بقلم: أم قنوت من الطبيعي أن تزورَ حالةُ الإقبالِ والإدبارِ المؤمنَ أثناءَ تأديته لعباداتِه، ولكن من المهم أن لا يسقطَ في شراكِ الشيطانِ فيدخلَ في حزبِه ولا يقدر على الإفلاتِ. في قولِ الإمام زين العِبادِ (عليه السلام) وصفٌ بالغُ الدقةِ وصورةٌ بليغةُ المعاني وطلبٌ جريءٌ وشجاعٌ حين دعا: "فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعَاً لِلشَّيْطَانِ فَـاقْبِضْنِي إلَيْـكَ قَبْـلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُـكَ إلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ" (1) فليتخيل كلٌ مِنّا هذا الوصفَ: عمري مرتعٌ للشيطانِ، أي إن الشيطان يأكلُ ويشربُ ويجدُ راحتَه ويرتعُ كما ترتعُ الإبلُ في الحظيرةِ، تخيلْ هذا الوصفَ! ألا تراهُ وصفاً مُخجِلاً؟ ثم شاركني الشجاعةَ، مَن مِنّا يطلبُ الموتَ فراراً من غضبِ الله عز وجلَّ، وأيُّ شجاعةٍ تلكَ التي نَتَّصِفُ بها لِنطلبَ مثلَ هذا الطلب؟ فقد مرَّ على مسامعِنا الكثيرُ من المواعظِ والرواياتِ المتحدثةِ عن صغائرِ الذنوبِ التي تؤدي الى الكبائرِ ولكنّها على ما يبدو قد مرَّتْ مرورَ الكرامِ على عقولِنا. كيفَ يصبحُ العمرُ مرتعاً للشيطانِ؟ هل أذكرُ مواردَ جوابِ هذا السؤالَ أم أتركُه لكلٍ منا ليتفكَّرَ كيفَ جَعَلَ عُمرَه مرتعاً للشيطانِ؟ أأذكرُ بعضَ الأمثلةِ؟! صلاةٌ تتأخرُ دائماً بلا سبب، وبالأصلِ لا يُعرَفُ كم صلاة يجبُ أن تُقضى مما فاتَ، ثم إنَّ الصومَ لا يُنالُ منه غير الجوعِ والعطشِ، والأموالُ متكدسةٌ لا تُصْرَفُ في مواضِعِها، واليومُ طويلٌ والبعضُ مشغولٌ بتوافِهِه، وأزعجَ صديقٌ صديقَه بعضَ الشيءِ فاغتابَه الآخرُ كثيراً، وغضبَتْ زوجةٌ ففضلَّتْ العنادَ وتطاولَتْ على زوجِها، ومرَّ رجلٌ بامرأةٍ جميلةٍ متبرجةٍ فأطالَ النظرَ، وأخذَت الغيرةُ مأخذَها مِنْ حاسدٍ لصديقين فآثرَ أن يَنُمَّ بينهما ليفترقا، ولم يستمعْ ابنٌ لنصائحِ والِدِه بالابتعادِ عن صديقِ السوءِ فأصبحَ مدمناً للمخدراتِ، وغفا أحدُهُم ليلاً بينما كان هاتفُه لا يزالُ يصدحُ بالمحرَّماتِ، أما سيارتها فتسبِّحُ لله بينما تستمعُ هي إلى لهوِ الحديثِ.... هذا غيضٌ من فيضِ أعمالِ المرءِ وعمرِه الذي كانَ مرتعاً للشيطانِ، ولكن من رحمةِ الله عز وجلَّ وعطاءِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) يتوجهُ المرءُ بدعوةٍ في ليلةِ الجمعةِ باكياً "وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي معتذراً نادماً.." (2) فيردّ اللهُ (عز وجل) بحسنِ كرمه عليه قائلاً: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (3). _________________ 1_ دعاء مكارم الاخلاق. 2_ دعاء كميل. 3_ سورة الزمر، آية 53.
اخرىبقلم: زينب جواد الركابي في ليلةٍ قمراءَ، كان أبو محمدٍ إلى جانبي يقول كلاماً كالسحر على الجسد، يذهب بالعقل إلى عالم الحلم والخيال... أخذ مسترسلاً وأنا بين يديه الكريمتين أجول بخيالي الضيق عن ماهية القادم، متخيلة شعور الأمومة لكوكبٍ درّي يخرج من أرض الدنيا يصلُ أفقُ نورِه قاب قوسّين أو أدنى.... وأنا على هذه الحال فإذا بَشرساء تنثرُ ماءَ زمزم مخلوطًا بحباتِ آس من جنةِ النعيم! نظرتُ إلى زوجي المُدلَّه وسومةُ الشوق للقاء الخلف المنتظر بانت على محياه.... أشرقت الأرض بحجة الله ساجدًا لربه، فنزلت الملائكة بأذنِه تعالى ترتشف عبقَ عطرهِ العلوي مباركةً يعرفون بها في الملأ الأعلى أنصارًا وجنودًا... كنتُ أغبط أُمنا مريم بولدها الذي يبرئ الأكمهَ، فكان الرد: في الغد المشرق تُحي الأرض بعد موتها بالقائم ابني، وإن عيسى يصلي خلفه تأييدًا ومبايعة... وتمت أربعون ليلة، فإذا بصغيري يمشي في بهو الدار، كأنهُ يريد الغيبة مستعجلًا... يُضيء نوره الوَهّاج سماء سُرَّ من رأى. أصبّر النفس على لوعةِ فراقه المحتوم، محتسبة بذلك كأمِ موسى، حتى يرده الله إليَّ...
اخرىبقلم: إيمان صاحب ليس من الصعب على الإنسان أن يكون معاقًا حينما يعتاد على ما هو عليه، بحيث يشعر وكأنه شخص سليم يمارس حياته بشكل طبيعي، ولكن الصعوبة تكمن في تقبّل هذا الشيء عند بعض الأصحاء أصحاب النظرة المحدودة التي ترى أن الشخص المعاق عاجز لا يتمكن من أي عمل، فعليه أن يلازم البيت ولا يخرج منه إلّا للضرورة، وكأن الإعاقة ذنب عظيم يحاسب عليه مدى الحياة. أما النظرة الثانية: ترى في الإعاقة نقصًا لا ينفك عن صاحبها، ولذا حينما يتحدث عنه لا يذكر اسمه، بل يسمّيه بما فيه من عوق كقوله: أتى الأعرج أو الأعمى، وحتى في التعامل يشعره بأنه لا يقدر على عمل شيء وأنه دومًا يحتاج إليه حتى في أبسط الأمور. وبين هذه النظرة وتلك، ذات تتحلى بثقة عالية وإرادة قوية، تتخطى جميع العقبات رغم ما بها من ألم وحرمان، فهذا لا يعني أن لا يتقدم إلى الامام بأي شكل من الأشكال، فكم من معاق أبدع بمجالات متعددة حينما منح فرصة من الفرص، وكم من مبدع أشاد بأعماله من أهل الاختصاص، وحتى من يرى أبداعهم يقول: هذه العبارة (الله يأخذ شيئاً ويعطي شيئاً)، وذلك ناشئ من إرادة قوية والاعتماد على الله تعالى ثم الثقة بالنفس، مع التحلي بالصبر في مواجهة كل ما يخدش المشاعر، لأن عجز أحد الأعضاء عن الحركة أو تعطيل طرف من الأطراف لا يعني توقف كل شيء وعدم القيام به، مادام يملك فكرًا نيرًا يضيء لنفسه ولمن حوله لا أن يكون فردًا عاجزًا وناقصًا، بل العجز هو حالة الجمود التي يعيشها الإنسان حينما يتأثر بنظرة أو بكلمة إن خذله الدعم الذاتي واستسلم لليأس دون مقاومة المصاعب والتصدي لهكذا أمور، فلو بذل كل الناس الدعم والتشجيع لذات من ذوي الاحتياجات الخاصة وهو لم ينهض بنفسه ويدعمها الدعم الذي يحركها نحو الأمام لا يكتب لها النجاح مدى الحياة وإن كان العكس يبلغ ما يتمناه كما يبلغه غيره من الأصحاء.
اخرىبقلم: قلم زهرائي حسيني نقاء.. من خيرة الفتيات اللاتي تعرفتُ عليهن وأحسنتُ اختيارهن، فتاة خلوقة ومتديّنة، روحها خضراء وثغرها باسم لا يحكي إلّا الصدق وطيب الكلام، رافقتها طويلًا، وكان هذا رزقًا وتوفيقًا أحمدُ الله تعالى عليه، كنت أراها مخلصةً في العمل مجتهدة في طلب العلم، خدومةً تحبّ الخير ومساعدة الآخرين، إلى جانب ذلك كنتُُ أراها قدوة في تربية النفس وتأديبها بأجمل الآداب، فكانت لا تشارك المغتاب، ولا تشجع على النميمة، وكل من عرفها يشهد لها بذلك... حظيَت نقاء باحترام جميع الفتيات، لأنها كانت تحترمهنّ جميعًا وتحسن إليهن، وكثيرًا ما رأيتُ تأثرهنّ بها وثقتهن برأيها، فكنّ يرجعْن إليها للاستشارة أو النصيحة، وكانت تقابلهن بكل حبّ وترحاب، كنت أعجبُ من طبعها وأتساءل: كيف وصلت إلى هذه المرحلة من حسن الخلق وطيبة النفس ونقاء السريرة؟ فكانت تجيبني بقول الإمام الصادق (صلوات الله تعالى عليه): "إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ وَصَدَقَ الْحَدِيثَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هَذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ، وَقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَر" (١). أتذكرها على الدوام... وأحد المواطن التي أتذكرها عنده؛ خطبة النبي الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولعلّها كانت تقرأها كثيرًا وجاهدت واجتهدت طويلًا لتعمل بما جاء فيها، ليس في شهر رمضان فقط، بل في كل الشهور. فعند قراءَتي لقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) "وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ" أتذكر كيف أنها كانت تخصص من مصروفها جزءاً وتضعه في محفظة خاصة، وعندما كنتُ أراها وأسألها تجيب: إني أجمع ما أوفقُ لجمعه لأقوم بإهدائه للفقراء والمحتاجين أو أشتري به شيئًا ينفعهم. وكانت تشجع والدتها وتساعدها في إعداد طبق من الطعام وإرساله إلى الجيران وتقول: ما أجمل أن نشارك ا لآخرين طعامنا وإن لم يكونوا من المحتاجين. وعند قوله (صلى الله عليه وآله): "وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ" أتذكرها أيضًا، فقد كانت تحترمُ والديها أيّما احترام، فكانت تنهض احترامًا إذا دخلا، وكانت تتأخر في المشي عنهما خطوات، وتحرص على ألا يعلو صوتُها صوتَهما، وكانت تسرُّ بخدمتهما ولا تتململُ من ذلك، ما جعلها ذلك محبوبةً لدى الجميع، وليس عند والديها فقط، وهذا بفضل برها بهما ورضاهما عنها ودعائهما لها... ولم تكن تأمر أحدًا بعمل شخصيّ، وحتى الصغار، فلا تقول لهم: اجلبوا لي هذا أو ذاك، بل كانت تخدم نفسها بنفسها، وتعاملهم بمنتهى اللُطف والمداراة؛ لذا كانت تحظى بحبهم أيضًا، و كنت أمازحها أن: يا نقاء، كأنك الحلوى أينما كنتِ اجتمع حولكِ الأطفال! وفي قوله (صلى الله عليه وآله)" أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازًا عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ" أتذكرها كذلك، فقد كانت حريصة على التحلي بمكارم الأخلاق وجميل الطباع، كانت تقول لي: هذه الصفة جميلة وسيفخر بنا نبينا (صلى الله عليه وآله) وعترته وإمام زماننا إن تحلينا بها، وكانت تشجعني على الالتزام بها حتى تصير مَلكة لا تتغير مع تغير الظروف أو تبدل الأحوال. ذات يوم ذهبتُ إليها فرأيتها ترتدي الحجاب والعباءة والجوارب فتعجبت من ذلك وقلتُ: أفي هذا الحرّ الشديد وأنت صائمة! كيف تحتملين ذلك؟! فابتسمت وأخذتني من يدي وقالت: اخفضي صوتك، فلدينا ضيوف وقد اضطررت لمجالستهم مع عائلتي، ولأجل ذلك ارتديت هذه! وذات يوم، وبينما كنت أتجوّل معها في حديقة الجامعة، توقفتُ فجأةً ونظرت إليها وقلت: ها؟ أبشري، كم حبة رملٍ قد أحصيتِ؟ قلت ذلك لأنها كانت تغضُ بصرها كثيرًا وكأن عيونها تراقبان الأرض. لم تكن تقابل الإساءة بالإساءة بل كانت كثيرة العفو والصفح، وعندما كنت أستفهم عن سرّ ذلك تجيبني: لا ينبغي لأتباع آل محمد (صلى الله عليه وآله) أن يحملوا في صدورهم غلًا أو حقدًا، فماذا نخسر إن عفونا وصفحنا؟! ذلك يوجب قرب الله تعالى ورضاه، وإن هذه لمنزلةٌ عظيمة. ذات يوم دخلتُ مصلى الكليّة فوجدتها تجلس بمفردها، وعندما اقتربت منها حسبت أنها شاردة الذهن، ولكنها –وقتها- كانت تذكر الله تعالى بتسبيح السيّدة الزهراء (صلوات الله تعالى عليها)، ولكن لم أكن لأعلم بذلك إلا بعد حين مصادفة لأنها كانت تخفي المسبحة تحت عباءتها! ولعل السبب لئلا يدخلَ شيء من الرياء قلبها. كانت نقاء مصدر الأمان في مجموعتنا، فكُنّا نُسرُّ بوجودها ونحزن لغيابها، لقد كانت مصداقًا لقول سيد الأوصياء (صلوات الله تعالى عليه): «خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا اليكم» (٢). لقد كانت نقاء مثالًا للمرأة الواعية المثقفة، فرغم أننا وإياها كنّا في السنّ نفسه، ولكننا كنّا نتعلم منها وكأنها تكبرنا بسنوات! عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله عليه وآله:« قالت الحواريون لعيسى: يا روح الله من نجالس؟ قال من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله» (٣). ونقاء كانت كذلك. ـــــــــــــــــ (١) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج١٢، ص ٢. (١) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (صلوات الله تعالى عليه)، ج٤، ص٤. (٣) الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص ٣٩.
اخرىبقلم: صفوان الجمال الراحل مشتق من رحل وهو يدل على مضيٍّ في سفر. المسافة: البُعد المعنى إن الذي يسافر إليك يا الله فبعده عنك قريب. مقطع من دعاء سيد الساجدين (صلوات ربي عليه)، المسمى بدعاء أبي حمزة الثمالي، لو حللنا هذا النص لوجدنا فيه أمرين: ١- الراحل، ولكن ليس أي راحل بل الراحل إليك سبحانك. ٢- قريب المسافة. ولكي يكون الإنسان قريب المسافة عليه أن يوفر صفة الراحل إلى الله تعالى في نفسه، فإذا صدق عليه ذلك، كان قريب المسافة، والمسافة والقرب وإن كان من الأمور المادية، ولكن الإمام (عليه السلام) استعملهما في القرب والمسافة المعنويين، فإن القريب من الله (عز وجل) هو المرضي عنده سبحانه، فلكي يكون العبد قريبًا منه سبحانه ومرضيًا عنده لابد أن يرحل إليه، والرحلة تكون بالعزم على طاعته في كل واجباته والانتهاء عن محرماته، والاهتمام بتعلم الأحكام الشرعية لكي يتم الالتزام بها على الوجه المطلوب في تحقيق هذه الصفة المقربة إليه تعالى، وكلما التزم العبد أكثر واهتم بالمستحبات وترك المكروهات، وكان أكثر دقة في التعامل في الأحكام الشرعية، كان راحلًا بمستوى أكبر وأقرب بمقتضى أن الراحل قريب. وعليه فلا بد أن يصب الاهتمام على كيفية توفير هذه الصفة في أنفسنا، وما هو الطريق الذي لابد من سلوكه لتوفير هذه الصفة؟ إن ذلك يتم من خلال تعلم أوامره ونواهيه تعالى، مضافًا إلى التعرف إليه والتحلي بالأخلاق الفاضلة والتعامل مع الناس بما يرضيه وما إلى ذلك من تفصيلات كثيرة لا يسعها المقام. ثم إنه لا بأس بذكر مصداقين مهمين يمكن الركون إليهما لتوفير هذه الصفة: المصداق الأول: التوبة قد يحاول العبد التقرب والرحلة إلى الله تعالى ولكنه كثيرًا ما يعاني من الوقوع في بعض المخالفات التي تضعف همته للوصول إليه تعالى، والشعور بالإحباط من كثرة الذنوب، بحيث يظن أنه صار مطرودًا من صنف الراحلين إليه تعالى، ولكن ما تعلمناه منه سبحانه ومن نبينا نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ينبه بشكل واضح إلى لزوم عدم الشعور باليأس من الوصول إليه سبحانه ومن العودة إليه مرارًا، فقد ورد أن العبد عليه بالتوبة كلما ارتكب ذنبًا حتى لو حصل منه سبعمائة ذنب في اليوم ولكن الراحل عليه أن لا يقع في هكذا عدد من الذنوب إذ لا خير في هكذا عبد. روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): من قال استغفر الله مائة مرة في يوم غفر الله له سبعمائة ذنب ولا خير في عبد يذنب في كل يوم سبعمائة ذنب. والذي نريد أن نصب النظر إليه أن المطلوب من العبد التوبة ولو وقعت منه المعصية مرارًا فإن الله (عز وجل) يحب العبد الذي يكثر من التوبة، فقد قال تعالى في محكم كتابه الحكيم: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)، والتواب هو كثير التوبة، وقال تعالى أيضًا (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّـهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي من عاد بعد ظلمه ولو كان قد ظلم مرارًا بحسب اطلاق الآية، وروي عن أبي جعفر (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالى أشدّ فرحًا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها"، فالله أشد فرحًا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها. فلا تيأس من رحمة الله تعالى، وتب كلما وقعت في ذنب، فهذه طبيعة البشر، يعقدون النية على أمر ثم يقعون في خلافه، حتى أن أحد المؤمنين عرض هذه المشكلة على الرسول (صلى الله عليه وآله) فأمره بالاستغفار والتوبة بعد كل ذنب. روى صاحب الوسائل عن الديلمي صاحب الإرشاد أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستغفر الله في كل يوم سبعين مرة يقول: استغفر الله ربي وأتوب إليه وكذلك أهل بيته (عليهم السلام) وصالح أصحابه، يقول الله تعالى (واسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ)، وقال رجل يا رسول الله إني أذنب فما أقول إذا تبت؟ قال (صلى الله عليه وآله): استغفر الله، فقال الرجل: إني أتوب ثم أعود، فقال (صلى الله عليه وآله): كلما أذنبت استغفر الله، فقال: إذن تكثر ذنوبي، فقال: عفوا الله أكثر فلا تزال تتوب حتى يكون الشيطان هو المدحور. المصداق الثاني: الصلاة هنالك عبارة معروفة تقول: إن الطرق الى الله تعالى بعدد انفاس الخلائق، ويبدو أن المقصود أن الطرق إليه سبحانه كثيرة جدًا، إذن يمكن صدق صفة الراحل باتخاذ أي طريق من هذه الطرق، وخيرها وأفضلها هو قربان كل تقي ومعراج المؤمن والذي كل شيء تبع له، وهي الصلاة، وإنها كبيرة إلّا على الخاشعين. ومما ورد في أن أفضل شيء للتقرب إلى الله تعالى هي الصلاة هو ما رواه معاوية بن وهب حيث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم أحب ذلك إلى الله (عز وجل)، ما هو؟ فقال (عليه السلام): ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أن العبد الصالح عيسى بن مريم (عليه السلام) قال: (واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا). بل قد ورد أكثر من ذلك في شأن الصلاة، فقد ورد أن كل أعمال الإنسان وشؤونه تابعة لصلاته، فإن صلحت الصلاة صلح شأن الإنسان، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "اعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك". والاهتمام بالصلاة فيه جوانب متعددة، منها الاهتمام بالصلاة في أول وقتها وقد نقل في هذا الشأن عن بعض علمائنا -رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين واطال في أعمارهم- أنه كان ينتظر الزوال تحت الشمس ويمسك سبحته بيده ويجعلها بشكل عمودي نازلة من يده وهو ممسك بها، ليعرف الزوال في أوله فيشرع بالنافلة ماشيًا الى المسجد ثم يكمل نافلته فيه وبعد ذلك يشرع في صلاة الظهر، لكي يحرز أنه يصلي في أول الوقت، وفي الروايات الكثير مما يؤكد على اهمية أول الوقت.
اخرىبقلم: صفاء الندى ها قد أغلني الله من أجلك أيها الإنسان، فلم تخمد نار حقدي على أبيكم آدم الذي بسببه أخرجت من الجنة مذمومًا ذليلًا حتى أفجع مرة أخرى بسلب خاصية الوسوسة مني في هذا الشهر، إذًا ﻷرى ما أنتم فاعلون بدوني! فطوال العام تتحججون بي وترمون خطاياكم علي! هل مثلًا ستصبحون مطيعين لربكم طاعة تامة كالملائكة بلا وسوستي؟! هل ستصلون لمقام الأنبياء والأئمة في هذا الشهر بطهارة نفوسكم وعمق عباداتكم وإخلاصكم؟! هيا أقنعوني أنكم أفضل الآن! من هذا الذي يتحدث وبصلافة -الشيطان!- مه أيها المتكبر العنيد والمطرود الآيس من (رحمة الله) ما لك ولنا، أتستهزئ بنا؟ هل أغاظك أن شملنا الله تعالى بلطفه ورحمته في شهره الكريم؟ أتخشى أن نتحرر من قيودك وخدعك وأمانيك التي هي سراب ما إن نصل إليه يتبدد ويتلاشى لتذوب بعدها قلوبنا حسرة وندامة؟ دعنا وربنا -أخرج منا- إلى متى تظل تسير بخيلاء في عروقنا؟! فلم ينجُ منك حتى الأجنة في بطون أمهاتهم ولا الشيخ الهرم الآيل للسقوط في حفرة النهاية الحتمية من جعلك رقيبًا ومترصدًا وحسيبًا على الإنسان؟ من كلّفك بهذا الأمر المهين؟ من سوّل لك أن تقوم بكل تلك الأفاعيل المشينة؟ هل أنا الإنسان فعلت بك كل هذا وما عسى أن يبلغ قدري وقوة تأثيري وقد خُلقتُ ضعيفا؟ يا إلهنا يا ربنا شكرًا لك... فثنائي عليك متواصلًا أبدًا سرمدًا أن بصرتنا بحالنا وعرفتنا حقيقتنا وأين يقع مكمن الخلل فينا، فشهرك العزيز رمضان بنوره النافذ في جميع نواحينا وجزيئاتنا كشف لنا خواء معاذيرنا وضآلة أرواحنا الساكنة فينا، هل تسمع أيها الشيطان -إنها نفسي ونفسك- هي السبب، هي الجاني الرئيسي! إذًا فلنكف عن رمي كرة الخطيئة المتدحرجة بيننا منذ زمن! فلنعترف أننا سيئون لأننا اخترنا أن نكون كذلك، أنت وأنا فلنتوقف ولنعد إلى رشدنا ووعينا، إنه شهر الله ذو الفضل والنعم الجسيمة، ففيه تتخفف أنت يا إبليس من ذنب الإغواء مكرهًا وصاغرًا بقدرة الله (عز وجل) أما أنا فليتني أستطيع أن لا أعصي ربي هي أمنيتي على الدوام! وهذا الشهر فرصة ومنحة إلهية لكي تتحقق وتصبح واقعًا متجسدًا في أعماقي وليس أحلام يقظة واهية، نعم، ولمَ لا ، فقد كفاني الله القتال على جبهة الشيطان وجعله مسجونًا بعيدًا عني وتركني وحيدًا مع نفسي... أنا عاجز عن شكرك يا رب، لقد عرفت أين مصدر الخير أو الشر إن أردت... لقد عرفت أين يجب أن تكون معركتي ومع من... إنها مع نفسي التي بين جنبي...
اخرىبقلم: يا مهدي أدركني الفصل الثاني: الشكوى (....وَرَضِيَ بِالذُّلِ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ...). بيان معاني المفردات: رضي: وهي مشتقة من الرضا، وهي طيب النفس والقناعة. الذل: هو الانكسار والخضوع، ذل الرجل اي حقِّر الرجل. كشف: اي رفع عنه ما يغطيه. الضُر: وهو الشدة والبلاء وسوء الحال. شرح الحكمة: في هذه الكلمات يحذر أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) عن خصلة أخرى قد تصيب قلوب البعض وتؤدي بالنفس التي كرمها الله تعالى الى الذل والمهانة. مخدوع من يعتقد أن الدنيا دار راحة، وإنما هي دار للبلاء وفيها تمحيص واختبار لعباد الرحمن فمن وقع عليه البلاء وصبر وشكر فله أجر غير ممنون، قال عز من قائل { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة الزمر: آية 10). ولكن يجب أن نضع بالحسبان أن من أهم خصائص الصبر هو عدم الشكوى وإلا فإن من اشتكى فقد ذهب صبره كذرات رمل هبت عليها ريح عاتية، وهذا يعني أن الصبر والشكوى أمران لا يجتمعان إلا في حالة واحدة ، وهي: فيما إذا كان المشتكى إلى الله تعالى، فهو أمر غير منهي عنه فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم حكاية عن نبيه يعقوب (سلام الله عليه) {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (سورة يوسف: آية 86)، وقد جاء في معنى قوله تعالى (فصبر جميل) هو الصبر الذي لا شكوى فيه، فقد جاء في تفسير البرهان عن الحسين بن سعيد في كتاب التمحيص عن جابر قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما الصبر الجميل؟ قال: ذلك صبر ليس فيه شكوى لأحد من الناس إن إبراهيم بعث يعقوب الى راهب من الرهبان عابد من العباد في حاجة فلما رآه الراهب حسبه الراهب إبراهيم فوثب اليه فاعتنقه ثم قال: مرحبًا بخليل الرحمن فقال له يعقوب: لست بخليل الرحمن ولكن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم، قال له الراهب: فما الذي بلغ بك من الكبر؟ قال: الهم والحزن والسقم. قال فما جاز عتبة الباب حتى أوحى الله إليه: يا يعقوب شكوتني الى العباد فخر ساجدًا عند عتبة الباب يقول: رب لا أعود فأوحى الله إليه إني قد غفرت لك فلا تعد إلى مثلها فما شكى شيئًا مما أصابه من نوائب الدنيا إلا أنه قال يومًا: (إنما أشكو بثي وحزني الى الله...) (4). من هنا يتضح أن الشكوى لله لا توجب المذلة، بل بالعكس فإنها تقوّي العلاقة بين العبد وربه تلك العلاقة التي من شأنها ترفع قدر المؤمن وتعزه، وعلى طرف النقيض نجد أن الشكوى لغير الله مذلة. إن من أسباب الشكوى هو اعتقاد الشخص بأنه بعد أن يبث ألمه وما يختلج قلبه من همٍّ فإنه سيرتاح ويخف عنه ذلك الألم -فيما إذا استمع له الآخرون- ولكن أليس من الجدير أن تكون الشكوى لله تعالى؟! وهذا ما أدبنا عليه أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، فهناك الكثير من الروايات التي تؤكد على كتم الألم وتحمل المرض وعدم الشكاية، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال (قال الله (عز وجل) أيما عبد ابتليته ببلية فكتم ذلك من عواده ثلاثًا أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه ودمًا خيرًا من دمه وبشرًا خيرًا من بشره فإن أبقيته أبقيته ولا ذنب له وان مات مات الى رحمتي) (5). والشكوى مرة تكون لمحب فيتألم لصاحبه مما نزل فيه، ومرة تكون لعدو فيسر ويشمت لما نزل به من ألم وضُر، لذا ينهى أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) من أن يكشف الرجل ما نزل به من ألم فيكون ذليلًا بين الناس، في الوقت الذي لا فائدة ترجى من هذه الشكوى سوى سرور العدو وحزن المحب. الفصل الثالث: في حفظ اللسان (...وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَليْهَا لِسَانَهُ). بيان معاني المفردات: هانت: من الهون أي استخف بالشيء وجعله ذليلًا. أمَّر: اي جعل عليها أميرًا، يقال أمر على القوم اي صار عليهم أميرًا فيجب ان يطاع. شرح الحكمة: نجد في هذه الانتقالة الى المقطع الأخير من هذه الحكمة البلاغة في التعبير، فبعد أن عرج (سلام الله عليه) إلى كشف الضر بالشكوى التي تتحقق بالكلام، ختم قوله بموعظة عن اللسان، تلك الجارحة التي إذا لم يحسن صاحبها ترويضها فإنها تغلبه وتقهره وتجعله أسيرًا لها. إن الله تعالى أنعم على الإنسان نعمًا عظيمة، ومنها نعمة اللسان، تلك النعمة التي إن أحسن استخدامها جنى من ورائها ثوابًا عظيمًا وإن أساء استخدامها كانت سببًا في هوانه وهلاكه. لذا نجد تأكيد أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) على التفكر مليًا قبل الكلام، وفي حديث عن الإمام الباقر (صلوات الله وسلامه عليه) يقول: "إنما شيعتنا الخرس" (6) وقد قيل (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) وقيل أيضًا (خير الكلام ما قل دل). ولعل هذا التأكيد على التزام الصمت والتكلم عند الحاجة فقط يعود إلى أن هناك الكثير من الذنوب التي ترتكب من خلال تلك الجارحة كالغيبة والنميمة والبهتان والافتراء والكذب وشهادة الزور وما إلى ذلك من ذنوب ومعاصٍ تقصم ظهر حاملها، وتؤدي به إلى النار لا محالة، فيما إذا لم يتمكن من ترويض تلك الجارحة ويمسك بزمامها ويجعلها طوعًا له. إن اللسان هو زينة العالم وبهاء العابد، فكن انت أميره وصاحبه، أطلق له العنان في تقديم النصح لإخوانك، وبذل ما تعلمته، فزكاة العلم نشره، فلا تبخل على غيرك به، فتلقى ربك بنفس ممتلئة بتلك المعلومات فتحاسب على عدم بذلها للآخرين، واجعل من عادته –اللسان- شكر المخلوق، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، وأجعله يلهج بالاستغفار ليرتقي منزلة المناجاة فيجعل من قلبك حرمًا لخالقك، ولكن حذار من أن يكون هو أميرك فتهون عليك نفسك. ختامها مسك: وخير ما نختم به كلامنا قول الله (عز وجل): {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (7) نجد أن الله تعالى كرّم تلك النفس الإنسانية ونفخ فيها من ذلك المخلوق الذي شرفه الله تعالى ونسبها إلى نفسه فقال (من روحي)، لذا نجد أن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) اهتم بها وحث على تكريمها وعدم تهوينها ببعض ما تبتلى به من أمراض، فعلى المؤمن أن يكون واعيًا وذا همة عالية في الحفاظ على تلك الأمانة الملكوتية. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين. __________________________ 1- جامع السعادات للشيخ النراقي، ج2،ص108. 2- منقول من نفس المصدر السابق. 3- كتاب كلمة الله للشهيد السيد حسن الحسيني الشيرازي: حسن الظن بالله، ص76. 4- تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي: ج11، ص243. 5- المصدرالكافي للشيخ الكليني. جزء 3، ص 115. 6- منقول من كتاب خمسون درسًا في الأخلاق للشيخ عباس القمي عن كتاب الكافي:ج2، ص92، ح2. 7- سورة الحجر: آية (28،29).
اخرىبقلم: كاردينيا ياس لا تذهب... يا شهر الخير لا تذهب وهل لي الخيرة في ذلك! أنتم لكم الخيرة... أترافقونني من شهر إلى شهر؟ ولكل شهر توفيقاته... فالخير لا يتوقف بشهر... كما إن كل الأشهر هي من حركة الكواكب وأمرها بيد خالقها! ها قد ذقتم حلاوة الحب و القرب... أروني ماذا عساكم تفعلون، بعد التذوّق! "مَن ذا الذي ذاقَ حلاوة محبتكِ، فرامَ منكَ بدلا؟ ومَن ذا الذي أنِسَ بقربكَ، فابتغى عنكَ حِولا؟"
اخرىبقلم: كاردينيا ياس الليل ما أطوله... حين... نؤخر شروق شموسنا... فلكلٍ... شموسٌ متعددة... بعضها من الداخل وبعضها مشتركٌ بين الداخل والخارج والبعض... من الخارج فقط... ويبقى العدد قابل للزيادة... المهم... أن لا نَحصر اُفق سمائِنا بشمسٍ قابلة للأفول... لأنها لا تبلّغنا المأمول... وإلّا تكررت خيباتنا... وطالَ ليلنا... أو قد لا يكونَ بعده صباح!
اخرىبقلم: علوية الحسيني الفاروق لغةً: مَنْ يَفْرُق الحقَّ من الباطِل" (١). ويوصف الرجل بالفاروق متى ما فرّق بين الحقّ والباطل، علمًا وعملاً، قولاً وفعلًا. الفاروق صفةٌ ادّعى البعض اتصاف فلان وفلان بها، وادّعى الآخرون انحصار وصف فلان بها، وكلاهما باطل؛ لأنّ المتتبع سيرة الشخص الذي يوصف بهذه الصفة لم يجده قد فرّق حقًا بين الحق والباطل، بل التبس عليه وخلط. والشواهد من الكتب كثيرة وتشهد معي بذلك، وعلى القارئ تحكيم عقله وتجرّده حينما يجيب على الأسئلة التالية: هل يسمى الشخص فاروقًا إذا لم يكن يعلم تفسير آية من آيات الله (جلّ جلاله): {وفاكهة وأبا} (٢)؟ هل يسمى الشخص فاروقًا إذا لم يفرّق بين التوحيد والتجسيم؟ "روي عن عمر أنه إذا جلس الرّب على الكرسي سمع له أطيط [صوت للكرسي] كأطيط الرجل الحديد" (٣). ففي عقيدته أنّ الرّب جسمٌ محمولٌ له ثقل كالرجل الحديدي، جالس على كرسي له أطيط من ذلك الثقل! حقيقةً أنا لا أعلم كيف يكون الشخص فاروقًا وهو يجعل من الله تعالى رجلاً حديديًا! والله وبالله وتالله لا أجد عقيدته هذه إلاّ مُقْرفة، وليست مُفَرِّقة بين الحق والباطل. ولبيان بـطلان هذه العقيدة نقول: أ/ لو كان جسماً لكان محتاجاً إلى أجزائه، والاحتياج صفة المخلوقات، والله سبحانه هو الغني المطلق، وهذا ينافي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد}. ب/ لو كان جسماً لجرت عليه أحكام وقوانين الزمكان، فيلزم أن يكون موجوداً في المكان، وعدم وجوده في الأمكنة الاخرى، وهذا ينافي قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}، فلو حواه مكان للزمت الإشارة إليه بالحواس-بالنظر أو باليد-، والمشار إليه محدود. فاذا كانت عقيدة فاروقكم في أشرف اصول الدّين هكذا، فكيف بها في سائر الاصول؟! بل وما حالها مع الفروع؟!. فانتفى بذلك أن يكون فلان فاروقا. إنّ المتتبع في السير يجد أنّ صفة الفاروق انفرد بها –بعد النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي (عليه السلام)-؛ حيث فرّق بين أصول الدّين واللوابس الهاجمة عليها، ففرّق بين التوحيد والتجسيم، وبين عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وعدم عصمته، وبين ضرورة وجود خلفاء منصوص عليهم بعد النبي (عليهم السلام جميعا) وبين أن تُترك الأمة سدى تأخذ أحكام شريعتها من استحساناتٍ خاطئة، ومصالح مرسلة، وسد ذرائعٍ هاوية. كما فرّق بين الجنة والنار؛ حيث هو قسيمهما، وشهدت كتب القوم بذلك، روى ابن حجر الهيثمي: " .... وأخرج الدارقطني : أن عليا، قال للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاما طويلا من جملته أنشدكم بالله (، هل فيكم أحد، قال له رسول الله: يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة غيري، قالوا: اللهم لا، ومعناه ما رواه غيره، عن علي الرضا، أنه قال له: أنت قسيم الجنة والنار، فيوم القيامة تقول النار هذا لي وهذا لك، وروى ابن السماك: أن أبا بكر قال له: سمعت رسول الله، يقول لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز" (٤). بل وصرّحت كتب القوم بأنّ عليًا هو الفاروق بين الحق والباطل؛ بدليل ما رواه الهيثمي في مجمع زوائده قائلًا: " وعن أبي ذر وسلمان، قالًا: أخذ النبي (ص [صلى الله عليه وآله وسلم]) بيد علي، فقال: أن هذا أول من آمن بي وهذا أول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصدّيق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين، رواه الطبراني والبزار، عن أبي ذر وحده" (٥). ومن هنا يجب اتباع الفاروق دون سواه؛ لتجنب الهلكة والزيغ، وإلاّ فمن يفارق عليًا فقد فارق رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)... " ... عن معاوية بن ثعلبة، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]): يا علي، إنه من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقكً فقد فارقني" (٦). فسلامٌ على الفاروق ما بقي الدهر، ليس سلاميَ على مَن لقـبتموه بهذا اللقب، عُــذرًا أيها القوم، ففاروقكم قال بلسانه "لولا عليّ لهلكتُ" (٧). فأيُّ فَرقٍ فرَّق إذاً؟! لكم فاروقكم ولي فاروق. ومن أصدق تجليات تفريق الفاروق علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أشرف اصول الدّين وأهمها وهو التوحيد، فله خطب صدحت بتوحيد الله (سبحانه وتعالى) وتنزيهه. منها ما روي "عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال: فقال: ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان" (٨). فلو أمكن رؤيته تعالى لهيمنت عليه أبصارنا وأحاطت به، فيكون الرائي (نحن المخلوقات) أقوى وأكمل من المرئي (الله سبحانه) وهذا باطل عقلاً؛ إذ جميعنا يشهد على نفسه بالافتقار إليه تعالى فكيف تنقلب الموازين هنا بجعل الله تعالى فقيرًا عن التجرد تحده أبصار مخلوقاته! وباختصار: أن الله تعالى موجود مجرد عن المادة تمامًا، فلا يمكن أن يُرى بالعين المجردة لأنها تقتضي المادية والكون في جهة ووو. أي إنّ الله سبحانه أخبرنا أنّه لامثيل له حتى نجري قانون الرؤية عليه -وسائر ما ينطبق على المخلوقات-، فالعين لا تدرك الاّ الأجسام أو صور الأجسام، والله تعالى ليس بجسمٍ ولا صورة جسمٍ حتى تحيط أعيننا به. و وجه امتناع رؤيته تعالى نقلاً فهو: وذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}. كما ويقول سبحانه: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} فالنفي الوارد في الآية واضح؛ معللاً سبحانه عدم رؤيته تعالى بأنّه هو الذي يدرك الأبصار ويحيط بهم حيث هو خبير بشؤون أصحاب الأبصار، وليس العكس. وللإمام الفاروق علي (عليه السلام) خطبة عظيمة في التوحيد، نأخذ شعاعًا من وهجها، يقول فيها: "مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ، وَلاَ حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ، وَلاَ إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَه..." (٩). يريد الإمام (عليه السلام) إبطال عقيدة مَن يجعل لله كيفًا بصورةٍ أو خيال، ومِثلًا يعكس حقيقة الإله، وشبيهًا يشابهه الصورة والهيأة. فالله تعالى لا كيف له، ولا مِثل، ولا شبيه، ومَن يثبت ذلك فليس بموحدٍ، ولا مدرك لعظمة الله تعالى، و ليس إيّاه يعبد، بل يعبد رجلاً حديديًا جالسًا على كرسيّه! صنعه من نسج خياله. وأخيرًا أقول: على القارئ المقارنة بين عقيدتي: (تنزيه الله سبحانه) و (تجسيم الإله)، وسيتضح له مَن هو الفاروق. _________________ (١) معجم المعاني، مادة فرق. (٢) ظ: الدر المنثور في التفسير بالمأثور: للسيوطي، ج٨، ص٤٢١-٤٢٢. (٣) كتاب العرش: لمحمد الذهبي، ج٢، ص١٢٠-١٢١. (٤) ظ: فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل ومن فضائل علي (ر[عليه السلام]) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبد الله، ج٢، ص٦٧٤. (٤)الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة: ابن حجر، الفصل الثاني في فضائله (ر) وكرم الله وجهه، ج٢، ص٣٦٩. (٥) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للهيثمي، كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب (ر) - باب اسلامه (ر)، ج٩، ص١٠٢. و تاريخ دمشق: لابن عساكر، ج٤٢، ص٤١-٤٣. (٦) فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل، فضائل علي، ج٣، ص٥٧٠. (٧)ظ: فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل، ومن فضائل علي (ر[عليه السلام]) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبد الله، ج٢، ص٦٤٧. (٨) الكافي: للكليني، ج١، باب ابطال الرؤية، ح٦. (٩) نهج البلاغة: خطبة له في التوحيد. والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمدٍ المصطفى، ووصيه الفاروق المبين، علي بن أبي طالب سيّد الموحدين، وعلى آلهما الأتقياء النجباء.
اخرىبقلم: ريحانة المهدي لا ترحل... تمهل يا شهر الخير لمَ تتعجل وبدأت ترحل وأنتم، وأنا أيضًا... لا تودعوه، بل ابقوا قريبين منه ولازموه... بل خذوه معكم إلى باقي عامكم شهر رمضان ليس شهرًا فقط... بل هو أسلوب حياة يملأه عبق الايمان وبداية التغيير للنفس والروح لا تودعوه... بل اعشقوه بل افسحوا له المجال ليحيا معكم، وتحيوا به طوال العام الصوم لا ينتهي... القرآن لا يُهجر... والمسجد لا يُترك... هو مدرسة وحياة وروح وتغيير داخلي للأحاسيس والمشاعر... آن لكم أن لا تقولوا له: وداعًا... كي لا تموت التقوى في القلوب واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
اخرىبقلم: دينا فؤاد المحور الثالث: دور الخطيبة في ترسيخ الفكر العقيدي في المجتمع الخطابة لغة: (الخطب: الشأن، والأمر صغر أو عظم، خطبة. وخطب الخاطب على المنبر خطابة، بالفتح، وخطبة، بالضم، وذلك الكلام: خطبة أيضًا، أو هي الكلام المنثور المسجع ونحوه). (14) وأما تعريف الخطابة في الاصطلاح فقد وردت فيه تعاريف عديدة ومن أقدمها تعريف أرسطو بأنها: (قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحد من الأمور المفردة). (15) ومما لاشك فيه أن للخطيبة دورًا مهمًا، لأنها تتولى دور الاصلاح والتوعية الدينية من خلال دورها الاعلامي الذي تمارسه والذي ينبغي أن يكون انطلاقًا من قول الامام الصادق (عليه السلام): "احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا". فالخطيبة تقدم للمجتمع -من خلال خطاباتها- الغذاء الروحي والوعي الكامل من خلال توضيح القضايا التشريعية والعقائدية والاجتماعية، وأيضًا تحدد المسار الذي يجب أن يلتزم به الفرد المسلم بوجه عام والفرد الشيعي المؤمن بوجه خاص؛ لأنها ستقوم بمهمة التحصين العقدي بواسطة تأصيل العقيدة في النفس وتربيتها بإزالة الأفكار الهادمة للنفس والآراء المضلِّة لها، وخاصة التي تبعده عن الطريق الصحيح، فالمجتمع الآن بحاجة إلى ترسيخ في العقيدة الصحيحة؛ لأن هناك الكثير من الصراعات الفكرية التي تحاول النيل من المجتمع بنشر الأفكار الضالة وخاصة في فئتي الشباب والنساء لإبعادهم رويدًا رويدًا عن الدين القيم. والخطابة تتكون من أسس مهمة وهي: المشافهة والجمهور والاقناع والاستمالة. (16) وهذه الأسس هي التي ستمهد النجاح للخطيبة إذا ما أحسنت تطبيقها. لقد أصبحت الخطيبة إحدى المصادر الأساسية التي تبني الشخصية الدينية من خلال توجيه الرأي العام نحو تشكيل الوعي الفكري والثقافي والسياسي، فهي بهذا تكون قد حافظت على الإسلام وبيضته. فهي تحاول حماية الإسلام من الأفكار التي تحاول نخر جسد الأمة الإسلامية باتخاذ مظاهر الحياة الحديثة. (17) وحفاظها على الإسلام وبيضته يكون ببث المفاهيم الإسلامية وتعاليمها للنساء وخاصة في ما يتعلق بعبادتهن ومعاملاتهن. وبذلك أصبحت هذه الخطيبة الشيعية وسيلة إعلامية لا يوجد لها نظير بالنسبة إلى غيرها من المذاهب الإسلامية الأخرى. وقد استمدت الخطيبة دورها الإعلامي من قدوتها السيدة زينب (عليها السلام) إذ كانت أول خطيبة وإعلامية عرفها التاريخ بتصريحها بالقضية الحسينية وبيان طريق الحق الذي هو طريق الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال نهضته على الظالمين. والواقع أن دور الخطيبة ينطلق من إحيائها للدين وترسيخها للقيم العليا التي نص عليها الإسلام. وأهم القضايا التي تنصب على عاتق الخطيبة في دائرة التوجه الفكري العقدي هي قضية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) والتأكيد عليها في كل محضر تحضره؛ لأن هذه القضية تحمل أهدافًا ورسالة وتحتاج إلى الوعي بها وإشعال العواطف تجاهها، وفوق كل ذلك تحتاج إلى تيقن الفرد بأنّ نجاته وصلاحه متوقف على صاحب هذه القضية. ومن هنا يأتي دور الخطيبة بتوجيه النساء إلى مسألة عقائدية كبيرة لدى الشيعة وهي التهيؤ والاستعداد لظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) والتعريف بقيامه المبارك والعلامات التي تسبق ظهوره الشريف وأعماله الإصلاحية التي يقوم بها سواء كانت دنيوية أم أخروية.(18) وهي بذلك تكون قد ساعدت على إحياء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) من خلال نشر علومهم والولاء لهم بالتذكير بحقهم وزيادة حبهم في قلوب الموالين لهم بإظهار مناقبهم وتضحياتهم من أجل الدين. وإنّ وظيفة الخطيبة لا تنحصر في المحاضرات الدينية والثقافية، بل تشمل الإصلاحات الاجتماعية والإنسانية من تقديم المساعدات لجميع طبقات المجتمع، ولا اقصد بالمساعدات المادية فقط، فهي غير محصورة بها، وإنما هناك العديد منها وبالذات تقديم المساعدة في الإصلاحات النفسية؛ إذ إن لها أثرًا كبيرًا على نفس الإنسان وتصحيح مساره بالشكل المطلوب. وأيضًا تحاول الخطيبة بذل كل ما في وسعها لحماية هذا المجتمع من الانزلاقات وراء الشبهات التي ينجر لها المجتمع دون وعي أو إدراك، فنحن نرى الكثير من أفراده ينقادون لكل ما يتم طرحه وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من غير فرق بأن يكون ذلك بالمجال الفقهي أو العقائدي ويسلمون له بمجرد أنه صادر من شخصية أو موقع شيعي. وفي الحقيقة أن هذا يحتاج إلى التفاتة كبيرة من قبل الخطباء بضرورة الاطلاع على كل ما يتم طرحه والتحقيق فيه، وإذا ما تبين بطلانه يجب الإعلام، وهذه مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق كل من يتصدى لأن يكون علمًا للمنبر من الخطباء. ونلاحظ أن واجب الخطيبة تجاه ذلك أكبر؛ لأن طبقة النساء تحتاج إلى جهد أكبر لأن أغلب النساء لا تراعي الاستعلام والتحقيق فيما يصل إليهن، فهن منكبّات على الأمور الملقاة على عاتقهن بدون أن يجعلن لأمور دينهن النصيب الأوفر. ومن هنا يأتي دور الخطيبة في أن تتعامل بحذق في هكذا أمور، وأن تعالجها بالكثير من الحكمة والصبر، وإرشادهن إلى الطريق الصحيح بلا أن يكون هناك سأم ولا ملل، بل يجب عليها استعمال أسلوب الجذب والترغيب، وطرح هذه القضايا بصورة مفصلة وفي نفس الوقت بأسلوب سلس، وكسب هذه النساء وجرهن إلى الطريق السليم بدون أن يكون هناك أي نزاع أو تعصب. ومن المسائل التي يجب على الخطيبة بيانها للنساء: مسألة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فهناك الكثير من المسائل التي نالت من المسلمين ولكن بسبب العزم الكبير من قبل الخطباء الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) المحافظين على تلك المدرسة العظيمة لم يتمكن أحد من المساس بالعقيدة المهدوية لدى الشيعة وأن كان ما طرح حولها كثيرًا. فقد صدر عن مركز الاستخبارات كتاب للأمريكي مونيكال براينز قد ذكر فيه: (إن الشيعة لازالوا يحتفظون بفاعلية وحركية تقاوم المخططات الغربية دون بقية المسلمين، وأنّ نداءات يا حسين ويا أبا الفضل العباس قد ألهبت الشارع الجماهيري الشيعي، والشيعة تمثل القطاع الحي والنابض في العالم الإسلامي، وهم أتباع أهل البيت وأتباع سيد الشهداء (عليه السلام) ومن ثم فإنه يقرر أن عنصر قوة الشيعة يتمركز في عزاء الإمام الحسين والارتباط بالإمام الحسين وهو الذي يبعثهم على استرخاص النفس ورفض منطق العدوان والظلم). (19) ولا ننسى أن الطريق الذي سلكه الإمام الحسين (عليه السلام) مع ما فيه من إصلاحات هو طريق ممهد ومعلن في ذات الوقت لطريق الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ومسيرته واصلاحاته، فيجب على الخطيبة تسليط الضوء على هذه العلاقة وربط كل الوجود بالظهور المهدوي، وتهيئة الموالين لذلك الظهور المبارك وتعميق الاتصال والشعور بين الموالين والإمام المنتظر؛ إذ على يده فرجهم وخلاصهم. وتهيئة الخطيبة للموالين يكون من خلال حثهم على الدعاء له بالفرج، وتمسكهم بالآداب الخاصة بغيبته الشريفة وإحساسهم بأن الإمام وإن كان غائبًا ولكنه حي وموجود بيننا وهو بحاجة إلينا لكي ندعو له لا فقط بحناجرنا وإنما بقلوبنا، فكيف نتعامل لو غاب عنا من هو عزيز علينا أو سجن ألا نكثر له الدعاء، ألا نفتقده ونفكر فيه طوال الوقت، هكذا يجب أن يكون الحال مع الإمام (عليه السلام)، وذلك من معطيات الاعتقاد بالإمام الحي والتي تمنح المذهب غناء وحيوية وهي غير خافية على من له تأمل وبصيرة. (20) وإذا ما فعلت الخطيبة ذلك ستكون قد رسخت الفكر العقدي في المجتمع للعقيدة المهدوية، وتكون مكملة لرسالة الإصلاح التي بدأها الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن بعده الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وسالكة لطريقهم الذي هو طريق الله سبحانه. توصيات مهمة للخطيبة هناك عدة توصيات مهمة يجب أن تتصف بها الخطيبة من أجل الرقي بعملها، وهي التي ستمهد لها الطريق في نجاح عملها كخطيبة، ومنها: 1- الولاء لله سبحانه من خلال الانقياد والتسليم التام لا في مجال دورها كخطيبة فقط وإنما في جميع المجالات، يقول سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. (21) 2- حسن الخلق وضبط العواطف، وهذه من الصفات المهمة التي يجب أن تتصف بها الخطيبة، فإذا لم تستطع ضبط عواطفه فإنها لن تستطيع إكمال طريقها كخطيبة. 3- أن تتحرر من الأنا، وذلك من خلال الانطلاق في رحلة مسيرها إلى الله سبحانه وترك الاهواء والشهوات التي ترتبط بالذات الإنسانية، وهي وإن كانت رحلة صعبة ولكن عندما يخلص الفرد حبه لله فإن الأهواء الشيطانية سوف تتحلل وتندثر. 4- أن تكون الخطيبة حاكية عن الوحي، فكثيرا ما يقع الإنسان في الخطأ بطبيعته، ولكي تتخلص الخطيبة من الخطأ عليها ان تتمسك بكلام الوحي المنزل على نبينا (صلى الله عليه وآله) فهو الحق القويم، وبه يأمن الشخص من الوقوع في الخطأ والانحراف، يقول سبحانه:{الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}. (22) 5- الصبر على مشكلات العمل، وهذا أمر واقعي يجب أن تتحلى به الخطيبة لنجاح عملها، وبدون الصبر ستكون النتيجة هي الفشل. يقول الله: (ولنجزين الذين صبروا أجورهم بأحسن ما كانوا يعملون). (23) 7- الابتعاد عن مواطن التهمة، وذلك بعدم الثناء على شخص معين أو حزب خاص ودعم الترويج لأي إنسان، والثناء والترويج يكون لله سبحانه ولرسوله ولأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين). 8- إتباع أسلوب إيقاظ الوجدان لكل من تداخل النسيان أو الشك أو الغفلة في إضمار وجدانه، فالإنسان ذو فطرة سليمة يميل إلى الحق وينفر من الباطل، وكما قال تعالى: {فذكر أن نفعت الذكرى}. (24) 9- المرونة في التعامل، وهي إحدى الوسائل التي تعطي ايجابيات كثيرة للخطيبة تصل بواسطتها إلى قلب المتلقي من خلال الإدراك السريع لكلامها بسبب المرونة في تعاملها. 10- اتخاذ الخطيبة أسلوب الترغيب والترهيب، فالمجتمع منقسم إلى أقسام، فالبعض يأتي بالترغيب والبعض يأتي بالترهيب. الخاتمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الرحمة وشفيع الأمة محمد وآله الطيبين الطاهرين. بعد إتمام البحث والاطلاع على الكثير من الكتب في مجال الإمام الصادق (عليه السلام) والعقيدة المهدوية، توصلت من خلال إدراكي البسيط إلى حجم الغل والعداء المستبطن لدى الكثير من الذين يحاولون إثارة الشبهات حول العقيدة المهدوية لأجل التعريض بالإسلام والمسلمين وخاصة الشيعة، وذلك ظاهر علنا في المؤلفات التي يتم نشرها من قبلهم وبخاصة من المنظمات الاجنبية، والتي تهدف إلى الإساءة وبشتى الطرق وبكافة المجالات إلى الرسول الأعظم وأهل البيت (عليهم السلام)، في محاولة للنيل منهم وبالتالي النيل من الدين الإسلامي بتأكيد القصور فيه لخلوه من الحجة كما يزعمون، وكيف كان الدور الكبير للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في الدفاع عن الإسلام وعقائده وبالذات العقيدة المهدوية. ومن خلال هذا البحث تعرضنا إلى الشبهات التي أثارها الإمام الصادق (عليه السلام) لعلمه بأن هناك من سيطرحها مستقبلًا ورده عليها، وإن كان تعرضنا للشبهات والرد عليها كان بصورة مقتضبة لضيق مساحة البحث المسموح بها، وأيضًا الأثر الكبير الذي يأتي من دور الخطيبة في ترسيخ وتأصيل العقيدة المهدوية. والحمد لله رب العالمين. ____________________________ 14ـ ينظر، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج1، باب الباء، فصل الخاء. 15ـ ارسطو، طاليس، الخطابة، ص9. 16ـ ينظر، الحوفي، أحمد محمد، فن الخطابة، ص5. 17ـ ينظر، فرأت بعد الحسين كاظم، العزاء الحسيني من خلال وثيقة أمن السلطة في العراق 1974، ص12. 18ـ ينظر، محمد رضا محمد علي، ظهور الإمام المهدي يوم العاشر من محرم، ص2. 19ـ السند، محمد، الشعائر الحسينية فقه وغايات، ج2، ص115. 20ـ ينظر، القمي، عباس، تاريخ الإمام صاحب الأمر والزمان، ص6. 21ـ سورة النحل، الآية:59. 22ـ سورة البقرة، الآية:1-2. 23ـ سورة النحل، الآية: 96. 24ـ سورة الأعلى، الآية: 9.
اخرى