي يظهر في مرحلة الكهولة)؛ بسبب عدم فعالية استخدام الجسم للأنسولين، وتحدث في معظمها نتيجةً لفرطِ الوزن والخمول البدني. وقد تكون أعراض هذا النمط مماثلةً لأعراض النمط 1، ولكنها قد تكون أقل وضوحًا في كثيرٍ من الأحيان؛ لذا فقد يُشخّص الداء بعد مرور عدة أعوامٍ على بدء الأعراض، أي بعد حدوث المضاعفات. 3-السكري الحملي هو فرط سكر الدم الذي تزيد فيه قيم كلوكوز الدم على المستوى الطبيعي، دون أنْ تصل إلى المستوى اللازم لتشخيص داء السكري، ويحدث ذلك أثناء الحمل. والنساء المصابات بالسكر الحملي أكثر تعرضًا لاحتمالات حدوث مضاعفات الحمل والولادة، كما أنهنَّ وأطفالهنّ أكثر تعرضًا لاحتمالات الإصابة بداء السكري من النمط 2 في المستقبل، ويُشخّص داء السكري الحملي عن طريق التحري السابق للولادة. أعراض الإصابة بداء السكري: -ازدياد عدد مرات التبول في اليوم الواحد. -العطش بصورة غير طبيعية. -شرب السوائل بشكلٍ كبير لتعويض ما يفقده الجسم من سوائل نتيجة لكثرة التبوّل. -الشعور بالإرهاق والتعب والضعف العام. -نقصان الوزن مع أنّ كمية الطعام التي يتناولها الفرد وعدد وجباته لم يتأثر. -زيادة الرغبة في تناول المزيد من الطعام بشكل ملحوظ -بطء شفاء الجروح. أسباب داء السكري: ١-العوامل الوراثية. ٢-السمنة المفرطة وتراكم الدهون في الجسم من أبرز أسباب الاصابة بمرض السكر حيث إنّه يسبب تغيرات وظيفية في خلايا الجسم. ٣-عدم ممارسة التمارين الرياضية، حيث إنّها تعمل على تعزيز صحة الجسم وحمايته من الأمراض وضبط مستوى السكر في الجسم ومحاربة السمنة. ٤-الإفراط في تناول الأطعمة التي تحتوى على نسبةٍ عاليةٍ من الدهون الضارة وخصوصًا الوجبات السريعة. ٥-تلف البنكرياس يسبب مشاكل صحية عديدة ومنها مرض السكر. ٦-الضغط النفسي والعصبي، فإنّه يزيد من فرص الإصابة بمرض السكري. مضاعفات داء السكري: -مضاعفات مزمنة: *أمراض القلب والأوعية الدموية: يزيد مرض السكري بشكلٍ كبير خطر حدوث مشاكل القلب والأوعية الدموية المختلفة، بما في ذلك مرض الشريان التاجي المصاحب لوجود ألم في الصدر، أو الإصابة بالذبحة الصدرية، أو النوبات القلبية، أو تصلب الشرايين. *تلف الأعصاب: يؤدي زيادة السكر إلى التأثير بشكلٍ سلبيّ على جدران الأوعية الدمويّة الصغيرة التي تُغذّي الأعصاب، ممّا يؤدي إلى إتلافها على المدى البعيد. *اعتلال الكلى: تحتوي الكلى على ملايين الشعيرات الدموية التي يُطلق عليها اسم كُبيبات الكلى، والتي تقوم بالتخلّص من النفايات الموجودة في الدم، إلا أنّ مرض السكريّ يمكن أنْ يُلحق بهذا النظام العديد من الأضرار، حيث يمكن أنْ يسبب الإصابة بالفشل الكلوي، الأمر الذي قد يتطلب لإجراء عملية غسيل الكلى أو زرع الكلى. *اعتلال الشبكية: يشكّل مرض السكري خطرًا على الأوعية الدموية الموجودة في شبكية العين، ممّا يؤدي إلى الإصابة بالعمى، حيث تُعرف هذه الحالة باسم اعتلال شبكية السكريّ، بالإضافة إلى أنّه من الممكن أنْ يؤدي إلى إعتام عدسة العين أو إصابتها بالزرق. *أضرار القدم: يُتلِف مرض السكريّ الأعصاب في القدمين، ومن الممكن أنْ يُضعف تدفّق الدم إليهما، مما يزيد خطر مضاعفات القدم المختلفة. *الأمراض الجلدية: يجعل مرض السكري الأشخاص أكثر عرضةً لمشاكل الجلد، بما في ذلك الالتهابات البكتيرية والفطرية. *إصابة السمع: تزيد مشاكل السمع عند الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري *مرض الزهايمر: يزيد مرض السكريّ من النوع الثاني خطر الإصابة بمرض الزهايمر. *السكتة الدماغية: لا بدّ من الحفاظ على مستويات طبيعية من ضغط الدم، وجلوكوز الدم، والكولسترول، وذلك لتجنب خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. -مضاعفات حادة: ١-التبول المتكرر. ٢-العطش الشديد. ٣-الخمول والنعاس. ٤-الحامضة الكيتونية السكرية. كيف يمكن الوقاية من داء السكري؟ ١-تناول السَلَطات المختلفة. ٢-ممارسة الرياضة وخاصة المشي. ٣-تناول الحبوب الكاملة. ٤-شرب القهوة. ٥-الابتعاد عن التدخين. ٦- تجنب الوجبات السريعة. ٧-المحافظة على الهدوء وتجنب التوتر. تشخيص داء السكري: ١-الأعراض السريرية: كثرة التبول، العطش، الهزال، نقص الوزن، زيادة الشهية، التعب، عدم شفاء الجروح، الالتهابات المتكررة. ٢-مستوى السكر في الدم: تبلغ نسبة السكر الطبيعية في الدم 100ملغ/دل (المجال 70-110 ملغ/دل). ٣-كشف السكر في البول. ٤-اختبار تحمل الغلوكوز الفموي. علاج داء السكري: ١-تحسين النظام الغذائي والنشاط البدني. ٢-خفض مستوى الكلوكوز في الدم عن طريق اخذ الادوية. ٣-الإقلاع عن التدخين. ٤-ضبط المستوى الكلوكوز في الدم. ٥-ضبط مستوى ضغط الدم. ٦-رعاية القدمين. ٧-ضبط مستوى الدهون في الدم (لتنظيم مستويات الكولسترول).

اخرى
منذ 3 سنوات
268

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
64271

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 4 سنوات
42121

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
40357

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
31487

الطفولة المقتولة بين الماضي والحاضر

رقية طفلة صغيرة هي الاصغر اذ سبقها ولدان محمد وعلي وبنت اسمها فاطمة. رقية هي المدلّلة عند أبيها يصحبها إلى محل عمله في دكانه الخاص الذي كان يعمل به. كانت كثيرا ما تشاكس الزبائن بخفة دمها وقد احب الكثيرون دلالها ومشاكستها. بل لعل البعض أخذ يشتاق لتلك اللمحات الجميلة التي تصدر منها فيأتي الى دكان أبيها ليرى رقية ويداعبها ويخرج. بل اصبحت واسطة جذب للزبائن وسط ضحكات أبيها وتقبيله لها . هكذا كانت حياتها جميلة حتى في البيت تكون الى جانب ابيها وتحاول ان تثير والدتها بان تعتنقه وتقول: هو لي وحدي! وسط ضحكات امها واخوتها، وعند سماعها الاذان تسرع لترتدي احرامها الجميل الصغير وتهيئ سجادة الصلاة لها ولأبيها. كثيرا ما حاول الاخرون اخذ مكانها ولكنها تغلبهم بخفة دمها وشقاوتها وعندما يقولون لها اتعبتِ اباك، تقول لهم: لا عليكم انا عزيزته انا حبيبته دعوني .... وفي يوم ربيعي جميل ومع نسمات الصباح الجميلة وهي مع ابيها في محل عمله دخل احد الزبائن الذي اعتاد على شقاوة رقية داعبها ثم قال لها: احضرت لكِ هدية جميلة. فقالت هل هي اجمل من ابي ؟ لا اعتقد هناك هدية اجمل منه. ضحكا بقهقهة وقال لها: نعم هو اجمل هدية . ولكن تعالي معي الى السيارة في الجانب الآخر من الشارع وسأريك مفاجأة . ذهبت معه بعد ان امسكت بيده بقوة خوف السيارات المارة وحين وصلت الى سيارة ذلك الرجل ودخلت بها لترى المفاجأة واذا بصوت انفجار يهز المكان وساد الظلام وهي ترتجف من الخوف والهلع... وبعد دقائق خرجت مسرعة نحو محل ابيها الذي اصبح ركاماً . فعثرت بشيء، دققت النظر، واذا برأس ابيها يشخب منه الدم! جلست وضعته في حجرها انحنت عليه تلثمه وتصرخ عالياً: بابا ...بابا .. بابا، حتى اغمي عليها. هرع إليها من كان قريب من المكان ليحملوها وهي بلا حراك. اوصلوها الى المستشفى وكان قلبها ينبض . اسعفوها، فتحت عينيها، ودارت بهما وسط الحاضرين وهي تتمتم بابا... بابا... وسط دموع الحاضرين وبهذه الاثناء حضرت امها لتعانقها وهي تبكي حبيبتي حبيبتي...اين ابوك؟ ووسط تلك الدموع وهي تردد بابا... لم تتمالك الطفلة مشاعرها وتنادي: أين أبي؟ أين أبي؟ وهي مذهولة مدهوشة لا تريد أن تصدق أن أباها رحل عنها وجسده تقطع اوصالا فأخذت تنادي: اريد ابي قبل قليل كان معي، أين أبي؟ اريد ابي، وسط دموع الحاضرين وآهاتهم، قالت لها امها: بنيتي ان اباك مات ورحل عنا! قالت رقيه: لا لا لا، قبل قليل كان معي، بكى كل من حضر عندها، وعلا الصراخ والبكاء في القاعة، جاء الطبيب والممرضون فشاهدوا ما يجري فاختنقوا بعبرتهم ونشيجهم، كتب لها الطبيب وصفة من العلاج المهدّئ واُخرجت من المستشفى ورجعت الى الدار ولكنها كانت ترفض أخذ العلاج المهدّئ وتقول: أين أبي؟ لقد كان وعدني بهدية أين هو؟ اين هو ابي؟ أبي، أبي، أين أنت؟ أخذت تركض الى غرفته علها تجده، أخذت تشم رائحته في ارجاء الغرفة، هذه ملابسه، هذا قميصه، وهذه حاجياته، وهي تدور مذهولة وتكلم اباها. واذا بجنازة ابيها جاؤوا بها استعداداً للتوديع الأخير، ليدفن في مثواه الاخير، شمت ريح والدها ركضت وهي تنادي: جاء ابي جاء ابي، تسمّرت قدماها وهي ترى اباها وسط التابوت وقد علا العويل والصراخ في أرجاء الدار، رمت بنفسها على الجنازة وهي تنادي أبي أبي الى أين أنت ذاهب؟ أتتركني وانا مدللتك؟ بابا من يلاعبني ويضاحكني؟ وصارت تنادي بابا بابا... ثم هدأت، والصراخ والعويل من اهلها والحاضرين يبكون لفقد عزيزهم ويبكون حال هذه الطفلة رقية، ولكنهم ذهلوا لأنها سكنت حملوها واذا بها قد التحقت بأبيها وفارقت روحها الطاهرة هذه الدنيا، لترفرف روحها مع أبيها الشهيد، لتكون قصة رقية الحاضرة بصمة تشابه ما جرى على السيدة رقية الماضي، فالقتلة هم نفس القتلة، والقلوب المتحجرة التي لا تعرف للرحمة معنى ولا للإنسانية معنى ولتكون مواساة رقية الحاضرة للسيدة الطاهرة رقية بنت الامام الحسين (عليه السلام)، لتشير الى مظلومية اهل البيت واتباعهم في الماضي والحاضر حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
31119

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
30621